الخروج الأميركي والنفوذ الإيرانيّ
محاولات جدولة خروج الأميركيّين من العراق تصطدم بإرادة المتخوّفين من النفوذ الإيرانيّ
المونيتور
2019-03-13 06:38
بقلم حمدي ملك
تحاول الجهات المقرّبة من إيران في العراق، جاهدة، جدولة خروج القوّات الأميركيّة من البلد، ولكنّ هذه المحاولات تصطدم بجهات أخرى ترى في خروج الأميركيّين سيطرة إيرانيّة تامّة على الوضع العراقيّ.
تزامناً مع خسارة "داعش" آخر معاقله في سوريا، يدور جدل كثير في الأروقة السياسيّة العراقيّة حول مستقبل القوّات الأجنبيّة، وخصوصاً الأميركيّة منها في البلاد.
وقدّم نحو 50 نائباً في البرلمان في 19 شباط/فبراير، طلباً إلى رئاسة مجلس النوّاب، لتضمين جدول أعمال الجلسة الأولى من الفصل التشريعيّ الثاني، بنداً يتعلّق بمراجعة اتّفاقيّة التعاون الاستراتيجيّ بين العراق والولايات المتّحدة الأميركيّة الموقّعة في عام 2011، لغرض جدولة خروج القوّات الأميركيّة.
وازدادت حدّة لهجة القوى المقرّبة من إيران تجاه الحضور الأميركيّ، بعدما صرّح الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب في 3 شباط/فبراير حول دور قوّات بلاده في العراق في مراقبة تحرّكات إيران في المنطقة.
وفي هذا السياق، صرّح الناطق العسكريّ باسم كتائب حزب الله جعفر الحسيني إلى قناة الميادين اللبنانيّة في 18 شباط/فبراير أنّ قوّاته "تقوم بتحرّكات في المناطق الحدوديّة مع سوريا لمتابعة تحرّكات الأميركيّين".
وأضاف الحسيني: "هناك 31 قاعدة أميركيّة في العراق". وادّعى أنّ عديد القوّات الأميركيّة في العراق هو 34 ألف جنديّ. وكتائب حزب الله هي من الفصائل الأشدّ معارضة للحضور الأميركيّ في العراق، ولديها علاقات وثيقة مع حزب الله اللبنانيّ.
هذا وأكّد القائم بالأعمال في السفارة الأميركيّة في بغداد جوي هود في تصريح صحافيّ في 19 شباط/فبراير أنّ عديد قوّات بلاده في العراق هو "في نطاق الـ5200 شخص كعدد كلّيّ". ونفى هود أن تكون هناك أيّ قاعدة أميركيّة في العراق، مؤكّداً أنّ تلك القوّات جاءت إلى العراق بطلب رسميّ من الحكومة وأنّها ستخرج من العراق فور طلب الحكومة منها، ولكنّ عودتها إلى العراق ستكون صعبة جدّاً.
وعلى الرغم من المعارضة العراقيّة لتلك القوّات، يحاول الجانب الأميركيّ توثيق العلاقات العسكريّة مع العراق، حيث شهدت بغداد زيارة وفود أميركيّة عالية المستوى لبحث دور القوّات الأميركيّة في العراق.
ووصل قائد القيادة المركزيّة الجنرال جوزيف فوتيل إلى العراق، يوم الأحد في 17 شباط/ فبراير، والتقى كبار الشخصيّات العسكريّة العراقيّة، فضلاً عن رئيس الوزراء والقائد العامّ للقوّات المسلّحة العراقيّة عادل عبد المهدي.
وفي إشارة إلى عزم القوّات الأميركيّة استمرار حضورها في العراق، بحث الجانبان "التعاون في مجالي الحرب ضدّ عصابة "داعش" الإرهابيّة والتدريب"، بحسب بيان مكتب رئيس الوزراء العراقيّ الذي صدر في اليوم نفسه.
وقبل ذلك، زار وزير الدفاع الأميركيّ بالوكالة باتريك شاناهان بغداد في 12 شباط/فبراير والتقى عبد المهدي، حيث بحث الجانبان التعاون العسكريّ بينهما.
ولا يبدو أنّ للأميركيّين أيّ نيّة بترك العراق في المستقبل القريب، إذ تفيد تقارير صحافيّة أنّ القوّات الأميركيّة قامت بتوسيع حضورها في بعض مناطق العراق في الآونة الأخيرة، من ضمنها محافظة الأنبار المحاذية لسوريا. ونشرت الـ"بي بي سي" تقريراً في 13 شباط/فبراير أكّدت فيه أنّ مقرّ القوّات المشتركة العراقيّة-الأميركيّة في مدينة القائم الحدوديّة أصبح يدار الآن من قبل القوّات الأميركيّة حصراً.
ويعي الجانب الأميركيّ مدى الخلافات بين الجهات العراقيّة حول مستقبل قوّاته في البلد، ممّا يعطيه الأريحيّة في التخطيط للبقاء في العراق.
وفي هذا الإطار، حصل تلاسن إعلاميّ بين وزير الداخليّة السابق، الذي ينتمي إلى المجلس الأعلى الإسلاميّ المقرّب من إيران، باقر الزبيدي وجهاز مكافحة الإرهاب. ورّد الجهاز، في 19 شباط/فبراير على بيان الزبيدي الذي أصدره قبل يوم وتكلّم فيه عن وجود "مخطّط أميركيّ لإنتاج جيل جديد من "داعش"".
ووصف المتحدّث باسم الجهاز صباح النعمان في حديث إلى ـوكالة "ناس" الخبريّة ما ورد في بيان الزبيدي بـ"مجرّد تكهّنات". وأضاف: "القوّات الأميركيّة في قاعدة عين الأسد وظيفتها الإسناد وتدريب الأجهزة الأمنيّة العراقيّة ودعم الجهد الإستخباريّ لمراقبة تحرّكات "داعش"، وانسحابها سيكون بقرار من الحكومة العراقيّة بعد انتفاء الحاجة".
ويؤيّد أستاذ الأمن الوطنيّ في جامعة النهرين العراقيّة الدكتور حسين علّاوي في حديث إلى "المونيتور" طرح جهاز مكافحة الإرهاب هذا، بالقول: "الوجود الأميركيّ الاستشاريّ الآن هو وجود مطلوب خلال مرحلة الاستقرار والسلام. قوّاتنا في حاجة إلى بناء القدرات، زيادة قابليّات القتال وتحسين الشراكة الأمنيّة والاستخباريّة".
ليس الخبراء والعسكريّون هم الوحيدون في مطالبتهم ببقاء القوّات الأميركيّة في المرحلة الراهنة، بل هناك جهات سياسيّة أيضاً تدعو إلى الاستفادة من خدمات هذه القوّات. وصرّح رئيس جبهة الحوار الوطنيّ السنّيّة صالح المطلك في مقابلة مع قناة الحرّة في 19 شباط/فبراير أنّه مع وجود الميليشيات والوضع الأمنيّ الهشّ، ليس خروج القوّات الأميركيّة من أولويّات الدولة العراقيّة. وأضاف أنّ "كلّ الدعوات -المطالبة بإخراج الأميركيّين-... هي من الكتل السياسيّة المدعومة إيرانيّاً والتي دعمت لـ15 عاماً بكلّ الإمكانات لكي يقوّوها على المجتمع، ولذلك هؤلاء من مصلحتهم أن يبقى الوضع على ما هو عليه اليوم، حتّى يستمرّوا في نهب ثروات البلد".
وفي تطوّر خطير وفي ظلّ ازدياد الأصوات المطالبة باستمرار الحضور الأميركيّ، صعّد بعض الجهات المقرّبة من إيران اللهجة تجاه الذين لا يؤيّدون المطالبات بخروج الأميركيّين.
وفي تهديد واضح، وصفت كتلة الصادقون التابعة إلى عصائب أهل الحقّ في بيان صدر على لسان أحد نوّابها في البرلمان طالب سالم في 16 شباط/فبراير، المطالبين ببقاء القوّات الأميركيّة في العراق بـ"الخونة وعبدة الدولار".
من جهة أخرى، عقّد رئيس التيّار الصدري مقتدى الصدر، والذي فاز بأكثر عدد من المقاعد في آخر انتخابات نيابيّة، هذا الملفّ بمطالبته بسنّ قانون يجدول انسحاب متزامن للقوّات الإيرانيّة والتركيّة والأميركيّة من العراق وليس فقط انسحاب الأميركيّين.
وأخيراً، وفي ظلّ الاختلافات الجذريّة في الرؤى حول الوجود الأميركيّ وتركيبة البرلمان العراقيّ الذي يتشكّل من جهات سنّيّة وكرديّة وحتّى شيعيّة، لا يبدو أنّها تؤيّد الخروج الأميركيّ، من الصعب تصوّر سنّ قانون يجدول خروج الأميركيّين في المستقبل القريب.