بين قطر ولبنان: السياسة السعودية الى اين؟
قاسم قصير
2017-11-18 05:36
تواجه السياسات السعودية الخارجية في هذه الايام ازمة كبيرة، ولا سيما بعد التعاطي المباشر والفاشل مع أزمتي قطر ولبنان. فإلى اين تتجه هذه السياسات؟ وهل نحن امام نهاية للدور السعودي الاقليمي والعربي؟
لقد تميزت السياسة السعودية الخارجية تاريخيا بالعمل غير المباشر والحرص على الابتعاد عن التدخل الواضح في الشؤون الخارجية للدول العربية والاسلامية، والاعتماد على قوى سياسية او تنظيمات اسلامية او حزبية او شخصيات فاعلة من اجل التصدي للقوى الاخرى المعادية للسياسات السعودية وحلفائها.
ونجحت هذه السياسات في القرن العشرين بتحقيق نجاحات مهمة في الصراع ضد الرئيس جمال عبد الناصر وفي الحرب اليمنية الاولى في ستينات القرن الماضي وفي ازمة سلطنة عمان في مواجهة ثوار ظفار وفي عقد اتفاق الطائف في لبنان وفي التصدي للاحتلال السوفياتي لأفغانستان ومواجهة القوى اليسارية والقومية في العالم العربي، وكذلك مواجهة تداعيات الثورة الايرانية عام 1979 عبر الدعم المباشر للحرب التي شنها الرئيس العراقي صدام حسين ضد ايران ومن ثم دعم التدخل الدولي لمواجهة احتلال صدام حسين للكويت، وكل ذلك حوّل السعودية الى قوة مهمة اقليمية وعربية وانتهت المرحلة الناصرية والقومية، كما نجحت السعودية في استيعاب تداعيات الثورات الشعبية العربية الاخيرة والتي اندلعت منذ العام 2011 واصبحت السعودية وحلفائها اللاعب الاول في العالم العربي والاسلامي.
لكن التطورات الاخيرة في أزمتي قطر ولبنان، اضافة للتطورات في اليمن والبحرين والعراق وسوريا، تشير الى ان السياسات الخارجية للسعودية تواجه مأزقا كبيرا في ظل الفشل في تحقيق الاهداف المطلوبة وتعرض الامن القومي السعودي الى خطر مباشر وكبير لأول مرة منذ تأسيس المملكة السعودية في بدايات القرن العشرين.
ولأنه لا يمكن الحديث بشكل مفصل عن كل السياسات السعودية الخارجية ودورها في دول المنطقة، فسيتم التركيز على الدور السعودي في قطر ولبنان نظرا لخصوصية هذين البلدين بالنسبة للسعودية وللفشل الذريع والواضح في سياسات السعودية تجاه بلدين كانا يعتبران حليفين اساسيان للمملكة وخصوصا في السياسات الخارجية وعلى صعيد العمل في مواجهة مختلف الازمات.
واما بالنسبة لقطر وخصوصا بعد الثورات الشعبية العربية فقد كانت حريصة على التعاون مع السعودية وكان هناك تنسيق في العديد من الملفات ولا سيما في الازمة السورية، كما كشف رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم، وكانت قطر حريصة على لعب دور متوازن في العلاقات مع الدول العربية والاسلامية ولا سيما ايران وتركيا، والاخذ بالاعتبار المواقف السعودية، لكن يبدو ان السعوديين لم يعودوا قادرين على تحمل هذا الدور المتوازن وارادوا الحاق قطر نهائيا بالموقف السعودي واستفادوا من مواقف الرئيس الاميركي دونالد ترامب خلال القمة الاميركية – العربية – الاسلامية الاخيرة في الرياض والتي كان الهدف منها مواجهة ايران والإرهاب.
لكن السعوديين ومعهم البحرين والامارات ومصر، اعلنوا الحرب على قطر بحجة دعمها للإرهاب وعلاقتها مع ايران واتخذوا سلسلة اجراءات حصارية ضدها، وكان هناك تخوف من العمل المباشر لتغيير القيادة القطرية وتعيين قيادة جديدة مرتبطة مباشرة بالسعودية، لكن نجاح القيادة القطرية في مواجهة هذه الحرب وصمودها في وجه الحصار والاستفادة من علاقاتها مع ايران وتركيا وحصول بلبلة في المواقف الاميركية، كل ذلك افشل السياسة السعودية تجاه قطر وبدل ان يتم قطع العلاقات القطرية – الايرانية كما تريد السعودية تعززت هذه العلاقات وتحولت قطر الى موقع جديد في مواجهة السياسات السعودية.
وفي لبنان كانت السعودية تتمتع بدور سياسي واعلامي واقتصادي فاعل، ولديها حلفاء اساسيون وخصوصا تيار المستقبل والقوات اللبنانية وقوى 14 اذار، وكان الرئيس سعد الحريري الحليف الاهم للسعودية ويلعب دورا مهما في بقاء التوازن السياسي في لبنان في مواجهة حزب الله وحلفائه، ومع ان الواقع السياسي اللبناني مؤخرا لم يكن لصالح السعودية في ظل المتغيرات الاقليمية والداخلية، فان وجود الحريري على رأس الحكومة والامساك بالعديد من المفاصل المهمة في مؤسسات الدولة اللبنانية كان يشكل مدخلا اساسيا لأي دور سعودي سياسي او شعبي او اقتصادي في لبنان والمنطقة.
لكن استقالة الحريري الاخيرة والتي كانت بطلب سعودي حسب كل المعطيات المتوفرة، وما احاط الاستقالة من التباسات حول وضع الحريري في السعودية، كل ذلك انعكس سلبا على الدور السعودي في لبنان، وبدلا ان تكون السعودية هي الضامنة لاستقرار لبنان والحفاظ على امنه تحولت الى مصدر للقلاقل، كما ادت الاستقالة وملابساتها الى تعزيز دور القوى المعارضة للمملكة في لبنان وابرزت البلبلة في وضع تيار المستقبل في ظل الحديث عن سعي سعودي لاستبدال رئيس الحكومة سعد الحريري بأخيه بهاء لإدارة تيار المستقبل، وهذا ما لقي معارضة شديدة داخل التيار وفي الاوساط المؤيدة له.
وبانتظار وضوح الرؤية حول مسار الازمة اللبنانية ومصير الحكومة ورئيسها سعد الحريري، فان كل ماجرى شكل انتكاسة جديدة للسياسات السعودية الخارجية، وكما خسرت السعودية قطر كحليف اساسي، هاهي باتجاه خسارة دورها وموقعها في لبنان.
فهل تشكل هذه التطورات انذارا للمسؤولين السعوديين لتغيير السياسات الخارجية؟ ام اننا نتجه الى نهاية للدور السعودي الاقليمي والدولي في ظل ما يجري داخل المملكة من متغيرات وتطورات والتي لا احد يعلم الى اين ستنتهي؟