هل تبيع مصر آثارها؟
مبادرات الخروج من الأزمة الإقتصاديّة
المونيتور
2017-04-19 07:40
أحمد البرديني
القاهرة: ماذا لو استيقظ المصريّون صباحاً على نبأ عاجل باللون الأحمر عن بيع آثارهم في المزادات الدوليّة؟ على صفحته على فايسبوك سأل برنامج الحوار المستمر الذي يبث على قناة on live، التي تعود إلى أحمد أبو هشيمة، وهو أحد رجال الأعمال المحسوبين على النظام الحاكم السؤال التالي: "هل توافق على بيع الآثار المصرية للخارج لحل أزمة مصر الإقتصادية؟" لكنّ هذا الطرح واجه عراقيل شعبيّة وتاريخيّة ضخمة تحول دون تحقيقه.
السؤال عن بيع الآثار المصريّة على موقع التّواصل الإجتماعيّ الذي ورد ضمن حلقة تناقش الموضوع ذاته، لاقى هجوماً واسعاً من قطاع عريض يرفض المبدأ، خصوصاً أنّه تزامن مع إتفاقيّة تعيين الحدود البحريّة، التي تنتقل بموجبها تبعيّة جزيرتيّ تيران وصنافير لصالح المملكة العربيّة السعوديّة.
إنّ الأمر لم ينته عند هذا الحدّ، إذ بعد أيّام من استفتاء الفضائيّة الخاصّة، اقترح الكاتب الأميركيّ المتخصّص في الإقتصاد باتريك وير، في مقال على موقع The National الإماراتيّ، على الحكومة المصريّة تنظيم بيع جزء من آثارها الفرعونيّة للأجانب والمصريّين، الأمر الذي يمكّنها من إضافة ملايين الدولارات إلى خزائنها كلّ عام لتعويض انخفاض عوائد السياحة خلال السنوات الأخيرة.
باتريك وير، الذي يعيش في مصر منذ 20 عاماً، استند في مقاله إلى الخسائر التي تتعرّض لها مصر سنويّاً بسبب تهريب الآثار إلى الخارج وسوء استغلالها، وهو الطرح الذي أكّد وير نفسه أنّه لن يحظى بقبول سياسيّ، لكنّه سيكون مقبولاً إقتصاديّاً، في ظلّ الأزمة الإقتصاديّة الخانقة التي تمرّ فيها البلاد.
وهذه ليست المرّة الأولى، التي يثار فيها الحديث عن استغلال الآثار المصريّة، فأثيرت أزمة مشابهة خلال حكم جماعة الإخوان المسلمين، عندما تلقّت وزارة الآثار عرضاً من قطر لاستئجار منطقة الأهرامات بكلفة بلغت 200 مليار دولار لمدّة 3 سنوات، ولحقه عرض آخر من شركة إماراتيّة تدعى "بروآكت وورلد"، اقترحت تأجير 3 مناطق أثريّة مهمّة في مصر تشمل قلعة صلاح الدين الأيوبيّ بالقاهرة وقلعة قايتباي بالإسكندريّة ومعابد الأقصر، للمساعدة في حلّ الأزمة الإقتصاديّة.
وعلى المستوى الرسميّ، ترفض الحكومة بشكل قاطع مناقشة فكرة بيع الآثار أو إيجارها للمزادات العالميّة، إيماناً بأنّها جزء من الشخصيّة المصريّة. كما تعتبر طرحها إعلاميّاً إهانة لمصر ولحضارة يمتدّ عمرها 7 آلاف عام، وفقاً لمدير إدارة الآثار المستردّة في وزارة الآثار شعبان عبد الجواد، الذي أكّد في تصريحات خاصّة لـ"المونيتور" أنّه لا توجد أمّة في العالم تبيع آثارها وتاريخها مهما كانت الأزمة الإقتصاديّة التي تمرّ فيها، رافضاً تشبيه مصر بالدول التي تقنّن عمليّة بيع الآثار لأنّها لا تملك حضارة مصر، التي تضمّ نحو ثلث آثار العالم."
ومنذ أن عدّلت مصر عام 2010 القانون 117 لسنة 1983 الخاص بحماية الآثار، وتمنع الحكومة حيازة الآثار وبيعها وإهداءها وعرضها خارج البلاد من دون إشراف الهيئات الأثريّة المعنيّة، بعد أن ظلّت لعقود طويلة خلت تجارة شائعة لا يجرّمها القانون، وهو ما تسبّب في تهريب قطع فرعونيّة لا حصر لها إلى خارج البلاد، بجانب الإهداءات التي منحها ملوكها ورؤساؤها السابقون إلى البعثات الأجنبيّة وبعض الحكومات.
ونجحت وزارة الآثار في استرداد 7500 قطعة أثريّة من أوروبا خلال الـ 15سنة الأخيرة، فيما لا تزال المئات منها تعرض في المتاحف الدوليّة بالدول التي لا تجرّم التجارة في الآثار، وتعجز الحكومة عن استردادها بسبب عدم إثباتها في سجلاّتها الرسميّة، وفقاً لشعبان عبد الجواد.
وانتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة عرض القطع الفرعونيّة في المزادات العالميّة، آخرها مزاد "سوثبى"، الذي أقيم في مدينة هونج كونج بالصين بـ4 نيسان/إبريل الجاري، بعنوان "تحف لافتة للنظر"، والذي باع حفريّات مصريّة قديمة بحوالى 175.5 ألف دولار، وتحديداً 175 ألفاً و354 دولاراً.
وفي 15 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، نظّمت دار المزادات نفسها مزاداً آخر في الولايات المتّحدة الأميركيّة، بيع فيه 82 قطعة أثريّة نادرة، من بينها جذع امرأة مصريّة من البازلت، الذي يعود تاريخه إلى الأسرة الـ30، وتمثال آخر مثال للآلهة "سخمت" من الغرانيت من الأسرة الـ18.
وتقف إتفاقيّة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة الـ"يونيسكو" لحظر استيراد الممتلكات الثقافيّة وتصديرها ونقل ملكيّتها بطريقة غير مشروعة ومنعها، الصادرة سنة 1970، حائلاً أمام جهود الحكومة المصريّة لاستعادة آثارها وبيعها في المزادات الدوليّة، حيث أنّ الإتفاقيّة لا تشمل حقّ الدولة في المطالبة بآثارها التي سرقت قبل عام 1970.
يتشابه موقف مجلس النوّاب مع الحكومة، من حيث استحالة مبدأ عرض الآثار للبيع، إذ أكّد عضو لجنة السياحة والطيران في مجلس النوّاب رياض عبد السلام أنّ الطرح مرفوض، و"لن يجرؤ نائب على تمريره إلى البرلمان من أجل مناقشته".
وبنى رياض عبد السلام في حديثه لـ"المونيتور" رأيه بناء على الحقائق التاريخيّة، التي تمنع أيّ مسؤول في الدولة من تسويق هذه الفكرة، وقال: "خروج أيّ قطعة آثار من البلاد في مزاد عالميّ يعني عدم عودتها مرّة أخرى، علينا استغلالها لعودة السياحة".
لماذا لا تستغلّ مصر آثارها؟
لا شكّ في أنّ الأزمة الإقتصاديّة الخانقة التي تمرّ فيها مصر خلال السنوات الأخيرة دفعت بالبعض إلى التفكير في أطروحات كهذه، لكنّ المدير العام للبحوث والدراسات الأثريّة والنشر العلميّ بسيناء ووجه بحريّ في وزارة الآثار الخبير الأثريّ عبد الرحيم ريحان رأى أنّ مشاكل مصر الإقتصاديّة يمكن حلّها بوضع منهجيّة شاملة للنهوض بكلّ مقوّمات السياحة في مصر من سياحة الآثار والسياحة الترفيهيّة، في حال استغلّت الحكومة كنزها الحضاريّ، مطالباً بتخصيص ميزانيّة ضخمة لتطوير المواقع الأثريّة وإنشاء خدمات في المنطقة المحيطة بها.
وطرح عبد السلام حلولاً تسويقيّة بديلة لاستغلال المتاحف الأثريّة من خلال إنشاء قنوات متخصّصة تتحدّث بكلّ لغات العالم وإصدار جريدة متخصّصة لمخاطبة السائح الغربيّ. كما دعا إلى التعاقد مع شركات عالميّة متخصّصة في هذا المجال للترويج للآثار في معارض داخل البلاد.
لا تنظر الحكومة المصريّة إلى العائد الإقتصاديّ الخرافيّ، إذا ما قرّرت التفكير مرّة في استغلال ثروات الأجداد، وهو ما أوضحه عبد الجواد إذ قال: "حتّى لو حقّقت المكاسب الإقتصاديّة المتوقّعة وعمّ الخير على المصريّين، فالآثار لا تقدّر بأثمان".
وأشار إلى أنّه قد يتسبّب في تفشّي ظاهرة التنقيب غير الشرعيّ عن الآثار رغبة في الثراء السريع، معتبراً أنّها دعوة إلى تفكيك المجتمع، لا إلى سدّ عوزه الإقتصاديّ.