هل أعطى كوشنير الرياض شيكاً على بياض؟
المونيتور
2017-11-25 05:18
بقلم لورا روزن
واشنطن — وجدت السعودية والإمارات العربية المتحدة مؤخراً أنهما تقفان على طرف نقيض من الديبلوماسيين في وزارة الخارجية الأميركية والمسؤولين في وزارة الدفاع، عبر اتخاذهما إجراءات استفزازية عن طريق فرض حصار على قطر، واستدعاء رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى الرياض في مطلع الشهر الجاري، حيث قدّم استقالته بصورة مفاجئة؛ ومنع المساعدات الإنسانية التي تشكّل حاجة ماسّة من الوصول إلى الموانئ الأساسية في اليمن اعتباراً من السادس من تشرين الثاني/نوفمبر، رداً على صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه مطار الرياض الدولي في الرابع من الشهر الجاري.
لقد ناشدت وزارتا الخارجية والدفاع الأميركيتان الرياض وأبو ظبي التخفيف من الضغوط التي تمارسانها على قطر ولبنان، وتحسين الوصول إلى المساعدات في اليمن تجنّباً لحدوث مجاعة كارثية. بيد أن مسؤولين سعوديين وإماراتيين لمّحوا على مسامع محاوريهم من السلك الديبلوماسي الأميركي بأنهم يشعرون بأن التدابير المتشددة التي يتخذونها تحظى بموافقة، ولو ضمنية على الأقل، من البيت الأبيض، لا سيما من الرئيس دونالد ترامب ومن صهره وكبير مستشاريه جاريد كوشنر الذي كلّفه ترامب قيادة جهوده من أجل السلام في الشرق الأوسط.
لقد أقام كوشنر، كما أُفيد، رابطاً وثيقاً مع السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، وبنى علاقات جيدة أيضاً مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي التقاه في الرياض في أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
غير أن الاستياء البيروقراطي الأميركي المتنامي مما يُعتبَر تجاوزات سعودية/إماراتية، فضلاً عن الانكشاف القانوني المتزايد لكوشنر في التحقيقات على خلفية العلاقة مع روسيا، دفعَ بعدد كبير من الديبلوماسيين وصنّاع السياسات وأعضاء مجموعات الضغط المخضرمين في الولايات المتحدة إلى مناشدة الأفرقاء الإقليميين توخّي الحذر من الاستناد في سياستهم الخارجية إلى أي ضوء أخضر متصوَّر، سواء كان حقيقياً أم لا، من فريق كوشنر في البيت الأبيض. وهم ينبّهون إلى أن الرسائل المتباينة قد تدفع بالحلفاء في الخليج إلى ارتكاب خطأ في حساباتهم واتخاذ خطوات تُلحق الأذى بالمصالح الأميركية. ويخشون أن الديبلوماسية الأميركية بدت في معظم الأحيان متردّدة وصامتة ومتأخّرة في التعامل مع الأزمات التي نشأت مؤخراً في الشرق الأوسط، لجملة أسباب منها الانقسام الذي يُعتقَد أنه سائد بين وزارتَي الخارجية والدفاع من جهة والبيت الأبيض من جهة ثانية، ما يجعل جهود الوساطة الأميركية أقل فاعلية، ويقوّض في الأغلب مصالح الأمن القومي الأميركي.
عندما كان السعوديون والإماراتيون يستعدّون لإطلاق الحصار ضد قطر في حزيران/يونيو الماضي، تلقّى مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى آنذاك ستيوارت جونز اتصالاً، في منتصف الليل، من السفير الإماراتي العتيبة لإبلاغه بالخطوة المرتقبة. كان رد فعل جونز "شديد القسوة. فقد علّق: ’ماذا تفعلون؟ هذا جنون‘"، وفق ما رواه سفير أميركي سابق في المنطقة لموقع "المونيتور" مضيفاً: "فكان... رد يوسف [العتيبة]: ’هل تكلّمت مع البيت الأبيض؟‘"
أكّد جونز، في اتصال مع "المونيتور"، حصول الحديث بينه وبين العتيبة لكنه رفض الخوض في التفاصيل، قائلاً إن ذلك سيكون مجحفاً وغير ملائم بحق العتيبة.
بيد أن ما جرى في المسألة القطرية يحمل دلائل معبِّرة، لأن القرار النهائي كان لوزارتَي الخارجية والدفاع بعدما أعطى البيت الأبيض في البداية ضوءاً أخضر، كما يُعتقَد، للسعوديين والإماراتيين كي يفرضوا الحصار على قطر، وفق ما جاء على لسان السفير الأميركي السابق في اليمن جيرالد فيرستين.
فقد قال فيرستين، الذي يعمل الآن لدى معهد الشرق الأوسط، لموقع "المونيتور": "بالطبع، في البداية، كان أمراً واضحاً ودراماتيكياً جداً أن البيت الأبيض لم يكن على الموجة نفسها مع وزارتَي الخارجية والدفاع"، مضيفاً: "لكنني أعتقد أنه مع مرور الوقت، ربحت وزارتا الخارجية والدفاع المعركة. وأنا أشعر بأنه عندما يتكاتف [وزير الخارجية ريكس] تيلرسون و[وزير الدفاع جيمس] ماتيس ويضغطان بقوة، يمكنهما أن يفرضا وجهة نظرهما. ... من الواضح أنه عندما يكونان في المقلب نفسه، ينجحان في حمل البيت الأبيض على الانكفاء".
الاعتقاد بأن البيت الأبيض يمنح السعوديين والإماراتيين شيكاً على بياض تعزّزه رغبة إدارة ترامب في حمل السعودية والإمارات على الانخراط في عملية سلام يُعاد إطلاقها بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب، وعلى تحقيق نتائج ملموسة في هذا المجال.
قال مسؤول كبير سابق في الإدارة الأميركية طلب عدم الكشف عن هويته، لموقع "المونيتور": "إنه لأمر صاعق كيف أن سياستنا باتت خاضعة لمسألة أو اثنتَين. نريد في شكل أساسي مطاردة إيران، [و] نريد التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي-فلسطيني ’من الخارج نحو الداخل‘. ويبدو أن إدارة ترامب تعتقد أن ذلك يتطلب منح السعودية مساحة كبيرة جداً كي نحصل على ما نريده في ما يتعلق بإسرائيل. ... أعتقد أنهم مستعدّون للمساومة على أي شيء عملياً من أجل التوصل إلى ذلك الاتفاق ’من الخارج نحو الداخل‘".
لكنْ ثمة خطر بأن يخطئ السعوديون والإماراتيون في حساباتهم، ويجدوا أنفسهم عالقين وسط رسائل متباينة تصل من البيت الأبيض من جهة ومن وزارتَي الخارجية والدفاع من جهة ثانية.
قال المسؤول الكبير السابق في الإدارة الأميركية: "ينجح الأمر، إلى أن يدخل الواقع على الخط. في الوقت الراهن، يُقيمون... علاقة قوية وفاعلة جداً مع البيت الأبيض الذي يُبدي دعماً موثوقاً لتحرّكاتهم. إنما ليس لديهم أساس أوسع لهذا الدعم في أوساط الأجهزة والوكالات الأميركية، أو لديهم أساس محدود فقط؛ الدعم لهم في أوساط الأجهزة والوكالات خارج إطار البيت الأبيض أكثر هشاشة إلى حد كبير. وفي حال أقدموا على خطوة تُضرّ بالدعم الذي يحصلون عليه في البيت الأبيض، إما عرضاً وإما عن سابق تصوّر وتصميم، فقد يفتقرون إلى شبكة الأمان لأنهم لم يحصلوا على الدعم من باقي الأجهزة في مسار التحرّك الذي اختاروه".
أضاف: "أظن أنهم قد يتخبّطون أو ينهارون في حال اختفى جاريد [كوشنر] فجأةً من الصورة، لأن الأخير هو الوحيد الذي تجمعه صداقة حميمة بولي العهد ويتمتع بالرغبة الفطرية في البحث عن أرضية مشتركة. في حال حدث شيء ما لجاريد – تلهّى عن هذه المسألة أو اختفى من المشهد – ماذا سيحل بعلاقتهم المحورية مع البيت الأبيض؟"
نُقِل عن إد روجرز، وهو عضو جمهوري في مجموعات الضغط شارك في ندوة عُقِدت في مركز الإمارات للسياسات في أبو ظبي في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، أنه يحضّ حلفاء الولايات المتحدة في الخليج على توسيع دائرة الجهات التي يتواصلون معها في واشنطن لتمتد أبعد من الإطار الضيّق المحصور بالبيت الأبيض بإدارة ترامب فتشمل مؤسسات الحكومة الأميركية والديمقراطيين في الكونغرس. علّق روجرز لموقع "المونيتور" في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "لقد أشرت إلى أنه لا يجدر بواشنطن وحملات الضغط تجاهل الديمقراطيين في الكونغرس، وإلى أنهم قد يصبحون الأكثرية من جديد في مجلس النواب في العام 2018".
يُعرب بعض صنّاع السياسات الأميركيين المخضرمين عن شكوكهم حول مدى صحة أن كوشنر يعطي الأمير محمد بن سلمان الضوء الأخضر في مختلف تحرّكاته.
قال بروس ريدل، الذي كان لفترة طويلة مسؤولاً في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) وفي البيت الأبيض، والخبير في الشؤون السعودية: "أعتقد أن الأمور مبهمة ومشوّشة. ليس جاريد مطلعاً على التفاصيل".
أضاف ريدل، الكاتب المساهم في موقع "المونيتور": "هناك نقطة محدّدة أكثر تتعلق بمساهمة ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد الذي يحرّض بن سلمان".
لم يُجِب متحدّث باسم كوشنر عن سؤال "المونيتور" حول ما إذا كان كوشنر قد ناقش مع ولي العهد السعودي مخططات الأخير من أجل التصدّي لـ"حزب الله" في لبنان، كما أنه لم يُجب عن التساؤلات حول الاعتقاد بأن كوشنر ربما يمنح الحلفاء في الخليج نوعاً من الإذن للإقدام على الخطوات المتشدّدة التي يقومون بها مؤخراً. أكّد مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض، في بيان صادر في 29 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أن كوشنر، ونائبة مستشار الأمن القومي دينا باول، والمبعوث الخاص للمفاوضات الدولية جايسون غرينبلات "عادوا مؤخراً من السعودية"، مضيفاً أن كوشنر "في تواصل مستمر أيضاً مع مسؤولين من إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر والإمارات والأردن والسعودية".
تساءل السفير الأميركي السابق فيرستين إذا كان استدعاء الحريري إلى الرياض مؤخراً يندرج في إطار رقعة الشطرنج التي يستخدمها كوشنر في مناورته في إطار عملية السلام.
فقد سأل: "هل هذه مناورة من مناورات عملية السلام؟ هل نحن أمام استراتيجية أميركية/إسرائيلية/سعودية تنكشف أمام أنظارنا، والهدف منها عزل حزب الله وزعزعة ركائز الحكومة التي يسيطر عليها الحزب في بيروت في مقابل بعض التنازلات الإسرائيلية في عملية السلام مع الفلسطينيين؟ ... ما هي بالضبط حقيقة الصفقة الكاملة؟"
كان لقرار السعودية استدعاء الحريري من لبنان في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر وحمله، بحسب التقارير، على تقديم استقالته، وقع الصدمة الشديدة على وزارة الخارجية الأميركية، وفق ما ذكرت الخبيرة في شؤون المشرق، رندة سليم.
أضافت سليم، مديرة مبادرة "حوارات المسار الثاني" في معهد الشرق الأوسط، لموقع "المونيتور": "أعلم... أن الأميركيين فوجئوا تماماً بما فعله السعوديون. لقد أُخِذوا على حين غرة. لم ينسّق [السعوديون] مع المسؤولين في الولايات المتحدة".
تابعت: "يقوم جزء من استراتيجية محمد بن سلمان لنيل الحظوة لدى الأميركيين... وكسب ودّهم، على [اتهام] حزب الله بأنه المذنب الأساسي والعمل على كبحه"، مضيفة: "أعتقد أن هذا هو مصدر الضوء الأخضر. ... يتحرك السعوديون من دون إجراء مشاورات؛ إنهم يسيئون تفسير" خطاب البيت الأبيض الحازم حيال إيران و"حزب الله"، و"يذهبون بعيداً في قراءتهم لهذا الخطاب"، في حين أن وزارتَي الداخلية والدفاع تقولان إنهما تريدان الاستقرار.
في الموضوع اليمني، ينبغي على البيت الأبيض ممارسة ضغوط شديدة على التحالف الذي تقوده السعودية من أجل رفع الحصار الذي يفرضه على الموانئ اليمنية الرئيسة، والذي يتسبّب باستفحال واحدة من أكبر المجاعات في العالم، وفق ماجاء على لسان جيريمي كونينديك، المدير السابق لمكتب المساعدة الأميركي في الكوارث الخارجية.
أضاف كونينديك لموقع "المونيتور": "المشكلة هي أن السعوديين يعتقدون أن ترامب وكوشنر هما الوحيدان اللذان تُعتبَر آراؤهما مهمة. وربما كانوا على حق".
وأعرب عن شكوكه بأن يكون كوشنر قد "أعطى ضوءاً أخضر صريحاً لفرض حصار [على اليمن]"، مضيفاً: "لكن السعوديين كانوا على عجلة من أمرهم لتضييق الخناق على البلاد، والشيء الوحيد الذي كان يمنعهم هو الرفض المتكرر من الولايات المتحدة. في مثل هذه الحالة، لا داعي لأن تقول ’نعم‘، يكفي فقط أن تتوقف عن قول ’لا‘. وهذا ما حدث على ما أعتقد".
لقد جدّدت الإدارة الأميركية جهودها للحؤول دون تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، بما في ذلك عن طريق التواصل مع التحالف الذي تقوده السعودية للمطالبة بتحسين الوصول، وفق ما جاء في حديث أدلى به مسؤول أميركي كبير لموقع "المونيتور" طالباً عدم الكشف عن هويته، في 20 تشرين الثاني/نوفمبر.
لكن ينبغي على الإدارة الأميركية أن تكون أشدّ حزماً في محادثاتها مع القيادة السعودية من أجل تجنّب حدوث مجاعة كارثية في اليمن.
قال المسؤول الكبير السابق في الإدارة الأميركية: "من الواضح أن بعض كبار المسؤولين السعوديين يدركون أن الوضع الإنساني بغاية السوء، إنما ليس واضحاً إذا كانوا سيؤثّرون في نهاية المطاف في عملية صناعة القرارات السعودية في الملف اليمني، وإذا كانت الولايات المتحدة ستُلقي بثقلها بقوّة أيضاً لممارسة تأثير مهم على الأزمة الإنسانية".