الرئيس ترامب يحتاج ترتيب اولوياته في الشرق الاوسط
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
2017-11-12 04:50
بقلم: جون ب. التورمان
الناشر: مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
نقلاً عن: مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS -واشنطن.
ترجمة: وحدة الترجمة في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
تعد ادارة الرئيس ترامب نسمة هواء نقي بالنسبة لعدد من زعماء الشرق الاوسط. فخطاباته حول مقاتلة الارهاب وتعزيز الوضع الراهن وعدم اهتمامه بالظروف المحلية العامة ما هي الا مصدر راحة بعد الرئيسين بوش واوباما اللذان اتبعا استراتيجيات اقليمية ربطت ما بين القمع الداخلي واثارة التطرف.
أما بالنسبة للآخرين في المنطقة، فإن ادارة الرئيس ترامب تعد تهديداً، اذ لا يرون انها تتبع سياسات ضد المسلمين (او سياسة مساندة لإسرائيل)، وانما دفع المنطقة الى مزيد من العسكرتاريا والصراعات.
وقد اتفق الجانبان على هذه النقطة، الا ان ادارة الرئيس ترامب تمتلك العديد من السياسات تجاه الشرق الاوسط، غير انها لا تمتلك تصوراً استراتيجياً واضحاً، مما يجعل الامر أكثر صعوبة للذين يتعاونون مع الولايات المتحدة الامريكية.
لا يوجد هناك نقص في قضايا تعامل حكومة الولايات المتحدة الامريكية مع الشرق الاوسط، فقائمة القضايا كثيرة من اليمن الى سوريا ومن ايران الى ليبيا، حيث يحتوي بعضها على امور تتعلق بمكافحة الارهاب ومكافحة التمرد ومكافحة التطرف. ويحتوي البعض الاخر على حلول للصراعات الداخلية والصراعات ما بين الدول. كما انه هناك مجال للقضايا العسكرية والامور الافتراضية الاخرى. وللولايات المتحدة الامريكية اهتمامات في المنطقة بشؤون الطاقة وتجارتها الزراعية القوية، كما ان الشرق الاوسط موقع مهم لعديد من القضايا التي تهتم بها الولايات المتحدة الامريكية عالميا، بضمنها التجارة بالبشر وغسيل الاموال وانتشار الاسلحة.
ولا تستطيع الولايات المتحدة الامريكية التركيز على كل هذه الامور في آن واحد، اذ يجب عليها تحديد الافضلية وتأجيل بعض الامور وعدم القيام بالبعض الاخر التي لا ترغب القيام بها من اجل متابعة امور أكثر اهمية بالنسبة اليها.
تساعد الاستراتيجية في ضرورة تحديد الافضليات. فاستراتيجية ادارة الرئيس اوباما، وخصوصاً في السنوات الاخيرة، تركزت على تقليل العداءات مع إيران من اجل تجميد برنامجها النووي وحث الحكومة الايرانية على اتباع علاقات اقل عدوانية ومواجهة مع بقية انحاء العالم. وركزت ادارة الرئيس بوش الثانية، وخصوصاً في سنوات وسط خدمته، على الاصلاحات الاقليمية المحلية كأسلوب لمهاجمة مشجعي الارهاب، وبالتالي هناك الكثير من الامور التي قامت بها الحكومة الامريكية في الشرق الاوسط واماكن اخرى من العالم، الا ان الشكوك حامت حول القليل منها من ناحية الاهمية.
وخلال التسعة أشهر الاخيرة، لم يكن لإدارة الرئيس ترامب اية استراتيجية قوية، فقد تحسست من السلوك الايراني، والتي لم يتضح وجود خطة عن الاسباب او كيفية تغييرها. فالإدارة تحارب مجموعة " الدولة الاسلامية" حالها مثل حال إيران وروسيا الا انه لا بيان لنهاية اللعبة. انها تريد الاستقرار في العراق وايجاد حل في اليمن وإنهاء الفوضى في ليبيا، في وقت يتحدث فيه المبعوثين عن اهمية السلام العربي – الاسرائيلي دون تبيان جهودهم في هذا المضمار.
ولن يؤدي كل هذا الى تقليل صعوبة بناء استراتيجية، وانما يؤشر الرقم الكبير من سياسات الصراع التي يجب ترتيبها وتنسيقها.
ويشعر الباحثون عن النظام والتنسيق بنوع من الاخفاق والاحباط. فإدارة الرئيس ترامب اهتمت بالحفاظ على اوراقها بشكل مكثف. وعندما كان ترامب مرشحاً لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية، انتقد بشدة ادارة الرئيس اوباما في شهر تشرين الاول 2016 لكشفها انها تخطط للقيام بعملية عسكرية في الموصل، في وقت كان يرغب فيه اعتماد مبدأ المباغتة من اجل ان يفقد اعداءه توازنهم.
ولكن في المحادثات الخاصة، يقوم المسؤولون في الحكومات الحليفة ـ او المؤيدون في المنظمات الدولية – بهز اكتافهم والابتسام براحة حين يسألون عن البيت الابيض. لم يشعروا ان الانتخابات الامريكية تتعلق بهم او الاهتمام بتقييم النتائج، وانما شعروا بالحيرة في كيفية اسناد الرئيس والاحباط في ان الرئيس غير مهتم بإسنادهم أساساً، وان الامر النووي هو ما تركز عليه الادارة الامريكية في المستقبل. وتحدثوا مع الدبلوماسيين الامريكيين الذين لم تتوفر لديهم معلومات أفضل عن السياسة التي سيقومون بها. وبدلاً من ذلك، يرى المسؤولون ان الجدالات الجدية تتعلق بتغريدات السياسة الامريكية ويتساءلون متى يتم ملء المواقع الرئيسة في وزارة الخارجية الامريكية، وليس الامر بالأحسن في واشنطن.
وعندما يتحدث الرئيس عن "جعل امريكا عظيمة من جديد"، فإنما يتحدث جزئيا عن استعادة امريكا لقيادتها للعالم. الا انه هناك عنصر مهم لهذه القيادة وهو ان باستطاعة امريكا القيادة لان حكومتها تمتلك احساساً بالهدف، وان يشعر العالم بما تريد الولايات المتحدة تحقيقه وان يتفق العديد في ارجاء العالم على هذا الاتجاه.
وإذا قارنا الامور في الوقت الحاضر، كانت فترة الحرب الباردة من أسهل الاوقات. ففي الوقت الذي اختلف فيه العقلاء على أفضل الطرق لمواجهة اعتداء الاتحاد السوفياتي، كان هناك القليل من الجدل حول الاسبقيات الرئيسة للأمن. اما الجدال الامني الوطني في الوقت الحاضر فيمر في مرحلة التشوش، ليس فقط في الشرق الاوسط، وانما على نطاق اوسع، وهل يجب ان ننشغل بمسائل الجيش ام بمسائل الارهاب؟ وهل ان قضايا البيئة او القضايا الصحية التي لا تعرف الحدود اهم للإنسانية؟، لقد ورث الرئيس هذا العالم الذي لم يصنعه.
إن عالم اليوم المعقد يجعلها جميعاً من الامور المهمة، وليس ملء المناصب الكثيرة الفارغة من موظفيها، كما ان شكل الجدالات بين موظفيه الكبار المرشحين يمكن ان تنصحه في التعامل مع الامور التي يواجهها. انه ليس جهداً يغتصب سلطاته او يجعله عاجزاً، فهو كرئيس، يستطيع اتخاذ القرارات، الا ان الحكومة الامريكية تمتلك نظاماً موسعاَ يهدف الى توفير البدائل للرئيس من اجل الاختيار منها، وإبعاد الافكار السيئة.
لقد تحطم هذا النظام الذي امتلأ بموظفين بالنيابة الذين يخشون القيام بأعمالهم بالتعامل مع الشخص الخطأ.
وكمرشح للرئاسة الامريكية، تمتع الرئيس ترامب بسمعة كونه مثيراً للمشاكل. أما كونه رئيساً، فإن الوسائل المتاحة لديه قد ضعفت عندما لا يستطيع العاملون معه على توقع قراراته او تحديد اولوياته. ان الحكومات حول العالم تحاول مساعدة الولايات المتحدة، الا انهم لا يعرفون كيفية ذلك، فهم لا يفهمون السياسة الامريكية او اتجاهاتها، كما ان الاستراتيجية يمكن ان تعزز قوة الرئيس لا ان تضعفه وتقيد من قراراته.