التسريبات الجنسيّة
سلاح لترهيب الرافضين للتعديلات الدستوريّة في مصر
المونيتور
2019-02-25 05:17
بقلم حسام ربيع
تسريبات جنسيّة تطال نائبين معارضين للتعديلات الدستوريّة، كمحاولة للحكومة لوأد أيّ محاولات لخلق نقاش اجتماعيّ يعرقل تمرير هذه التعديلات الذي يراد أن تتمّ في أسرع وقت.
وافق البرلمان المصريّ، في 14 شباط/فبراير، بالأغلبيّة على مشروع تعديلات دستوريّة، قدّمه نوّاب في بداية الشهر الجاري (أعضاء في تحالف دعم مصر، الموالي للحكومة)، يضمن بقاء الرئيس الحاليّ في السلطة حتّى عام 2034 عن طريق السماح له بالترشح لفترتين رئاسيتين جديدتين لمدة 6 سنوات كل منهما بعد انتهاء فترته الثانية الحالية، على أن يرفع خلال الأيّام المقبلة إلى اللجنة الدستوريّة والتشريعيّة في البرلمان لمناقشته، قبل تقديمه لاستفتاء شعبي.
وتتزامن مناقشة هذه التعديلات مع حملة تسريبات جنسيّة ودعاوى قضائيّة ضدّ أشخاص رافضين لهذه التعديلات في محاولة لتمرير هذه التعديلات "في أسرع وقت من دون عراقيل"، بحسب تأكيد نائب في اللجنة الدستوريّة والتشريعيّة في البرلمان -طلب عدم ذكر اسمه لـ"المونيتور".
في 11 شباط/فبراير الجاري، نشر النائب في كتلة 25-30 المعارضة الأقلّيّة في البرلمان، هيثم الحريري، - الذي أعلن في السابق معارضته للتعديلات الدستورية-، منشوراً على صفحته الرسميّة على "فيسبوك"، تحدّث فيها عن آليّة التعديلات الدستوريّة في البرلمان، موضحاً أنّه إذا وافق البرلمان على التعديلات فهذه "قمّة ممارسة الديمقراطيّة"، داعياً المصريّين إلى المشاركة الإيجابيّة والتصويت في الاستفتاء على هذه التعديلات.
أثار هذا المنشور غضباً واسعاً من متابعيه الذين علّقوا بالإشارة إلى تغيير موقفه بعد تسريب مكالمة هاتفيّة له تضمّ إيحاءات جنسيّة، تمّ تداولها على مواقع التواصل الاجتماعيّ بدءاً من 8 شباط/فبراير. أمّا وسائل الإعلام الموالية للدولة فقد احتفت بهذا المنشور، زاعمة أنّ الحريري "صحّح موقفه" تجاه التعديلات وأنه أصبح من مؤيدي هذه التعديلات.
وإلى جانب توليه فترتين رئاسيتين جديدتين، تقترح التعديلات الدستورية تشكيل مجلس قضائي أعلى، يرأسه الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي. كما تسمح التعديلات لرئيس الدولة تعيين رؤساء المحاكم، -بينها رئيس المحكمة الدستورية-، والمجالس القضائيّة والنائب العام. تقترح التعديلات أيضاً إضافة العهد إلى المؤسّسة العسكريّة "صون الدستور والديمقراطيّة ومدنيّة الدولة وحقوق وحرّيّات الأفراد". إلى جانب ذلك، تضمّ التعديلات تشكيل مجلس شورى وتخصيص كوتة للمرأة بنسبة 25% من البرلمان، إضافة إلى تمثيل الأقباط والمزارعين والعمّال.
بات هذا النائب يواجه حملة تشهير قويّة، إذ سارع المحاميان سمير صبري وطارق محمود إلى رفع دعويين قضائيّتين ضدّ الحريري في 12 و13 شباط/فبراير، أمام محكمة القضاء الإداريّ لإسقاط عضويّته في البرلمان جراء تسجيل المكالمة الهاتفية المسرب له الذي يضم إيحاءات جنسية، في حين رفع المحامي محمد سالم دعوى أخرى ضدّه متّهماً إيّاه فيها بالتحريض على الفسق والتحرّش الجنسيّ عبر الهاتف بسبب نفس المكالمة.
غير أنّ الوضع كان أسوأ للنائب والمخرج السينمائيّ خالد يوسف، المعارض للتعديلات الدستوريّة. فمنذ منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، ينشغل الرأي العام المصريّ بعشرات الفيديوهات الجنسيّة التي نشرت بشكل مجهول، تجمعه مع العديد من السيّدات، بينهنّ ممثّلتان. وذكرت وسائل إعلامية أنّ المقاطع تداولها في البداية ناشطون وبرلمانيّون عبر مجموعات خاصّة على تطبيق "واتس آب". وفي 7 شباط/فبراير الماضي، اعتقلت الشرطة الممثلتين اللتين ظهرتا في بعض هذه الفيديوهات ، موجّهة إليهما اتّهامات ممارسة الرذيلة والتحريض على الفسق وخدش الحياء العامّ، في حين كان المخرج انتقل إلى باريس منذ الأوّل من شباط/فبراير.
وانهالت الدعوات القضائيّة على المحاكم ورئيس مجلس النوّاب من محامين طالبوا فيها أيضاً بإسقاط عضويّة يوسف البرلمانيّة. وفي 18 فبراير، حددت محكمة القضاء الإداري جلسة 16 مارس المقبل، للنظر في دعوى قدمها المحامي سمير صبري اسقاط عضوية خالد يوسف من البرلمان.
"كلّ من يقول لا (للتعديلات الدستورية)، يدفع الثمن من خلال حملات تشهير واسعة"، يعلّق الحريري لـ"المونيتور"، مؤكدا أنه يواجه حملة تشويه بسبب موقفه المعارض للتعديلات، مضيفاً أنّ هناك سعياً لـ"تشويه أخلاقيّ" وترهيب لكلّ شخص يرفض هذه التعديلات أو يحاول التصدّي لها، موضحاً أنّ هناك سعياً لتمرير هذه التعديلات في شكل سريع. ويبيّن -بصوت منهك- أنّ "حملات التشويه هي رسالة إلي أيّ معارض من أجل إسكاته ووأد أيّ نقاش مجتمعيّ حول هذه التعديلات".
أعادت حملات التشويه الممارسة ضدّ الرافضين للتعديلات الدستوريّة، البرنامج التلفزيونيّ "الصندوق الأسود" لعبد الرحيم علي، الذي انطلق في عام 2014 وحتى 2015 على قناة القاهرة والناس، ووقوف السلطات المصريّة وراءه، إلى الأذهان، وذلك حينما كان يذيع هذا البرنامج في حلقاته مكالمات خاصّة لناشطين ثوريّين وقيادات إخوانيّة.
يوضح المتحدّث باسم تحالف الحركة المدنيّة الديمقراطيّة الرافضة للتعديلات مجدي عبد الحميد، لـ"لمونيتور": "حملات التشويه تهدف إلى ابتزاز المعارضة وردع أيّ صوت يحاول أن يدعو المواطنين إلى رفض هذه التعديلات الخطيرة"، مضيفاً أنّ الحكومة تشنّ "حرباً غير نزيهة"، بالسعي إلى التشويه الأخلاقيّ للمعارضين، كما تحاول إيصال رسالة لكلّ رافض للتعديلات فحواها "اصمت وإلّا سوف تواجه التشويه نفسه".
يشير عبد الحميد إلى أنّ الحركة وأحزاب المعارضة ستكون عاجزة عن لعب دور على الأرض لخلق نقاش مجتمعيّ في شأن هذه التعديلات الدستوريّة، في ظلّ حملات القمع السياسيّ وهذا التشويه الذي يطال أيّ رمز رافض للتعديلات.
غير أنّ نائب في اللجنة الدستوريّة والتشريعيّة في البرلمان -طلب عدم ذكر اسمه- أكّد لـ"المونيتور" أنّ الحكومة تريد تمرير هذه التعديلات في أسرع وقت، مشيراً إلى أنّها لا تقبل بخلق أيّ نقاش مجتمعيّ يعرقل التمرير السريع لهذه التعديلات. يعترف النائب أنّ هذه الفيديوهات والتسجيلات الجنسيّة لنائبين جاءت في هذا التوقيت لمنع أيّ محاولات خلق حوار مجتمعيّ تؤثّر على الاستفتاء المرتقب على هذه التعديلات.
وفي شأن رأيه في هذه التعديلات الدستوريّة، أوضح النائب أنّ بعض المواد المقترحة "غير دستوريّة"، خصوصاً مادّة إنشاء مجلس أعلى للقضاء يرأسه رئيس الدولة السيسي، الذي سيكون له الحقّ أيضاً في تعيين رؤساء المحاكم والمجالس الإداريّة. ويبيّن النائب أنّ هذه المادّة تعارض مبدأ الفصل بين السلطات الذي ينصّ عليه الدستور.
وبحسب النائب، هناك معارضة لدى جزء كبير من النوّاب في شأن بعض المواد مثل تخصيص كوتة بنسبة 25% إلى المرأة والعمّال والفلّاحين، وكذلك مادّة تشكيل مجلس شورى، إذ أن هذين المادتين ستسحب جزء من مقاعد البرلمان منهم وتخصيصها للمرأة وأيضا لأن مجلس الشورى ربما يقتطع في المستقبل من صلاحيات مجلس النواب. غير أنّه أوضح أنّه سيصوّت بنعم خلال عرض هذه التعديلات على اللجنة التشريعية والدستوريّة، لأنّ "السلطة تريد تمرير هذه التعديلات في شكلها المقدّم".
ينوّه النائب لـ"المونيتور" بأنّ المواد الخاصّة بكوتة للمرأة وتمثيل للأقباط والفلّاحين والعمّال، تهدف إلى جذب أصوات هذه القطاعات خلال الاستفتاء المرتقب، موضحاً أنّ الهدف الرئيسيّ لهذه التعديلات هو تمديد حكم الرئيس السيسي.