السترات الحمراء
هل تشعل شرارة الاحتجاجات الاجتماعيّة في تونس؟
المونيتور
2018-12-26 06:56
بقلم آمال الهلالي
أعلنت مجموعة من الشباب التونسيّ من نشطاء المجتمع المدنيّ عبر بيان تأسيسيّ في 8 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2018، عن الحشد والتعبئة العامّة، استعداداً للتحرّك الميدانيّ ضدّ ما أسمته فشل الحكومة في إدارة الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ضمن حملة عبر "فيسبوك" تحت عنوان "السترات الحمراء"، مؤكّدة انطلاقها في إرساء تنسيقيّات في كل مدينة من مدن محافظات تونس.
وأكّد المنسّق العام للحملة رياض جراد لـ"المونيتور" أنّ حملة "السترات الحمراء" هي حركة شبابيّة خالية من أيّ نفس حزبيّ ومفتوحة على كلّ التونسيّين بمختلف انتماءاتهم السياسيّة والفكريّة، مشيراً إلى أنّ اختيار اللون الأحمر بدل الأصفر المعمول به في فرنسا عبر حملة "السترات الصفراء"، نتيجة لارتفاع كلّ المؤشّرات الاقتصاديّة في تونس إلى مستويات الخطر، موضحاً أنّ المنخرطين في الحملة بدأوا بتركيز51 تنسيقية في محافظات تونسيّة لتأطير الناشطين والاحتجاجات في الشارع خلال الأسبوع المقبل حتّى لا تتحوّل إلى فوضى أو تخريب.
وكانت حملة "السترات الصفراء" التي أطلقها محتجون بعريضة الكترونية في شهر مايو الماضي بفرنسا رفضا للزيادة في الضرائب على المحروقات سرعان ما تحولت في بداية شهر كانون الأول/ ديسمبر 2018 لمواجهات دامية بين الأمن الفرنسي والمحتجين في العاصمة باريس سقط فيها 6 أشخاص ما أجبر الرئيس الفرنسي على التراجع عن تطبيق الضريبة في سنة 2019 خلال كلمة له في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2018.
ولفت جراد إلى أنّ الحملة تأتي في إطار تحميل المسؤوليّات لحكومة يوسف الشاهد و"حركة النهضة" باعتبارها أحد أبرز الأحزاب المشاركة في الحكم، في ما وصل إليه الوضع الاقتصاديّ بالبلاد وارتفاع نسبة البطالة، والتي بلغت 15.4 في المائة خلال عام 2018.
وكانت آخر نتائج المسح الوطنيّ حول السكّان والتشغيل الصادرة عن "معهد الإحصاء" في تونس – جهة رسميّة - أظهرت ارتفاع عدد العاطلين عن العمل خلال الثلاثيّ الثالث من سنة 2018 ليبلغ 642.8 ألف من مجموع السكّان النشيطين، مقابل 638.0 ألف عاطل عن العمل في الثلاثيّ الثاني لسنة 2018، أيّ بنسبة 15.5 في المائة بمجموع 642.8 ألف عاطل عن العمل.
وتأتي هذه الحملة، بالتوازي مع إعلان الاتّحاد العام التونسيّ للشغل - أكبر نقابة عماليّة- عن إصدار برقيّة في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2018 لتنفيذ الإضراب العام في القطاع العام والوظيفة العموميّة، المقرر في 17 كانون الثاني/يناير من عام 2019، وذلك على خلفيّة تعثّر المفاوضات الاجتماعيّة في الوظيفة العموميّة.
وأكّد الأمين العام المساعد لاتّحاد الشغل بوعلي المباركي في حديث لـ"المونيتور" أنّ الاتحاد يدعم أيّ تحرّك احتجاجيّ سلميّ يطالب بتحسين مستوى المعيشة، مشدّداً على مضيّ الاتحاد في قرار الإضراب العام الشامل في 17 كانون الثاني/يناير من عام 2019 طالما لم تستجب الحكومة لمحضر اتفاق سابق يتعلّق بالزيادة في الأجور.
وحذّر الأمين العام لحركة مشروع تونس محسن مرزوق، الداعمة لحكومة يوسف الشاهد، في 9 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2018 خلال اجتماع عام الأحد نظّمه الحزب من "خطورة المخطّطات التي تستهدف تونس، ويرمي بعض الأطراف من خلالها إلى الزجّ بالبلاد في بوتقة الفوضى والعنف".
وبالتوازي مع إعلان "حركة السترات الحمراء" الدعوة إلى التحرّك ضدّ سياسات الحكومة المستهدفة لقدرة المواطن التونسيّ، أعلنت حركة "الجبهة الشعبيّة" المعارضة في بيان بـ11 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2018 عن دعوة أنصارها إلى التعبئة العامّة والتحرّك في الساحات والشوارع ضدّ الحكومة ودفاعاً عن قوّتهم.
وأكّد النائب عن كتلة "الجبهة الشعبيّة" في البرلمان عمّار عمروسيّة لـ"المونيتور" أنّ "الجبهة بدأت بالحشد للتحرّكات الميدانيّة ضدّ ميزانيّة عام 2019 التي صادق عليها البرلمان في 10 كانون الأول /ديسمبر في أجواء مشحونة، وضدّ سياسات التفقير الممنهج للشعب التونسيّ مقابل الدفاع عن مصالح اللوبيّات ورجال الأعمال"، مشدّداً على مساندة الجبهة أيّ تحرّك شبابيّ سلميّ، مهما كان نوعه، في إطار حراك مدنيّ واسع ومنظّم يضمّ أكبر عدد ممكن من الأطياف التونسيّة.
وأثار قانون المالية جدلا بسبب بعض الفصول التي اعتبرت منحازة لرجال الأعمال و"لوبيات" قريبة من يوسف الشاهد على غرار قانون يمنح أصحاب المساحات التجارية الكبرى امتيازا من خلال تأجيل ضريبة على الأرباح تقدر بنسبة 35 بالمائة كانت ستفرض عليهم في 2019 لكن تم تأجيلها لسنة 2020. عللها وزير التجارة التونسي عمر الباهي خلال تصريحات إعلامية في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2018 بالمحافظة على المقدرة الشرائية للمواطن لما قد تنجر عنه هذه الزيادة في ترفيع أسعار المواد الإستهلاكية في الفترة المقبلة.
من جهته، حذّر الخبير الاقتصاديّ الصادق جبنون من حالة الاحتقان الشعبيّ، نتيجة تدهور مقدرة المواطن الشرائيّة وانحدار كلّ المؤشّرات الاقتصاديّة، من بلوغ نسبة العجز التجاريّ إلى 17.3 مليار دينار إلى حدود تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2018 وتواصل انهيار قيمة العملة المحليّة أمام العملات الأجنبيّة لتصل قيمة الدولار الأميركي إلى معدل 2.96 مقارنة بالدينار التونسي في 11 كانون الأوّل /ديسمبر من عام 2018 بعد أن كان الدولار في حدود 2.48 في ذات الشهر من سنة 2017.
وكان بيان صادر عن مجلس إدارة البنك المركزيّ التونسيّ في 10 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2018 عبّر عن قلقه إزاء تواصل توسّع عجز الميزان التجاريّ، بعد تجاوزه الـ16 مليار دينار خلال الأشهر العشرة الأولى من سنة 2018. وعبّر المجلس، في السياق ذاته، عن انشغاله إزاء استمرار تفاقم حاجات البنوك إلى السيولة.
وبينما تحشد حركات شبابيّة ومنظّمات وأحزاب معارضة للتحرّكات الاحتجاجيّة ضدّ غلاء المعيشة وسياسات الحكومة، تنبّه أطراف قريبة من الحكومة من خطورة تفجّر الوضع الاجتماعيّ وانزلاقه إلى سيناريوهات الفوضى، في ظلّ صراع محموم وتنافس على السلطة والصلاحيّات بين رئيس الدولة الباجي قائد السبسي وخصمه الشاهد.