البي بي سي: وجه جديد للحكومة الجديدة
مسلم عباس
2016-09-26 09:59
تعتزم الحكومة البريطانية اجراء اصلاحات واسعة لهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي)، بعد سلسلة انتقادات وجهت لهذه المؤسسة الاعلامية العالمية، إذ يقول منتقدوها بانها اصبحت مؤسسة مترهلة ولا تستطيع مواكبة التغيرات السريعة في الفضاء الاعلامي المفتوح، فيما يقول اخرون انها لا تزال تحتفظ بقدر لا بأس به من الاحترام والتقدير لدى جمهورها العالمي.
شخصية جديدة ستتولى رئاسة هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) بعد أن قررت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عدم الالتزام باختيار سلفها ديفيد كاميرون لمن سيشغل المنصب وذلك في واحدة من عدة خطوات تخالف النهج الذي كان قد رسمه من قبل.
ومؤسسة (بي.بي.سي) بصدد الخضوع لعملية إصلاح شاملة لهيكلها الإداري تشمل إلغاء مجلس أمنائها الذي ينظم عملها حاليا والذي يقول كثير من منتقديه ومنهم شخصيات كبيرة في حزب المحافظين الحاكم إنه بلا فاعلية.
وكان كاميرون قد قال لرونا فيرهيد التي ترأس مجلس الأمناء إنه حينما يتم إلغاء مجلس الأمناء فستتمكن من الانتقال بسلاسة إلى منصب مستحدث هو رئاسة مجلس إدارة (بي.بي.سي) الذي سيتولى إدارة المؤسسة العام المقبل. ولكن مجلس الأمناء قال إن حكومة ماي قررت إجراء عملية تنافسية لتعيين أول رئيس لمجلس الإدارة ونشرت تصريحا صادرا عن فيرهيد تقول فيه إنها لن تتقدم بطلب لشغل المنصب.
وقالت "أرى أن من الأفضل أن يكون هناك انفصال تام دون ذيول وأن تعين الحكومة شخصا جديدا وأن أواصل مهنتي في القطاع الخاص مثلما كنت أخطط دوما".
وكانت الحكومة قد أعلنت في مايو أيار عن إصلاحات في (بي.بي.سي) ولكن دون أن يصل الأمر إلى التدخل العميق الذي كان يخشاه بعض نجوم الشبكة ومنتجو البرامج. ولكن هذه الإصلاحات أعطت صلاحيات تنظيمية لجهة رقابة خارجية هي أوفكوم للمرة الأولى في تاريخ (بي.بي.سي) الممتد منذ 94 عاما.
وستخضع علمية الإصلاح الشامل لتدقيق أشد في المؤسسة التي يعتبرها البعض مترهلة وغير فاعلة على الرغم من أن متابعيها يكنون تقديرا واحتراما لها في الداخل والخارج بسبب برامجها والدراما التي تعرضها. وسيركز المجلس الجديد على إدارة المؤسسة في وجود إشراف تنظيمي تقوم به أوفكوم. وستعين الحكومة ستة ليكونوا أعضاء في المجلس على أن تعين (بي.بي.سي) ثمانية أعضاء.
وكان كاميرون الذي استقال من منصبه عقب الإخفاق في إقناع البريطانيين بالتصويت لصالح البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي قد قال لفيرهيد في اجتماع خاص في مايو أيار إنها ستنتقل من رئاسة مجلس الأمناء إلى رئاسة مجلس الإدارة الجديد عند تطبيق الإصلاحات. وهذا التغيير في الخطط من جانب تيريزا ماي هو الأحدث في سلسلة خطوات تقرر الرجوع فيها عن قرارات اتخذها كاميرون.
وقال داميان كولينز عضو مجلس العموم البريطاني عن حزب المحافظين "كان الناس سيقولون على الدوام.. حسنا لقد تم عرض وظيفة (المجلس) على رونا فيرهيد وراء أبواب مغلقة". وأضاف كولينز الذي يرأس بالإنابة لجنة إعلامية في البرلمان "لم يعد بمقدور الناس أن يقولوا ذلك الآن. وأيا كان الذي سيرأس بي.بي.سي فسيتوجب تعيينه وفقا لعملية سليمة".
ماذا عن المستقبل؟
وقالت لجنة الحسابات العامة المنبثقة عن مجلس العموم البريطاني، وهي جهة تتمتع بنفوذ واسع، إن على الحكومة العمل لتأمين مستقبل خدمات بي بي سي الدولية، ولكن عليها ايضا وضع اهداف محددة واكثر صرامة، فيما يخص عدد المستخدمين، ينبغي للخدمات العالمية تحقيقها.
وقالت لجنة الحسابات العامة، المسؤولة عن التحقق من الانفاق الحكومي، إن على بي بي سي زيادة عدد مستخدمي اذاعة بي بي سي العالمية (باللغة الانجليزية) والتلفزيون العالمي وخدمات الانترنت.
وقالت اللجنة إن اهدافا "متساهلة" وضعت للخدمات العالمية، وعليها عمل المزيد لجذب اعداد اكبر من المتابعين عبر وسائطها الثلاث. كما دعت اللجنة الحكومة الى الكشف عن المبلغ الذي ستمنحه لخدمات بي بي سي العالمية في الفترة التي تلي عام 2020 لتمكينها من الاستثمار في خدمات لغات جديدة.
وكانت الحكومة منحت خدمة بي بي سي العالمية مبلغ 289 مليون جنيه استرليني للفترة 2016 الى 2020 لمساعدتها في توسيع مطاق خدماتها ومن خلال ذلك تعزيز المحاسبة الديمقراطية والقيم البريطانية حول العالم. ولكن وزارة الخارجية وبي بي سي والادارة المشرفة عليها لم تتفق الى الآن على الاسلوب الانجع لقياس نجاح هذا الاستثمار، وقالت اللجنة إنه ينبغي طرح ترتيبات المحاسبة فيما يخص ذلك "بالسرعة الممكنة."
وقالت رئيسة اللجنة ميغ هيليار "توفر خدمة بي بي سي العالمية خدمة حيوية للملايين من الناس، كما تروج لبريطانيا وقيمها حول العالم. ولكن لا يمكن لها ان تتطور وتثري الا اذا واكبت بشكل فعال الظروف المتغيرة وبرهنت على التزامها بتقديم خدمة موازية بجودتها للأموال التي يصبها فيها دافعو الضرائب. ويتطلب ذلك توجها مشتركا من الحكومة وبي بي سي". وقالت إن على بي بي سي اثبات جدواها للجمهور البريطاني بشكل اكثر وضوحا.
وتراجعت بريطانيا يوم الخميس عن تقليص حجم ونطاق عمل (بي.بي.سي) بعد أن اتهمت هيئة البث التي تمولها الحكومة وأكبر نجومها الوزراء بتهديد استقلال المؤسسة التي يبلغ عمرها 94 عاما. وكشفت الحكومة عن مراجعة تجريها كل عشر سنوات وقالت إنه سيتم تأسيس هيئة جديدة للإشراف على (بي.بي.سي) وستعلن مرتبات كبار موظفيها للرأي العام لتحسين الشفافية ومعالجة مخاوف من أن أكبر مؤسسة إعلامية بريطانية في مجالات التلفزيون والإذاعة والأخبار على الانترنت تعمل على خنق المنافسين.
لكن الحكومة تفادت إجراءات أكثر صرامة مثل السماح لوزراء بأن يملوا على (بي.بي.سي.) ما تذيعه خلال ساعات الذروة مثل مساء السبت أو حتى إجبارها على تسليم جزء من دخلها ومصدره ضريبة يدفعها كل منزل بريطاني تقريبا إلى شبكات بث تجارية أخرى.
وقال وزير الثقافة جون ويتينجديل للبرلمان "بي.بي.سي هي واحدة من أعظم المؤسسات في البلاد. هدفنا الأسمى هو ضمان أن تواصل بي.بي.سي الازدهار وسط مشهد إعلامي تغير بشكل جذري منذ آخر مراجعة قبل عشرة أعوام".
وتمول خدمات (بي.بي.سي) المكثفة والتي يقدر أنها تصل لنحو 97 في المئة من البريطانيين كل أسبوع من خلال دخل مضمون يقدر بنحو 3.7 مليار جنيه استرليني (5.35 مليار دولار) من رسوم ترخيص تفرض على كل المنازل التي تملك أجهزة تلفزيون.
وقال منتقدون لعملها إن تغطية (بي.بي.سي) الإخبارية منحازة سياسيا رغم أن المنتقدين يختلفون فيما إذا كانت منحازة لليمين أم اليسار. وقال المدير العام ل(بي.بي.سي) توني هول "كان هناك نقاش كبير بشأن مستقبل (بي.بي.سي). طرحت تساؤلات عن دورها ومكانها في المملكة المتحدة. هذا سليم وصحي وأرحب بهذا النقاش".
ميثاق جديد
وزير الثقافة جون ويتينغديل قال انه يجب على هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن تضع "المحتوى المتميز" في صميم اهتمامها. وجاء تعليق ويتينغديل ضمن تعديل كبير لطريقة إدارة بي بي سي كشفت الحكومة النقاب عنها في البرلمان. وأوضح ويتينغديل أنه "يؤكد على أنه لا يعني أن بي بي سي لا يجب أن تكون جماهيرية".
وكان وزير الثقافة يشير إلى تكهنات سابقة بأن بي بي سي لن يسمح لها بوضع جدول برامجها التي تحظى بجماهيرية عالية بصورة تنافسية مع القنوات التلفزيونية البريطانية الأخرى. وينص الكتاب الأبيض، الذي يوضح إصلاحات الحكومة البريطانية لكيفية عمل بي بي سي، على أن مجلس الأمناء الذي يشرف على الهيئة سيتم إلغاؤه، وسيتم تأسيس مجلس بديل لتسيير شؤونها اليومية.
وتتولى الهيئة المشرفة على وسائل الإعلام، "أوفكوم"، الدور النهائي بشأن شكاوي المصداقية والدقة التي ترفع على المؤسسة. كما يتوقع من بي بي سي وفقا للميثاق الجديد أن تقدم المزيد من المحتوى المتميز، خاصة لفئات الجمهور التي لا تحظى باهتمام كبير.
وقال ويتينغديل "بعض من أكثر برامج بي بي سي تميزا لديها جمهور عريض جدا لأنها جيدة للغاية". ولكنه أضاف "سيكون من المتطلبات التي نضعها أن يكون تقديم برامج وخدمات متميزة من صميم مهمة بي بي سي".
وسيستمر دفع ضريبة مشاهدة التليفزيون البالغة 145.50 جنيها استرلينيا سنويا لمدة 11 عاماً، وسيكون على المشاهدين دفع قيمة منفصلة لمشاهدة برامج بي بي سي على الإنترنت.
وتشمل الإجراءات التي تم الإعلان عنها:
ضرورة تقديم محتوى وخدمات متميزة، والتركيز على قطاعات الجماهير التي لا تُخدم بالشكل الكافي، خاصة الذين يأتون من خلفية عرقية من الأقليات.
مجلس موحد جديد يدير المؤسسة بدلا من مجلس الأمناء.
سيكون بمقدور بي بي سي تعيين أغلبية أعضاء مجلسها بصورة مستقلة عن الحكومة.
القرارات التحريرية ستكون بصورة واضحة مسؤولية المدير العام لبي بي سي.
ستمنح أوفكوم سلطة تنظيم جميع خدمات بي بي سي.
نشر رواتب المديرين الذين تزيد رواتبهم السنوية عن 150 ألف جنيه استرليني والمذيعين وأصحاب المواهب الذين تزيد رواتبهم السنوية على 450 ألف جنيه استرليني.
آفة التقشف
هيئة "بي بي سي" البريطانية اعلنت في وقت سابق ضمن خطة تقشف مالي، الغاء الصفحة المخصصة لوصفات الطبخ من موقعها الالكتروني، والتي تحتوي على 11 الف وصفة، الامر الذي اثار استياء المهتمين.
ومن ضمن خطة التقشف الغاء صفحات اخرى منها المخصصة لمعلومات السفر، وهو ما يوفر على الشبكة البريطانية الاكبر في العالم في مجال الاعلام، 15 مليون جنيها استرلينيا.
لكن يبدو ان الغاء الصفحة المخصصة لوصفات الطبخ "بي بي سي فود" ستكون الاصعب في بريطانيا التي تحظى برامج الطهو فيها بمتابعة واسعة.فقد وقع ستون الف شخص عريضة على الانترنت تدعو الى الحفاظ على الوصفات الموجودة اصلا على الموقع.
وقالت ايما بارينغتون التي اطلقت العريضة "موقع بي بي سي فود مجاني ومستقل وبريطاني، من الغباء عدم الحفاظ على الأقل على الوصفات الموجودة اصلا في ارشيفه".
ورد مصدر في بي بي سي "اذا كان موقع الطبخ سيقفل ولن يجدد وصفاته، الا ان الوصفات الاحد عشر الفا الموجودة اصلا ستبقى".
ويرى كثيرون ان قرار الاقفال هذا يحمل بصمات الحكومة المحافظة التي دعت هيئة "بي بي سي" الى تقديم خدمات اعلامية تختلف عن تلك التي تقدمها وسائل الاعلام التجارية. وبرر جيمس هاردينغ مدير "بي بي سي نيوز" قرار الهيئة قائلا "لا يمكنها ان تقدم كل كشيء لكل الناس". ومنذ العام 2010، تتبع الشبكة سياسة تقشف ادت الى الغاء الاف الوظائف وعدد من الخدمات.