١٤ تموز، الدوامة التي لم تهدأ

د. سعد العبيدي

2018-07-22 08:38

في تموز ١٩٥٨ تحرك العسكر بقوة دفع قالوا عنها وطنية، لتخليص العراقيين من ظلم دائم واستعمار جائر واستعباد كافر، رفعوا أسلحتهم بوجه القادة، تجاوزوا الضوابط، خرقوا القيم، قتلوا العائلة المالكة رجالاً ونساءً، وأطلقوا العنان للمنفعلين من الناس كي يهدموا أركان الدولة، يسرقوا، يسحل مسؤولين كانوا بالأمس سادة الدولة بطريقة وحشية لم يفعلها الانسان بحيوان كاسر.

بعد ستين عاماً من تلك الأحداث التي رقص لها البعض فرحاً، علينا نحن أبناء الجيل الذي عاصر أحداثها وتلمس النتائج التي جاءت أحداثاً فيما بعدها، أن نفتش في دفاترنا القديمة عن دوافع تلك الثورة، وعن مجريات أحداثها وحاصل الانتاج. وإذا جاز لنا التاريخ أن ندقق بعلمية محايدة، علينا أن نبدأ في سياقات التفتيش عن الغاية وهل استطاع الثوار تحقيق جزءاً منها؟.

ولنبدأ بقول لهم عن تخليص العراق من ظلم الحاكم، وافترضنا أن عبد الكريم قاسم ومن بعده عبد السلام وأخيه عبد الرحمن لم يظلموا، لكنهم جميعاً لم يرسوا قواعد حكم للبلاد حالت دون ظلم أهل العراق، والظلم في واقع الحال قد تعمم من بعدهم وحتى يومنا هذا بطريقة أعيت العراقيين ودفعتهم باستمرار الى العودة الى المقارنة بين وضعهم الحالي وبين ما سبق من وضع، منحازين الى الماضي في كل جوانب الحياة.

وبالنسبة الى الاستعمار الجائر ومشاريع الثورة في الخلاص من سطوته وتحكمه بالعراق، علينا أن ننظر الى واقعنا الحالي، نقارنه بدول ما زلنا نتهمها بالخضوع الى الاستعمار بينها دول الخليج التي حافظت على قدر من النمو والاستقرار بفضل تفاهمها مع الدول الكبرى (الاستعمار) وشركاتها التي أسهمت كثيراً في نقلها خطوات الى الامام فاقتنا كثيراً حد التمني أن نكون مثلها أو حتى قريباً من مثلها في الوقت الذي كنا نسبقها بخطوات عديدة يوم ركب العسكر دباباتهم وقتلوا الشرعية الدستورية.

أما الاستعباد الذي كان الثوار يشيعونه عن نظام الحكم الملكي، فكتب التاريخ وأطاريح الدراسات العليا عن نوري السعيد وعن الملك وعبد الاله ووزرائهم مؤكدين أن نوري السعيد المتهم الأول كان شعبياً وبغدادياً، لم يملك سوى البيت ومات أهله من بعده فقراء، وعموم وزراءه يوصفون بالعراقية والتمكن والتخصص والإنسانية وفرقهم في كل هذا عن من جاء بعدهم كبيراً، فالجمالي والسويدي ومرجان وصالح جبر، تركوا أثراً في ذاكرة العراق لم يتركه أحداً ممن جاء من بعدهم سوى قلة لأن أغلبهم جاء ثائراً لا يملك معرفة سوى استخدام السلاح أو حزبي لا يعرف حتى استخدام السلاح.

منها مقارنة بسيطة وقياسات واقع حال نصل الى استنتاج أن ١٤ تموز وضعتنا في دوامة تاريخ لا نعرف وسطها المكان ولا الزمان، كأننا نصف أموات، ووضعتنا في موقف لا نملك سوى الدعاء في أن تهدأ، وسوف لن تهدأ ما دمنا نصف أموات.

* جريدة الصباح العراقية

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

لماذا يطلب المؤمن الهداية الى الصراط المستقيم؟بعد فوز ترامب.. على العراق الاستعداد لما هو قادمالمشاريع الثقافية الطوعيةدور الشباب في إعادة بناء العراقتداعيات انتخابات إقليم كردستان على المشهد السياسي