اطفال الشوارع في العراق: أحلام تلاشت في غياهب الفقر
زهراء جبار الكناني
2016-11-02 08:30
لم يبلغ الطفل "حمودي" الثانية عشر من عمره بعد، ومع ذلك كان يحمل صندوقاً مليئاً بالسكائر وعلب المناديل الورقية وقناني العطر الرخيص، يجري في الشوارع عند التقاطعات وقرب اشارات المرور لعله يسد رمقه بهذه المهنة التي تكبره بكثير، وبينما حاول اللحاق بأحد السواق داهمته سيارة يقودها شاب لم يذق في حياته طعم الحرمان .. فاختلطت دماء الفتى بتبغ السكائر التي تفوح منها رائحة عطر رخيص.
بعد استشهاد والد حمودي بأحد الانفجارات قادته الظروف للعمل وترك دراسته ليوفر لامه واخواته الاربعة لقمة العيش, تخلى عن احلامه الغضة حتى لا يطرق الفقر بابهم وها هو قد التحق بابيه.
حلم الطفولة
"اريد ان اعيش" كلمات اختزلت بين طياتها أوجاع ومأسي البسطاء كلمات تحمل احلامهم المحطمة وآمالهم المهشمة أولئك الذين تكفيهم ثياب بسيطة وكسرة خبز فهي كفيلة لإسعادهم وبرغم ذلك لم يجدوا ملاذا امنا يحميهم من غياهب الفقر لم يكن حمودي الطفل الوحيد الذي اغارت عليه الدنيا ليلقى حتفه بل هناك الكثير من تكسرت احلامهم على ابواب الامل بان ينالوا ما تمنوه في طفولتهم .
ما زالوا اطفالنا يدفعون الثمن من الظلم المجحف الذي انتشى بسبب ما يمر به البلد منذ عقود بالرغم من التقدم الكبير الذي يشهده العالم بما يسمى الانسانية التي اصبحت شبه معدومة في العراق, هذا ما استهلت به المحامية كوثر سلام كلامها: حينما اقود سيارتي اتطلع لصور قاسية من فتيات وصبيان منهم من يحمل خرقة من القماش لمسح زجاج السيارات ومنهم من يبيع العلكة واخرى تطلب الصدقة وحتى في الاسواق الشعبية نجدهم هناك تاركين مقاعدهم في المدرسة ليوفروا لقمة العيش وليس الاطفال فحسب حتى الشباب منهم من تخلى عن أحلامه في الجلوس على مدرجات الجامعة ويكتفي ببيع الخضار, ومنهم من نال الشهادة وتجده يعمل في الاسواق لانه لم يحصل على وظيفة بشهادته.
تبديل المعايير
من جهتها ترى نور الحسناوي باحثة اجتماعية قد تبدلت معايير الفقير بين الأمس واليوم والتي يجب أن تؤخذ في الاعتبار في تعريف الفقير في ما هو الحد الأدنى من الحياة الكريمة , وبما ان المجتمعات بطبيعتها تتغير، فالحد الأدنى من متطلبات الحياة الحالية ارتفع، وأصبح المواطن لا يستطيع تحقيق هذا الحد، وفي الوقت الذي كانت فيها كلمة الفقر تعني عدم توفر لقمة العيش، فقد تبدلت اليوم الصورة مع اختلاف مستوى الحياة التي ارتفعت وارتفع معها مستوى الفقر, ويعود السبب الى ما آلت إليه البلد من أزمات اقتصادية وسياسية.
وأضافت الحسناوي بأن الفقر يعد مشكلة بحد ذاته، ولكن المواجهة الأولى للقضاء عليه هي بالتعليم، فكل إنسان يستطيع أن يحصل على التعليم الجيد واكتساب المعرفة والمهارات يمكنه أن يخرج من هذا النطاق حتى وإن كان منتمياً لعائلة فقيرة، بل ممكن أن يكون لهذا الفرد دور كبير في انتشال أسرته من الطبقة الفقيرة إلى الوسطى، ومن ثم الغنية، فالتعليم هو السلاح الأول للخروج من الفقر والتنمية البشرية، والتي يفترض أن تكون وفق استراتيجية تقوم بها الحكومة وتربط بين إنفاقها وما تحققه من تنمية في دخل الفرد والأسرة، وتنمية المجتمع بشكل عام والقطاع الخاص له دور كبير، فيما يتعلق بالتدريب وتوفير الوظائف والفرص الوظيفية، وهذا يساعد في معالجة مشكلة الفقر.
رؤية اقتصادية
ستار البياتي استاذ الاقتصاد في جامعة النهرين يرى ان الفقر لم يعد قاصرا على الحرمان المادي المتمثل بالحرمان من الدخل الثابت او الحرمان من اي مورد ثانٍ وانما تطور هذا المعنى الى مفهوم أعمق من الحرمان المادي ذلك هو الحرمان من كل الخدمات ومتطلبات الحياة وهذا يعني ان شخصا ما قد يحصل على دخل معين لكنه قد لا يكون كافيا لتلبية المتطلبات او الحاجات الأساسية التي تعتبر أساسا لإدامة واستمرار الحياة بحيث معها يستطيع إي إنسان إن يعيش بدون اهانة, ان يعيش وكرامته محفوظة, وهنا يمكن التفريق بين نوعين من الأجور او الدخول النقدية: الأول هو المعروف في علم الاقتصاد والذي يطلق عليه اجر الكفاف او الاجر او الدخل الحديدي والمقصود به هو الأجر الذي يضمن للانسان العيش بمعنى انه يكفيه للعيش على حد الكفاف إي انه لا يلبي حاجاته جميعها ربما فقط الاساسية التي تضمن له العيش وقد يكون من ضمنها دار السكن ايضا, والنوع الاخر من الاجور هو ما يمكن تداوله في الفكر الإسلامي والذي يذهب في معناه الى ابعد من معنى سابقه اي انه لا يكتفي بتوافر الحاجات الأساسية وإنما يضيف اليها ضرورة توافر الخدمات المختلفة كالصحة والتعليم والخدمات البلدية وغيرها التي تضمن للشخص ان يعيش كانسان محترم وكرامته محفوظة مع العيش برفاهية.
واضاف البياتي وبالنسبة للشريحة المتوسطة في المجتمع نلاحظ ما حصل من تغيير نسبي في مستوى رفاهيتها من خلال زيادة الرواتب والأجور, ولكن هذا التغيير لم يحصل على حساب شريحة الفقراء او الفئات المهمشة لان هذه الفئة تعاني من قصور في البرامج والسياسات الاجتماعية الاقتصادية, والتي كان من المفروض إن توجه إليها ويمكن ملاحظة هذا من خلال جانبين: الاول ان الموازنات العامة كان عليها ان تراعي ظروف هذه الفئات وتعمل على اعادة توزيع الدخل لصالح هذه الفئات والجانب الآخر ان شبكة الحماية الاجتماعي ايضا كانت قاصرة عن استيعاب أعداد المحتاجين او الفقراء بالوقت الذي شملت فئات غير مستحقة بمعنى إن الفساد كان له دور مؤثر في هذا الجانب.
ومن جانب آخر نشاهد ظاهرة التسول فمن المؤسف القول إن الكثير من المتسولين يجدون في التسول مهنة أكثر من كونه يلبي حاجة.
وأكد البياتي إن من بين الحلول للحد من انتشال هذه العوائل من غياهب الفقر وهو مكافحة الفساد والعمل على إعادة توزيع الدخل لصالح الفئات المهمشة وقيام وزارة العمل ووزارة الداخلية من خلال التنسيق بينهما لإدخال المتسولين لاسيما صغار السن في دورات تأهيلية في دور الاصلاح ثم ان الحد من مشكلة البطالة من اهم الحلول واخيرا تطبيق او تنفيذ عدد من الاستراتيجيات مثل استراتيجية التخفيف من الفقر التي وضعتها وزارة التخطيط وسياسات التشغيل الوطنية التي اعدتها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية, وبعد هذا وذاك مراعاة الفئات المهمشة في عملية التحول نحو اقتصاد السوق.