اللجوء السياسيّ في قطر
الدوحة تحلّ أزمة الإخوان والإسلامييّن: هل هي محاولة لتصدّر قضيّة الهاربين من الانقلابات العسكريّة؟
المونيتور
2019-06-19 06:26
بقلم: أحمد رمضان
شروط سهلة وامتيازات ليست قليلة في قرار الحكومة القطريّة فتحت باب اللجوء السياسيّ إلى الدوحة، والذي جاء تطبيقا للقانون الصادر في أكتوبر الماضي حول اللجوء في قطر، في محاولة لمساعدة الإسلاميّين الذين تدفعهم قطر بقوّة في المنطقة العربيّة.
في 23 أيّار/مايو من عام 2019، وبعد 9 أشهر من صدور قانون اللجوء السياسي في قطر في أيلول\سبتمبر 2018، أعلن مجلس الوزراء القطريّ الشروط والالتزامات الخاصّة بفتح باب اللجوء السياسيّ، الذي توسّع ليشمل سياسيّين وهاربين من أحكام بالسجن في قضايا سياسية من بلدانهم ومدافعين عن حقوق الإنسان أجبروا على الفرار من أوطانهم. بموجب القرار، سيسمح للمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يتعرّضون للملاحقة والتهديد، ومراسلي وسائل الإعلام والصحف الذين يتعرّضون للتهديد، والسياسيّين المنتمين إلى أحزاب أو طوائف وجماعات دينيّة، والكتّاب والباحثين والمسؤولين الحكوميّين السابقين والحاليّين المعارضين لحكومات بلادهم، بالحصول على حقّ اللجوء في قطر.
فتح الأمر تساؤلاً حول أوضاع عناصر جماعة الإخوان المسلمين المصريّين، التي فرّت إلى قطر بعد عزل الرئيس الإخوانيّ محمّد مرسي في يوليو من العام 2013 وصعود الجيش إلى السلطة.
وخلال السنوات الماضية، كانت قطر إحدى أكبر الدول التي تقدّم الدعمين الماليّ والسياسيّ إلى جماعة الإخوان المسلمين وعناصرها منذ عزل مرسي وحتى الآن، خصوصاً أنّها كانت الحليف الاستراتيجيّ للنظام خلال فترة حكم جماعة الإخوان في الفترة الممتدّة من حزيران/يونيو من عام 2012 حتّى تموز/يوليو من عام 2013 وعزل محمّد مرسي وحبس قيادات الجماعة.
وأشار أحد القادة الإخوانيّ البارز، الذي هرب إلى قطر في نهاية عام 2013، وغادرها إلى تركيا في نهاية 2016، مجدي سالم أبو النور، في تصريحات لـ"المونيتور" إلى "أنّ الآلاف من شباب الإخوان فرّوا إلى الدوحة في أوقات مختلفة، خصوصاً في ظلّ وجود تطمينات مستمرّة إلى أنّ الدوحة ستظلّ مكاناً آمناً للإخوان".
وقال سالم أبو النور خلال تصريحات لـ"المونيتور": "إنّ قرار منح اللجوء السياسيّ في قطر سيفتح الباب للمزيد من الأمان للعناصر الإخوانيّة، وسيحسّن موقف الإخوان ويمنح وجودهم وتحرّكاتهم الدوليّة للمطالبة بعودة نظام الإخوان وعزل الرئيس السيسي، شرعيّة قانونيّة نابعة من كونهم لاجئين سياسيين عليهم قضايا سياسية، وليس كما يروج النظام المصري أن عليهم قضايا جنائية أو إرهاب".
واعتبر القيادي الإخواني "أنّ هذه فرصة لا بدّ أن يستغلّها الإخوان للترويج لقضيّتهم ومحاولة لفت أنظار العالم من جديد، إذ كلّما حصلت العناصر الإخوانيّة الهاربة على صفة اللجوء السياسيّ بأعداد كبيرة، أدّى ذلك إلى استمرار إحياء قضيّة الإخوان". وقال: "إنّ الحقوق التي يوفّرها القرار ستساهم في حلّ مشكلات العناصر الإخوانيّة، سواء أكانت الماديّة والخاصّة بصعوبة العمل في بعض الأحيان، أم حتّى المتعلّقة بحريّة الحركة والتنقّل، خصوصاً أنّه سيتمّ منحهم وثيقة سفر، بدلاً من الجواز المصريّ الذي تستغلّه السفارات المصريّة كورقة ضغط، وأحياناً ترفض تجديده".
وبموجب القرار القطريّ، يتمّ منح مقدّم طلب اللجوء إعانة 3 آلاف ريال قطريّ (820 دولاراً) ومبلغ 800 ريال (220 دولاراً) لزوجته ولكلّ ولد من أولاده ممّن لم يبلغوا الثامنة عشرة، شهريا.
كما أكّد القرار توفير السكن للاّجئ ولأفراد عائلته، وتلقّي الرعاية الصحيّة والتعليم، وتوفير فرصة عمل، باستثناء الوظائف المتعلّقة بأمن البلد (الوظائف التي تخص الأمن القومي القطري، كالشرطة والجيش والمخابرات)، وحريّة التنقّل والسفر، وحريّة العبادة وممارسة الشعائر الدينيّة، وأخيراً حقّ اللجوء للقضاء.
ورحبت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير نشر على موقها الإلكتروني في أكتوبر الماضي، بالقانون الذي صدر آنذاك وقالت إنّه "قدوة خليجيّة"، لكنّها في الوقت نفسه "طالبت بمزيد من الضمانات لحماية حقوق اللاّجئين على أراضيها".
وقالت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش" لما فقيه، في تقرير المنظمة: "يمثّل قانون اللجوء في قطر خطوة كبيرة إلى الأمام في منطقة غنيّة أغلقت أبوابها تاريخيّاً في وجه اللاّجئين، لكن على قطر أن تذهب أبعد من ذلك، وأن تعدّل القانون ليتماشى بالكامل مع التزاماتها بموجب القانون الدوليّ لحقوق الإنسان وقانون اللاّجئين".
ورصد أحد شباب الإخوان، الذي هرب إلى قطر منذ 4 سنوات، ظروف حياة شباب الإخوان هناك، خصوصاً الصغار الذين لا ينتمون إلى صفوف القيادات، لكنّه اشترط في حديث لـ"المونيتور" عدم ذكر اسمه، وقال: "إنّ قطر على عكس السودان والجزائر وبعض الدول الأخرى من الأماكن الجيّدة لاستقبال المصريّين الهاربين، خصوصاً في ظلّ تعاطف الشعب القطريّ نفسه مع قضيّة إخوان مصر، الأمر الذي يسهّل الاندماج في المجتمع".
أضاف: "إنّ وجود عمالة مصريّة بأعداد كبيرة جدّاً في قطر ساعد على سهولة حياة الهاربين، ولكن إيجاد قانون لجوء يساعد في توفير حماية قانونيّة دوليّة وحقّ تقاضي مساعدات شهريّة، سيكون أفضل بكثير، كما ينص القرار الوزاري الجديد".
وأشار إلى أنّ شباب الإخوان في قطر يواجهون مشاكل ماليّة بسبب تعثّر الجماعة وعدم قدرتها على توفير المساعدات بشكل منتظم، لكنّ المساعدة التي ستوفّرها الدولة بموجب قانون اللجوء الصادر في أكتوبر 2018 والقرار الوزاري الصادر في مايو 2019 الذي حدد قيمة المساعدات ومن يحق له اللجوء وشروط القبول، ستكون كافية وستقلّل من الضغوط على الجماعة".
وتشهد العلاقة بين مصر وقطر توتّراً ملحوظاً منذ عزل الرئيس الإخوانيّ وحبس قيادات الجماعة، وفتحت قطر أبوابها واستقبلت الهاربين من مصر، وسهّلت إجراءات حصولهم على تأشيرات الدخول إلى أراضيها.
وفي حزيران/يونيو من عام 2017، أعلنت مصر والسعوديّة والبحرين والإمارات واليمن وحكومة شرق ليبيا، قطع العلاقات الدبلوماسيّة مع قطر، معتبرة أنّ ذلك هو ردّ على "تدخّلها في الشؤون الداخليّة العربيّة ودعم الإرهاب".
وتحدّث "المونيتور" مع الباحث في الشؤون السياسيّة العربيّة في جامعة "اسطنبول إيدين" الذي يقيم في تركيا محمود بيّومي عن حيثيّات القرار وتأثيره، والذي اعتبره محاولة من الدوحة لتصدّر منطقة الخليج في ما يتعلّق بأوضاع حقوق الإنسان، وقال لـ"المونيتور": "إنّ القرار يأتي، في ظلّ حالة حصار يشهدها الإسلاميّون وأطراف بالمعارضة في دول كثيرة شهدت ثورات دعمتها قطر منذ البداية، وهو قرار، إن مددنا خطّ دعم قطر للإسلاميين إلى نهايته يكون تكملة لسياسات الدوحة في المنطقة الداعمة للإسلاميّين الذين يعانون من انتهاكات حقوقيّة في المنطقة العربية، خصوصاً بعد الانقلابات العسكريّة التي تكرّرت أخيراً".
كما اعتبر محمود بيّومي أنّ القرار خطوة من جانب الدوحة لتحسين صورتها في ملف حقوق الإنسان قبل تنظيم كأس العالم 2022، وأنّ قرار قطر يأتي في الوقت نفسه الذي تشهد فيه أنقرة تسهيلات للمعارضين الذين فرّوا إلى تركيا من مصر بعد سقوط نظام الإخوان.
وحاول "المونيتور" التحدّث إلى مسؤولين قطريّين في وزارة الخارجيّة عن القرار، إلاّ أنّ المتحدّث – التي تحفظ على ذكر اسمه - اكتفى بالإشارة إلى البيان الرسميّ الذي شمل الشروط والامتيازات فقط.