عندما يُستهدف الصحفيون تدفع المجتمعات بأسرها الثمن

وكالات

2020-11-03 07:09

قال الأمين العام للأمم المتحدة إنه عندما يُستهدف الصحفيون، تدفع المجتمعات بأسرها الثمن، مشيرا إلى أنه إذا لم نقم بحماية الصحفيين، تصبح قدرتنا على البقاء على عِلم بما يجري حولنا وعلى اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة محدودة جدا.

جاء ذلك في رسالة أصدرها السيد أنطونيو غوتيريش بمناسبة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين.

وعندما لا يستطيع الصحفيون القيام بعملهم في أمان، يقول الأمين العام في رسالته، فإننا نفقد خطا دفاعيا مهما ضد جائحة المعلومات الخاطئة والمعلومات المضللة التي انتشرت على الإنترنت.

وفي اليوم الدولي لهذه السنة، يواجه العالم، بما في ذلك وسائل الإعلام، تحديا جديدا تماما، ألا وهو كـوفيد-19.

وأوضح الأمين العام أن هذه الجائحة أبرزت مخاطر جديدة تطال الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، في وقت تزايد فيه عدد الاعتداءات على سلامتهم البدنية.

"فقد وقع ما لا يقل عن 21 اعتداء على الصحفيين أثناء تغطيتهم للاحتجاجات في النصف الأول من عام 2020، وهو ما يعادل عدد الاعتداءات التي تعرضوا لها عام 2017 بأكمله".

وفُرضت أيضا، وفقا للأمين العام، قيود إضافية على عمل الصحفيين، شملت التهديد بالملاحقة القضائية والاعتقال والسجن والحرمان من الحصول على المعلومات وعدم التحقيق في الجرائم المرتكبة ضدهم وعدم مقاضاة مرتكبيها.

مزاولة دون خوف أو محاباة

وأشار السيد غوتيريش إلى أن الأخبار والتحليلات المبنية على الحقائق تتوقف على ضمان الحماية والسلامة للصحفيين الذين يؤدون عملا صحفيا مستقلا، متأصلا في المبدأ الأساسي القائل: "مزاولة الصحافة دون خوف أو محاباة".

وفي الوقت الذي يحارب فيه العالم جائحة كوفيد-19، جدد أمين عام الأمم المتحدة الدعوة إلى صحافة حرة يمكنها أن تؤدي دورها الأساسي في مجالات السلام والعدالة والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان.

الصحفيون يدفعون ثمن الجهر بالحقيقة

من جانبها، أكدت أودري أزولاي، المديرة العامة لمنظمة اليونسكو في رسالتها بالمناسبة، أن كشف الحقيقة يعد من أهم الوظائف المنوطة بالصحفيين، وهي تنطوي على الوقوف على الحقائق وجمعها والتحقق منها، ثم نقل معناها بدقة.

بيد أن العديد من الصحفيين يدفعون ثمن الجهر بالحقيقة، على حد تعبيرها.

وتضع هذه الوظيفة الصحفيين في موقع فريد من نوعه وحاسم يمكنهم من إشهار الحقيقة في وجه السلطة. "فالحقيقة والسلطة لا يتوافقان بالضرورة في كل الحالات".

فبين عامي 2010 و2019، تشير السيدة ازولاي إلى مقتل ما يقرب من 900 صحفي أثناء ممارسة عملهم، ولقي أكثر من 150 صحفيا منهم مصرعه خلال العامين الماضيين وحدهما.

الصحفيون في مرمى النيران

على الرغم من أن الكثيرين قد لقوا حتفهم أثناء تغطيتهم للنزاعات، إلا أن عددا أكبر بكثير يُقتل بسبب التحقيق في قضايا مثل الفساد والاتجار والمخالفات السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان والقضايا البيئية.

ولا يمثل الموت الخطر الوحيد الذي يتعرض له الصحفيون، فالاعتداء على الصحافة، وفقا للسيدة أزولاي، قد يتمثل في التهديد، وعمليات الاختطاف، والاعتقالات، والسجن، والتحرش- سواء عبر الإنترنت أو خارجها، الذي يستهدف النساء بوجه خاص.

حماية حرية التعبير

ومع أننا قد نجد بعض العزاء في كون عدد الصحفيين القتلى عام 2019 هو الأدنى خلال السنوات العشر الماضية، قالت المديرة العامة لليونسكو إن الاعتداءات على الصحفيين، بشتى أنواعها، لا تزال مستمرة "بمعدل ينذر بالخطر".

فمرتكبو هذه الجرائم يفلتون من العقاب في سبع عمليات قتل للصحفيين من أصل كل ثماني.

وشددت على ضرورة بذل مزيد من الجهود لوقف ذلك، مبينة أن "عمل الصحفيين ضروري لحماية الحق الأساسي في حرية التعبير، الذي تكفله المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".

"فضلا عن أن تعرض الصحفيين للاعتداء وإفلات مرتكبي الاعتداء على أفعالهم يعنيان انهيار النظام الأمني والنظام القضائي اللذين ينتفع بهما الجميع".

وضع حد للإفلات من العقاب

وتحتفل اليونسكو بهذا اليوم سنويا في 2 تشرين الثاني/نوفمبر لزيادة الوعي وتسليط الضوء على بعض المخاطر المحددة التي يواجهها الصحفيون في سعيهم لكشف الحقيقة.

ودعت مديرة اليونسكو، بمناسبة هذا اليوم، جميع الدول الأعضاء والمنظمات الدولية وغير الحكومية إلى توحيد الجهود لضمان سلامة الصحفيين والقضاء على الإفلات من العقاب.

"فقط من خلال التحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الإعلاميين ومقاضاة مرتكبيها يمكننا ضمان الوصول إلى المعلومات وحرية التعبير".

إطلاق العنان للمعلومات

كما احتفلت اليونسكو بهذا اليوم بإصدار تقرير بعنوان "حماية الصحفيين، حماية الحقيقة". ومن بين أمور أخرى، كشف التقرير أن معظم الصحفيين قتلوا في بلدان لا يوجد فيها نزاع مسلح.

وبينما لا يزال الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين سائدا، فقد تم الإبلاغ عن حل 13 في المائة من القضايا في جميع أنحاء العالم عام 2020، مقارنة بـ 12 في المائة عام 2019، و11 في المائة عام 2018.

وأظهرت نتائج التقرير أيضا أن أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي شهدت 40 في المائة من جميع عمليات القتل المسجلة في جميع أنحاء العالم، في عام 2019 تليها منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بنسبة 26 في المائة.

وأكدت السيدة أزولاي أن "الدول يقع على عاتقها واجب حماية الصحفيين، ويضطلع القضاة والمدعون العامون على وجه الخصوص بدور مهم في تعزيز تنفيذ الإجراءات الجنائية بسرعة وفعالية، بهدف ضمان محاسبة مرتكبي الجرائم ضدهم".

وان ظاهرة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين لا تزال متفشية بنسب مرتفعة للغاية - إذ لا يحاكم مرتكبو جرائم القتل التي تستهدف الصحفيين في تسعة من أصل كل عشر حالات.

وعلى الرغم من الانخفاض الذي نلمسه في عدد الصحفيين الذين يلقون حتفهم في شتى بقاع الأرض، لا يزال عدد كبير جداً منهم يدفع ثمناً باهظاً على تقاريرهم. وأضافت قائلة: "لا يزال يساورنا قلق عميق إزاء تفاقم المخاطر المحدقة بالعاملين في مجال الإعلام خارج إطار النزاعات، ناهيك عن أن ظاهرة الإفلات من العقاب على هذه الهجمات لا تزال متفشية". ويستدعي الذّود عن الحق الأساسي في حرية التعبير وضمان حصول الجمهور على المعلومات الموثوقة السماح بازدهار عملية إعداد التقارير بحريّة وأمان، ويجب أن يصبح تقديم مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين إلى العدالة قاعدة نواظب على العمل بها.

ويفيد التقرير بأنّ اليونسكو سجّلت في عام 2018-2019 ما مجموعه 156 جريمة قتل استهدفت الصحفيين في جميع أنحاء العالم. ووقعت 57 جريمة في عام 2019، وهو أدنى معدّل إجمالي سنوي يُسجّل منذ عشر سنوات.

وتشير الأرقام إلى أنّه بالرغم من انخفاض عدد جرائم قتل الصحفيين انخفاضاً ملحوظاً في البلدان القابعة تحت وطأة النزاعات المسلحة، فإنّ عدد هذه الجرائم لم ينخفض في البلدان التي لا تشهد أي نزاعات. وشهد عام 2018 أكبر عدد لجرائم قتل الصحفيين في هذه البلدان منذ سنوات. ويوحي هذا الواقع بوجود اتجاه مقلق يتمثل في مقتل معظم الصحفيين اليوم خارج إطار النزاعات، وذلك بسبب إعداداهم تقارير عن الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان والجرائم البيئية والإتجار والجرائم ذات الطابع السياسي.

وعلاوة على ذلك، يشير التقرير إلى أن الصحافة لا تزال مهنة محفوفة بالمخاطر ويواجه العاملون فيها العديد من أشكال التهديد والعنف والمضايقات. وتستهدف الهجمات المترصّدة للعاملين في هذه المهنة الصحفيات على نحو خاص. وتتجلى هذه الهجمات في شكل اعتداءات جنسية سواء عبر شبكة الإنترنت أو خارجها بدءاً بالمضايقات والتصيّد واستقاء المعلومات الشخصية وانتهاءً بالاعتداءات الجسدية والجنسية.

وفي حين شهد العقد الماضي مقتل صحفي واحد كل أربعة أيام في المتوسط، لا تزال ظاهرة الإفلات من العقاب على هذه الجرائم متفشية. وأبلغت الدول الأعضاء لدى الأمم المتحدة هذا العام عن البتّ في 13٪ من هذه المسائل وتسويتها قانونيّاً على مستوى العالم. وبذلك، نلمس تحسناً طفيفاً بعد البتّ في 12٪ من هذه القضايا في عام 2019 و11٪ منها في عام 2018.

وشهدت أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي أكبر عدد من الهجمات التي أودت بحياة الصحفيين في عام 2018-2019، ويمثّل هذا العدد نسبة 31٪ من إجمالي عدد جرائم قتل الصحفيين المسجّلة في جميع أنحاء العالم. وتأتي منطقة آسيا والمحيط الهادئ في المرتبة الثانية بنسبة 30٪ من جرائم القتل.

وقد قُتل خلال الأعوام الأربعة عشر الماضية (2006 – 2019) قرابة 1200 صحفي في أثناء تأديتهم لعملهم في نقل الأخبار والمعلومات إلى الجمهور، إذ يُقتل وسطياً صحفي كل أربعة أيام، ويفلت القاتل من العقاب في تسع حالات من أصل عشرة. ويفضي الإفلات من العقاب إلى ارتكاب المزيد من جرائم القتل، وهو يدلّ في معظم الأحيان على تفاقم النزاع وعلى تداعي النظامين التشريعي والقضائي. لذلك تخشى اليونسكو من أن يؤدي الإفلات من العقاب إلى إلحاق الضرر بمجتمعات بأكملها من جرّاء إخفاء انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والفساد والجريمة. ولهذا السبب يُطلب من الحكومات والمجتمع المدني ووسائل الإعلام وجميع المعنيين بتعزيز سيادة القانون، المشاركة في الجهود المبذولة في العالم من أجل إنهاء الإفلات من العقاب.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت القرار A/RES/68/163(link is external) إبّان انعقاد دورتها الثامنة والستين في عام 2013، الذي أعلنت فيه يوم 2 تشرين الثاني/نوفمبر "يوماً دولياً لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين"، وذلك اعترافاً بالنتائج البالغة الأثر للإفلات من العقاب، ولا سيما الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين. ويحثّ هذا القرار الدول الأعضاء على اتخاذ تدابير محددة من أجل مكافحة ثقافة الإفلات من العقاب القائمة حالياً، واختير تاريخ هذا اليوم إحياء لذكرى اغتيال صحفيَين فرنسيَين في مالي في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2013.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي