سانت ليغو يثير الجدل في العراق
المونيتور
2019-08-26 06:56
بقلم: عمر ستار
حسم قانون الانتخابات المحليّة الجديد مشاركة كركوك المتنازع عليها في الانتخابات المقبلة المقرّرة في الأوّل من نيسان/إبريل من عام 2020، إلاّ أنّه اعتمد قاسماً انتخابيّاً مرتفعاً هو 1.9 لتوزيع أصوات الناخبين، عارضته الكتل والأحزاب الصغيرة.
أثار التعديل الأخير لقانون انتخابات مجالس المحافظات، موجة انتقادات شديدة بسبب اعتماده طريقة "سانت ليغو" في احتساب أصوات الناخبين، الأمر الذي رفضته الكتل والأحزاب الصغيرة، إضافة إلى النخب والمنظّمات الحقوقيّة والمدنيّة.
وصوّت البرلمان، في جلسة 22 تمّوز/يوليو، على تعديل قانون الانتخابات الخاص بالمحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 12 لسنة 2018، والتي من المقرّر إقامتها في نيسان/إبريل من العام المقبل، عبر اعتماد قاسم انتخابيّ مرتفع هو 1.9 (سانت ليغو)، بعد أن كان 1.7 في الانتخابات الماضية، ليؤمّن بقاء التكتّلات الانتخابيّة الكبيرة، ويقلّل حظوظ الكتل الصغيرة في الحصول على مقاعد في البرلمانات المحليّة.
و"سانت ليغو"، هي طريقة رياضيّة في توزيع أصوات الناخبين على القوائم الانتخابيّة المشاركة، فتقسّم الأصوات على 1.3 تصاعديّاً، حينها تحصل القوائم الصغيرة على فرص أكبر للفوز بمقاعد برلمانيّة، وكلّما ارتفع القاسم الانتخابيّ 1.6 أو أكثر، قلّت فرص تلك القوائم وزادت مقاعد الائتلافات الكبيرة.
وعبّرت 28 منظّمة محليّة متخصّصة في مجال الانتخابات والحقوق المدنيّة عن رفضها للتشريع الجديد، وذكرت في بيان أنّ "التعديل مجحف ويعرقل عمليّة التمثيل الحقيقيّ للناخبين، لأنّه يجعل المنافسة غير عادلة بين من يسعون إلى المشاركة في الانتخابات، ويحدّ من قدرة القوى السياسيّة الصغيرة والشخصيّات المستقلّة على الوصول إلى مجالس المحافظات".
وفي هذا الإطار، قال النائب عن "الحزب الشيوعيّ العراقيّ" جاسم الحلفي في حديث لـ"المونيتور": "إنّ التعديل يكرّس احتكار السلطة ويحول دون تحقيق أيّ تغيير سياسيّ في المحافظات بما يتناسب والمطالبات الشعبيّة بالإصلاح".
وأشار إلى أنّ "الكتل بغالبيّتها صوّتت لصالح التعديل، رغبة منها في إقصاء الكتل المنافسة التي لن تجد موطئ قدم في المجالس المحليّة بهذا القانون"، مرجّحاً مقاطعة الناخبين بغالبيّتهم الانتخابات المقبلة، على غرار ما حصل في الانتخابات التشريعيّة الماضية.
من جهته، خالف الحزب الشيوعيّ موقف التيّار الصدريّ المتحالف معه منذ الانتخابات التشريعيّة الأخيرة في ائتلاف "سائرون"، إذ رحّب الأخير بإقرار التعديل، وتحدّث سعدون غانم عن التيّار فقال: "إنّ القانون الجديد خطوة في الاتّجاه الصحيح ويعالج الكثير من القضايا الشائكة، ومن بينها انتخابات كركوك المتنازع عليها، والتي لم تشهد أيّ انتخابات محليّة منذ عام 2005"، وهو ما أكّد رفض الكتل المسيطرة على البرلمان الاتحاديّ ومجالس المحافظات اعتماد صيغة أخرى لقانون الانتخابات أو على الأقلّ اعتماد قاسم انتخابيّ أقلّ من 1.9 لتجنّب تكرار سيناريو انتخابات مجالس المحافظات سنة 2013، حينما أتاح القانون آنذاك (بصيغة سانت ليغو بقاسم 1.3) دخول أحزاب وقوائم صغيرة وشخصيّات مستقلّة إلى تلك المجالس.
وبيّن عضو اللجنة القانونيّة في البرلمان النائب حسين العقابي في تصريح لـ"المونيتور" أنّ "الكتل الكبيرة (مثل الفتح ودولة القانون وسائرون) كلّها صوّتت لصالح قرار التعديل، ورفضت صيغ اقترحتها اللجنة القانونيّة باحتساب قاسم انتخابيّ أقلّ، 1.7 كما في النصّ الأصليّ للقانون. ورفضت أيضاً مقترح الحكومة، وهو 50 في المئة للمرشّح الأعلى أصواتاً و50 أخرى لسانت ليغو"، متوقّعاً أن "تكون هناك محاولات لتعديل الفقرة الخاصّة بطريقة توزيع الأصوات قبل موعد الانتخابات المحليّة، بسبب الضغط الشعبيّ ومعارضة الكتل والأحزاب خارج السلطة".
من جهة أخرى، شمل القانون تنظيم انتخابات كركوك المتنازع عليها بين العرب والأكراد والتركمان، للمرّة الأولى منذ عام 2005، بالاعتماد على سجلاّت الناخبين لعام 2018، على أن تلتزم المفوضيّة بتدقيقها عام 2020، لكن رغم وجود اتفاق مسبق بين مكوّنات المحافظة على إجراء الانتخابات، إلاّ أن الجانب الكرديّ رأى أنّ الصيغة الحاليّة لا تخدم الأكراد وأنّها تمّت بموافقة العرب والتركمان، في حجة أنّ الوضع الراهن في المحافظة لا يسمح بإجراء الانتخابات.
وكانت الأطراف السياسيّة في كركوك اتّفقت العام الماضي على تنظيم انتخابات كركوك بمباركة بعثة الأمم المتّحدة في العراق (يونامي)، ومن أبرز بنود الاتفاق: "أن تحصل الكتلة الأكبر في الانتخابات على منصب المحافظ، وأن يكون تقسيم المناصب على المكوّنات الثلاثة. أمّا المناصب الاتحاديّة فينبغي أن يتمّ تقسيمها من قبل أبناء المحافظة".
ولفت النائب عن المكوّن التركمانيّ أرشد الصالحي إلى أنّ "الانتخابات في كركوك أمر مهمّ ينهي الكثير من الجدل حول توزيع الصلاحيّات والمناصب"، مشيراً في تصريح لـ"المونيتور" إلى أنّ القانون بصيغته الحاليّة أوجب "تدقيق سجلاّت الناخبين، استناداً إلى بطاقة الأحوال المدنيّة والبطاقة التموينيّة لمنع التزوير، خصوصاً أنّ آليّة العدّ والفرز ستكون بالطريقة الإلكترونيّة".
ومن أبرز التعديلات الأخرى في القانون، "إقرار آليّة العدّ والفرز الإلكترونيّ باستخدام أجهزة تسريع النتائج التي استخدمت في انتخاب مجلس النوّاب بـ12 أيّار/مايو من عام 2018 بعد ثبوت نجاحها، وتصويت النازحين سيكون لمن يمتلك بطاقة بايومتريّة حصراً، وهذا يعني لا يوجد تصويت مشروط أو حركة سكانيّة بالانتخابات المقبلة"، إضافة إلى عدم إجراء انتخابات الأقضية والنواحي وخفض سنّ المرشّح من 30 إلى 28 عاماً، وكلّها تعديلات تبدو مقبولة للأطراف السياسيّة بغالبيّتها، باستثناء "سانت ليغو" والاعتراضات على انتخابات كركوك.
ويمكن القول إنّ اعتماد صيغة قديمة في تقاسم أصوات الناخبين وقناعة الناخب بأنّ مشاركته لن تحقّق التغيير المطلوب، خصوصاً في مناطق الوسط والجنوب حيث الاحتجاجات والمطالبة المستمرّة بالإصلاح السياسيّ والاقتصاديّ، سيؤدّيان بالضرورة إلى مقاطعة واسعة للانتخابات المحليّة المقبلة، وربّما ستقتصر على مشاركة "الجمهور الحزبيّ" أو المتحزّب مع هذا الطرف أو ذاك. أمّا في ما يخصّ كركوك، فإنّ كلّ انتخابات فيها تكرّس لوضع سياسيّ معيّن، على غرار ما حصل في انتخابات عام 2005 التي أبقت منصب المحافظ حكراً على المكوّن الكرديّ، وأيّ تغيير تفرزه الانتخابات المقبلة من شأنه فرض معادلة سياسيّة جديدة أو صدام عنيف بين المكوّنات المختلفة.