ضغوط إيرانيّة لاستخدام عملة محلية في التعاملات التجاريّة مع العراق

المونيتور

2019-01-07 04:15

بقلم سلام زيدان

تسعى إيران إلى استخدام عملتيّ الدينار والريال في التبادل التجاريّ مع العراق للتخلّص من العقوبات الأميركيّة المفروضة عليها، والتي ينفّذها البنك المركزيّ العراقيّ من خلال إصداره قرارات عدّة تتمثّل في عدم تحويل الدولار إلى إيران بكلّ الطرق.

تمارس إيران ضغطاً كبيراً على الحكومة العراقيّة، لإجبارها على عدم الالتزام بتنفيذ العقوبات التي فرضتها الولايات المتّحدة الأميركيّة على طهران، الهادفة إلى تغيير سياساتها في الشرق الأوسط والتخلّي عن برنامجها النوويّ. ومن هذه الضغوط، جعل التبادل التجاريّ بين البلدين بعملة الدينار والريال.

يعتبر العراق رئة إيران الاقتصاديّة، لامتلاكها نفوذاً كبيراً جدّاً في عمليّة صنع القرارين السياسيّ والاقتصاديّ واستخدام الأراضي العراقيّة لتحقيق مصالحها في المنطقة العربيّة، عبر دعم المقاتلين الموالين لنظام بشّار الأسد في سوريا، رغم وجود تحفّظ من بعض السكّان الشيعة، الذين قاموا أخيراً بحرق القنصليّة الإيرانيّة في مدينة البصرة وترديد شعارات تطالبها بالكفّ عن التدخّل في الشؤون العراقيّة خلال التظاهرات التي تشهدها البلاد ضدّ الفساد الماليّ والإداريّ المستشري.

يسعى البنك المركزيّ الإيرانيّ جاهداً إلى إيجاد اتّفاق مع العراق لتمويل التجارة الإيرانيّة بعملتيّ الدينار أو الريال الإيرانيّ من خلال فتح ائتمان، لكنّه يحتاج إلى موافقة الولايات المتّحدة الأميركيّة، التي ما زالت مصرّة على عدم استثناء العراق من العقوبات الإيرانيّة، إلاّ ببند واحد متعلّق بالغاز الطبيعيّ الذي يجهّز محطّات الكهرباء في العراق.

وقالت مصادر في البنك المركزيّ العراقيّ، فضّلت عدم الكشف عن اسمها، لـ"المونيتور": "إنّ وفداً عراقيّاً زار الولايات المتّحدة الأميركيّة خلال كانون الأوّل/ديسمبر ضمّ عدداً من التنفيذيّين في وزارات عدّة من بينها النفط والكهرباء، إضافة إلى البنك المركزيّ العراقيّ لمناقشة استثناء العراق من الالتزام بالعقوبات الإيرانيّة".

أضافت: "إنّ الوفد لم يتوصّل إلى نتائج جيّدة، إذ سمح للعراق فقط بشراء الغاز الإيرانيّ لتزويد محطّات الكهرباء على أن يسدّد الأموال بعملة الدينار".

وأشارت إلى أنّ "الحكومة تعهّدت بتنفيذ ذلك، وقامت بفتح حساب للشركة الإيرانيّة في بنك حكوميّ بعملة الدينار"، لافتة إلى أنّ "أميركا رفضت رفضاً قاطعاً استثناء العراق بشكل كليّ من تنفيذ العقوبات، وإنّما الأمر اختصر بشكل أوليّ على الغاز الطبيعيّ، وقد يمتدّ في الفترة المقبلة إلى الكهرباء لأنّ أميركا تعتبر العراق الرئة الاقتصاديّة لإيران"، وقالت: "إنّ أميركا تعمل على تمكين العراق في استثمار الغاز لإنتاج الكهرباء والانتهاء بشكل كليّ من الاعتماد على المنتجات والبضائع الإيرانيّة".

على أرض الواقع، يتّضح أنّ التبادل التجاريّ بين العراق وإيران يسير بشكله الطبيعيّ وبعملة الدولار، لكنّ التحويلات الماليّة كافّة تتمّ خارج القطاع المصرفيّ العراقيّ من خلال سماسرة أو بنوك أجنبيّة في دولتيّ سوريا ولبنان أو تهريب الدولار بطرق بدائيّة في المحافظات الجنوبيّة.

وقال رئيس غرفة التجارة العراقيّة - الإيرانيّة فاضل الحمداني لـ"المونيتور": "إنّ التبادل التجاريّ بين العراق وإيران ما زال طبيعيّاً، ولم يتأثّر بالعقوبات الأميركيّة المفروضة على طهران، بسبب استمرار المفاوضات بين العراق وأميركا".

وأكّد أنّ "التعاملات الماليّة مستمرّة في النهج السابق نفسه والطريقة المعتمدة والسائدة التي تتعامل بها الجهات العراقيّة والإيرانيّة، وإن كان هناك تغيّر لهذه التعاملات، فهذا يرجع إلى التاجر نفسه في عمليّة البيع والشراء"، وقال: إنّ الحكومة العراقيّة إذا اتّخذت أيّ قرارات في شأن التجارة مع إيران، فالقطاع الخاص العراقيّ سيلتزم بها باعتبارها مقرّرات رسميّة.

إنّ البنك المركزيّ العراقيّ رفض التعليق على موضوع جعل التبادل التجاريّ بين العراق وإيران بعملتيّ الدينار والريال، رغم المحاولات المتكرّرة، وتحدّث مصدر رفيع المستوى فيه، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"المونيتور"، فقال: "إنّ البنك المركزيّ ملتزم بعدم بيع الدولار إلى إيران، ويرفض أيّ محاولة إيرانيّة لذلك".

وأشار إلى أنّ "البنك المركزيّ أيضاً رفض أيّ تعاون مع إيران في التحويل بعملتيّ الدينار والدولار"، مؤكّداً أنّ "البنك المركزيّ العراقيّ رفض بيع الدولار حتّى للعراقيّين الراغبين في زيارة إيران، وذلك لتجنّب القطاع المصرفيّ والماليّ أيّ عقوبات".

وفي مشروع موازنة عام 2019 التي يناقشها البرلمان العراقيّ، وضمن بند النفقات الحاكمة، قلّلت الحكومة العراقيّة بعد التعديل الأخير مخصّصات استيراد الطاقة الكهربائيّة من 424.6 مليار دينار "353.8 مليون دولار" إلى 70 مليار دينار "58.3 مليون دولار"، الأمر الذي يعني تخلّي العراق عن فكرة شراء الكهرباء من طهران، والتي ربّما ستسبّب أزمة جديدة مشابهة للاحتجاجات الشعبيّة التي اندلعت في محافظات عدّة، بعد إيقاف الخطّ الإيرانيّ في الصيف الماضي.

ولفت الباحث الاقتصاديّ أحمد هذال في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ "اعتماد الدينار في التعامل التجاريّ مع إيران سيؤدّي إلى ارتفاع قيمة الدينار العراقيّ، لأنّ الطلب سيزداد عليه، خصوصاً أنّ التبادل التجاريّ بين البلدين وصل إلى 8 مليارات دولار في الأشهر الثمانية الماضية"، مشيراً إلى أنّ "الاحتياطيّ الأجنبيّ للعراق سيرتفع، كما تزداد قدرة البنك المركزيّ في الدفاع عن الدينار في مواجهة أيّ طلب دولاريّ في المستقبل، لا سيّما أنّ الاحتياطات النقديّة تغطّي حاجات البلد لأكثر من 9 أشهر، وهذا ما يفوق المعايير التي وضعتها المؤسّسات الماليّة الدوليّة"، وقال: "إنّ تسديد مستحقّات التجارة الخارجيّة للعراق مع إيران يحتاج إلى عملة قياس أخرى، وهي الدولار. وبالتّالي، سيواجه الرفض من قبل الولايات المتّحدة الأميركيّة".

تشكّل الصادرات الإيرانيّة إلى العراق أكثر من 22 في المئة سنويّاً من مجمل الاستيرادات العراقيّة التي تتجاوز سنويّاً الـ35 مليار دولار من بلدان عدّة، ويستخدم القطاع الخاص عملة الدولار في استيراد البضائع الإيرانيّة من خلال التحويلات الماليّة التي تجري عبر شركات الصرافة أو وسائط غير معتمدين لدى البنك المركزيّ، إضافة إلى نقل الأموال بالسيّارات. ولذلك، من الصعب جدّاً أن يمنع العراق عبور الدولار بسبب الهيمنة الإيرانيّة على السلطة.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي