شكوى إيرانيّة من العراق
تختبر موقف بغداد من استمرار علاقات الطاقة
المونيتور
2019-02-28 05:45
بقلم عدنان أبو زيد
أطلق وزير النفط الإيرانيّ تصريحات مفاجئة لا تنسجم مع مسار تطوّر العلاقات بين بلده والعراق، وتعكس القلق من الضغوط الأميركيّة، بقوله: إنّ بغداد استجابت للعقوبات، وألغت بعض الاتفاقات النفطيّة.
اشتكى وزير النفط الإيرانيّ بيغن زنكنة في 7 شباط/فبراير من عام 2019 العراق "لإلغائه بعض الاتفاقيّات النفطيّة ورفض الاستثمار في حقول النفط على الحدود، وتسديد ديونه الماليّة إلى إيران"، مشيراً إلى أنّ "التزام بغداد بالعقوبات الأميركيّة دفعها إلى إلغاء اتّفاقات صغيرة مثل صفقة كركوك".
ويبدو تصريح بيغن زنكنة على النقيض تماماً، من مخرجات الاجتماع الذي جمعه في 13 كانون الثاني/يناير من عام 2019، مع وزير النفط العراقيّ ثامر الغضبان، حيث خرجا باتفاق بشأن استيراد الغاز من إيران وتطوير بعض الحقول الحدوديّة.
لا تتجاوز الفترة الزمنيّة بين التصريحين الثلاثة أسابيع، ولم يحدث خلالها أيّ تطوّر سياسيّ أو قرار حكومي عراقيّ يدعم تصريحات زنكنة، بل إنّ وزارة الكهرباء العراقيّة أعلنت في 11 شباط/فبراير من عام 2019، بعيد تصريح زنكنة، عن تجديد عقد استيراد الطاقة الكهربائيّة مع شركة "توانير" الإيرانيّة لمدّة عام، في وقت تمارس فيه إدارة الرئيس الأميركيّ دونالد ترمب، ضغوطاً على الحكومة العراقيّة لإيقاف شرائها الطاقة، لا سيّما الكهرباء.
وقال رئيس الوزراء العراقيّ عادل عبد المهدي، قبل يوم واحد فقط من تصريح زنكنة، في 6 شباط/فبراير من عام 2019، لوفد إيرانيّ: "العراق لن يكون جزءاً من منظومة العقوبات ضدّ إيران".
ولكن يبدو أنّ ايران ليست على ثقة باستمرار الموقف العراقيّ، خصوصاً بعد استجابة المسؤولين العراقيّين للضغوط الأميركيّة للبحث عن بدائل الكهرباء والغاز المستورد من إيران. ولقد ناقش رئيس مجلس النوّاب العراقيّ محمّد الحلبوسي في ١٣ شباط/فبراير الحاليّ مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح احتمال استيراد الكهرباء، الأمر الذي سيؤثّر بالتأكيد على حجم استيراد الكهرباء من إيران.
ورأى الخبير في وزارة النفط العراقيّة والاستشاريّ في شؤون الطاقة المهندس حمزة الجواهري خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ "العراق حتّى في الحالة التي يصرّ فيها على تعزيز التعاون في مجال النفط مع إيران بشكل واسع، فإنّه سيصطدم بشكل واضح بآليّات بيع وشراء النفط العراقيّ المسيطر عليها من الولايات المتّحدة، لأنّ العراق لا يزال إلى الآن لا يستلم أموال النفط مباشرة، وإنّما عبر صندوق التنمية العراقيّ المسيطر عليه من قبل الأمم المتّحدة، وفق ترتيبات الفصل السابع، حيث لا يزال العراق تحت طائلتها في ما يخص هذا الجانب، وبسبب ذلك سيكون صعباً على العراق إجراء أيّ عقود نفطيّة مع إيران".
أضاف حمزة الجواهري: "تحدّث الوزير الإيرانيّ عن الحقول النفطيّة المشتركة. والحقيقة، أنّ العراق لا يسعى إلى تطويرها في الأساس، لأنّها ليست ضمن الأولويّات في الوقت الحاضر".
وأشار إلى "حقلين مشتركين مطوّرين تمّ الاتفاق على العمل المشترك فيهما، لكنّ العقوبات الأميركيّة ستحول دون ذلك"، كاشفاً عن أنّ "حقل بدرة الكبير المشترك تمّ تطويره أيضاً من العراق وإيران، ويحتاج إلى شركة عالميّة تبدأ الإنتاج فيه، وتعطي لكلّ طرف حصّته، وهو أمر صعب أيضاً بسبب العقوبات"، وقال: "لكنّ العراق يستورد يوميّاً نحو 1500 قمقم من الغاز الإيرانيّ في اليوم لتشغيل طوربيدات الكهرباء، لكنّ واشنطن مصرّة على إيقاف التعاون بالغاز والكهرباء الإيرانيّة، الأمر الذي يمثّل مشكلة كبيرة يتوجّب على العراق حلّها".
عدم تطابق تصريحات زنكنة مع تأكيدات المسؤولين العراقيّين على استمرار تعزيز التعاون وعدم الاستجابة للعقوبات الأميركيّة ضدّ ايران، دفع بالخبير النفطيّ في وزارة النفط العراقيّة محمّد زكي ابراهيـم إلى القول لـ"المونيتور": "إنّ تصريحات وزير النفط الإيرانيّ كانت تقييماً للسياسة النفطيّة العراقيّة في المقام الأوّل، بمعزل عن تأثيرات العقوبات الأميركيّة على إيران التي لم يستجب العراق بعد لها بشكل جديّ، وقام بتجديد عقد استيراد الغاز الإيرانيّ لمدّة عام آخر".
وأشار محمّد زكي إبراهيم إلى أنّ "أحد أسباب استمرار العلاقة بين الجانبين هو صعوبة الاستغناء عن إمدادات الغاز الإيرانيّ قبل عام 2022 على أقلّ تقدير. وإذا حدث مثل ذلك الآن، فهو يعني خروج 2500 – 3000 ميجاوات من الخدمة في البصرة لوحدها".
يبدو أنّ إيران مستعينة بنفوذها في العراق، تطلق إشارات واضحة على عكس الاستنتاجات التي تستشف من تصريح زنكنة، وهو ما أكّدته النشاطات في ترسيخ العلاقات بين بغداد وطهران، ففي 11 شباط/فبراير من عام 2019، أكّد وزير الصناعة والمعادن العراقيّ صالح عبد الله الجبّوري الرغبة في الاستفادة من خبرات الشركات الإيرانيّة لتطوير الصناعة".
وفي التأريخ نفسه، أطلق محافظ البصرة أسعد العيداني تصريحاً مهمّاً قال فيه: "إنّ البصرة لن تكون جزءاً من العقوبات الأميركيّة ضدّ إيران".
كما يبدو أنّ إيران اختارت قطاعات مختلفة، إلى جانب النفط، لترسيخ علاقاتها مع العراق وإرسال رسالة إلى واشنطن أنّ وجودنا راسخ في العراق، وهو أمر أشار إليه المحلّل السياسيّ كاظم الحاج المتابع للشأن الإيرانيّ في مركز "شبكة الهدف للتحليل السياسيّ" بقوله لـ"المونيتور": "حتّى في حالة إعاقة علاقات الطاقة بين البلدين، فإنّ التأثير الذي تنشده أميركا لن يتحقّق، لأنّ الموازنة العامّة لإيران لا تعتمد بشكل كليّ على النفط".
ورأى كاظم الحاج أنّ "العراق، خصوصاً خلال فترة الحكومة الماضية التزم بشكل أو بآخر بالعقوبات الأميركيّة على إيران، لا سيّما في مسألة التعامل أو تسديد الديون التي هي في ذمّة العراق لإيران".
وفي حين رفضت مصادر في وزارتيّ التخطيط والنفط العراقيّتين خلال اتّصال مع "المونيتور" الخوض في الموضوع، مؤكّدة أنّها "تردّ على الأسئلة المتعلّقة بالأمور الفنيّة البحتة. كما أنّ ليس من واجبها الردّ على التصريحات ذات الطابع السياسيّ، لا سيّما تصريحات الوزير الإيرانيّ"، فإنّ من الواضح أنّ علاقات الطاقة بين العراق وإيران تمرّ في مأزق بسبب إصرار الولايات المتّحدة على إنهائها، حيث تمتلك الأدوات الكفيلة بتحقيق ذلك، لا سيّما التعاملات الماليّة المتعلّقة بها.