هل يخسر الغرب معركة السرديات في الشرق الأوسط؟
معهد واشنطن
2022-05-12 06:19
بقلم: آنا بورشفسكايا، كاثرين كليفلاند
من الضروري أن تواصل واشنطن وحلفاؤها استراتيجية عدم الاعتراض على المعلومات المضللة، كما عليهم التعبير عن وجهة نظرهم للجمهور العربي بطريقة أكثر فعالية مع تسليط الضوء على النفاق الروسي والصيني.
في ظل الغضب الغربي من الحرب التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا، تتأثر وجهات النظر في الشرق الأوسط بشأن النزاع بمواقف المنطقة تجاه الغرب نفسه. وعادة ما تتباين السرديات العربية في عرضها لردود الفعل الغربية وتشمل اتهام الولايات المتحدة بالنفاق وازدواجية المعايير.
وتقدم الرسوم الكاريكاتورية السياسية لمحة فريدة من نوعها عن هذه التصورات. كما تساعد على إظهار الكيفية التي ينظر فيها الشرق الأوسط إلى نفسه في إطار المنافسة الأوسع نطاقاً بين القوى العظمى، أي الولايات المتحدة وروسيا والصين.
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، قدّمت الرسوم الكاريكاتورية المنشورة باللغة العربية وجهات نظر متباينة حول أعمال روسيا. وتتراوح وجهات النظر هذه بين الدعوات المحايدة لإجراء مفاوضات والإدانات العلنية للفظائع الروسية - والعرب المستعدين للإشادة بديكتاتور مثل بوتين. وتجسد صحيفة "الاتحاد" الإماراتية الرأي الأول، فرسومها المعروضة تخلو من أي تلميح إلى الضحية أو الذنب. ومن ناحية أخرى، عمد بعض رسامي الكاريكاتور مثل عماد حجاج - الذي تُنشر رسومه بانتظام في صحيفة "العربي الجديد"، ومقرها المملكة المتحدة - إلى إدانة مذبحة بوتشا علناً.
النفاق هو الموضوع المحدد
على الرغم من تنوع وجهات النظر، طغى موضوع محدد في الشرق الأوسط - وهو الاختلال الشديد في التوازن بين استجابة الغرب لأوكرانيا وردة فعله على النزاعات الأخرى. ويتصدر تصوير رسامي الكاريكاتور العرب للنفاق الغربي العديد من العروض عن الحرب. وكثيراً ما يُستشهَد بسوريا التي شهدت إراقة دماء وفظائع أسوأ مما رأيناه حتى الآن في أوكرانيا. ومن منظور إقليمي، أظهرت أوروبا معايير مزدوجة من خلال استقبال الأوكرانيين بسهولة أكبر من السوريين - أو اللاجئين من أماكن أخرى في الشرق الأوسط.
أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فينصب التركيز على نظرة المنطقة إلى النفاق الغربي. وفي الرسوم الكاريكاتورية، يتعارض القلق الدولي بشأن النزاعات الأخرى مع مقاربات القضية الفلسطينية، أو يُنظر إليه على أنه مذعن للسيطرة الأمريكية على الرأي العام العالمي. وفي الواقع، تقارن الرسوم الكاريكاتورية السياسية العربية مراراً وتكراراً بين أوكرانيا وفلسطين - من حيث النظرة الدولية إلى العنف ضد قوات الاحتلال، أو إلى اللاجئين، أو إلى تدمير المباني المدنية. وعندما أجرى الكاتب السياسي الكويتي الساخر شعيب مقابلة وهمية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أعرب هذا الأخير عن أسفه على قيام بوتين بقصف أوكرانيا وتدميرها، بينما "تركني الغرب وحيداً". فردّ شعيب بأنه يبدو أن زيلينسكي يريد الارتباط مع سوريا وفلسطين بحزمة واحدة [في كل ما يتعلّق بما تمر بلاده من مشقات].
الانحطاط الى مستوى التشكيك في المواقف
تكشف هذه المقارنات عن سوء فهم خطير لما يتسبب بالغضب الغربي، والتأثير العميق والمباشر الذي تُحدثه الحرب في أوكرانيا على الغرب. أولاً، نشبت الحرب في أوكرانيا على أعتاب "الاتحاد الأوروبي" - وتستضيف بولندا وحدها بالفعل أكثر من مليونين ونصف مليون لاجئ أوكراني. وينبع الغضب الغربي أيضاً من نية بوتين في إعادة هيكلة البنية الأمنية في أوروبا. أما المخاوف من التصعيد الروسي المحتمل إلى حرب مع حلف "الناتو"، والاستخدام المحتمل للأسلحة النووية، فتشكّل عوامل مقلقة بشكل فريد يجب أن يتعامل معها صانعو السياسات الغربيون عندما ينظرون في الحرب الأوكرانية. ويساعد هذا السياق في تفسير سبب إثارة الحرب في أوكرانيا لردة فعل أقوى من النزاعات الأخرى.
ومع ذلك، فقد قارن عدد من الصحفيين في وسائل الإعلام الغربية أوكرانيا بالشرق الأوسط مستخدمين لهجةً تلمّح إلى أن معاناة الأوكرانيين هي أسوأ نوعاً ما. وقد تم استنكار هذه المواقف بشدة على النحو الواجب. وحاولت العديد من المقالات الفكرية شرح هذه الثغرة في إعداد التقارير وفهمها، وذلك في بعض المنشورات مثل "الإذاعة الوطنية العامة" الأمريكية (NPR)، و"قناة الجزيرة الإنجليزية"، وغيرهما. ولكن تسجيلات هذه التصاريح موجودة على الرغم من ذلك، وهي تقوّض المصداقية الغربية. ووفقاً لـ"إحصائيات جوجل"، فإن الاهتمام الذي أولاه الأمريكيون للحرب في أوكرانيا يفوق بسهولة الاهتمام بسوريا منذ عام 2011 فصاعداً. ومع ذلك، فإن دور روسيا في سوريا لا يقل تدميراً عن أفعالها في أوكرانيا. وبهذا المعنى، يكون رسامو الكاريكاتور العرب على حق.
ولكن اتهامات رسامي الكاريكاتور بالنفاق تنحط أحياناً إلى مستوى التشكيك بالمواقف، وكارلوس لطّوف هو مثال على ذلك. فقد كرّس رسام الكاريكاتور البرازيلي، المشهور على وسائل التواصل الاجتماعي العربية، جزءاً كبيراً من حياته المهنية لمناصرة حقوق الفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية. وابتكر لطّوف، مثله مثل الآخرين، عدداً من الرسوم الكاريكاتورية التي تندد بالنفاق من خلال مقارنة أوكرانيا وفلسطين.
إلا أن لطّوف غرّد أيضاً معبّراً عن بعض وجهات النظر فقال مثلاً: "ربما تكون الحرب في أوكرانيا هي الحرب الوحيدة التي يتم فيها أخذ نسخة طرف واحد فحسب في الاعتبار. فالميليشيات النازية الأوكرانية أبطال، والقوات الروسية أشرار. يا لها من دعاية غربية بحتة". وموقع "مينت برس نيوز" (Mintpressnews) الذي ينشر أعماله بانتظام معروف أيضاً بتوصيف الهجوم الكيميائي الذي نفّذه الديكتاتور السوري بشار الأسد على الغوطة بأنه عملية زائفة. وهنا، فإن ميل لطّوف الواضح للروايات الروسية يشوّه الواقع. ففي الحقيقة، لا يشيد الغرب ولا الحكومة الأوكرانية بميليشيات النازيين الجدد الصغيرة جداً في أوكرانيا.
انطباع مختلف جداً
ومن وجهة النظر الأوسع نطاقاً، يصور الكثير من رسامي الكاريكاتير العرب الحرب في أوكرانيا مراراً وتكراراً على أنها صراع بين قوتين - الولايات المتحدة وروسيا - يتم فيه إيقاع أوكرانيا وبقية العالم في نزاعهم. وكان هذا الانتقاد للمنافسة بين القوى العظمى يشكل موضوعاً شائعاً قبل الحرب. وتوضح هذا التوجه بعض الصور التي تُظهر الولايات المتحدة والصين وهما تتجهان بخطًى متثاقلة نحو حرب باردة أخرى، أو أربعة جنود ينتمون إلى إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا والصين، وهم يسحقون السلام. وفي سبيل انتقاد قيم المجتمع الدولي، تُظهر صورة أخرى عالَماً شبيهاً ببينوكيو حيث كُتب بخط رديء على أنفه الطويل "حقوق الإنسان" و"محاربة الفقر".
بعبارة أخرى، من المرجح أن تصور وسائل الإعلام العربية الحرب في أوكرانيا على أنها انعكاس لصراع تهكمي وأوسع نطاقاً للسيطرة بين القوى العظمى. وهذا بعيد كل البعد عن انطباع الغرب عن الحرب، حيث تدافع أمة حرة ومسالمة عن نفسها ضد جهة معتدية أكبر منها.
ومن المهم فهم وجهة النظر هذه ومعالجتها، خاصة وأن الجهات الفاعلة الأخرى من الدول يسعدها تعزيز هذه السرديات من أجل تقويض المصداقية الغربية. ويمكن الاستفادة من سلسلة تغريدات طويلة قام بها الدبلوماسي الصيني في لبنان Cao Yi (أبو وسيم) على موقع "تويتر". فإلى جانب الميمات التي تقارن الأوكرانيين والفلسطينيين وتنتقد التدخل الأمريكي، يحاول الدبلوماسي تشويه سمعة المواقف الغربية بكافة أشكالها، ابتداءً من اتهاماته ضد روسيا ووصولاً إلى دعم رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو للاحتجاجات في هونغ كونغ. وفي هذه الحالات، تتناقض العناوين الرئيسية المتشابهة مع السياقات المختلفة جداً للحالات التي تتم مقارنتها. ولا يمكن المقارنة أخلاقياً بين قصف صربيا الذي أعقب هجماتها المروعة على البوسنة والهرسك، وبين قصف روسيا لكييف.
وهنا يكمن الدرس الذي يمكن أن يتعلمه الغرب. فقد تُجسّد موسكو وبكين الروايات السائدة من الشرق الأوسط في رؤيتهما العالمية الخاصة. ولا يستطيع الغرب أن يتحمل ترك هذه الروايات تنتشر من دون إبداء أي اعتراض، لكنه لم يعبّر حتى الآن بشكل فعال عن وجهة نظره الخاصة. ومن الضروري أن يعمل الغرب على إبراز نفاق خصومه للجمهور العربي.