التفاوت الاقتصادي وانعكاساته الاجتماعية على المجتمع العراقي
زهراء جبار الكناني
2016-10-06 09:19
ظاهرة الترف بعد إن تدرجت في السلم صعودا من الغني إلى الثراء الفاحش إلى الترف وبعدما انفتحت أبواب الكسب الحلال والحرام على مصارعيها , في زمن انحسرت فيه قيمة العمل أمام طوفان المال المنهمر وتحت ضغطه تغيرت نفوس الكثير من البشر حتى قادتهم سطوة المال الى الغطرسة والتكابر هناك من نقرأ عنهم كثيرا وقد نلقاهم وربما نعرف بعضهم هم اهلنا وان باعدت بيننا المسافات في الأمكنة والأرصدة , فالتفاوت الاجتماعي قد مد جذوره في بنية الحياة الاقتصادية وسيرها الطبيعي، وتحافظ عليه المؤسسات الاجتماعية والقانونية الرئيسية في عصره، وتزيد من حدته . ففكرة الصراع الطبقي تشتت الانسانية بين الناس وتزرع العنصرية .
صراع من اجل البقاء
ان التفاوت الطبقي اثار جدلا كبيرا في المجتمع من حيث المباديء والقيم استهل سالم خضير موظف في البلدية كلامه بهذه الجملة انا امقت الطبقة البرجوازية التي تفرق بين العامل والطبيب ولأني موظف في بلدية الاشغال اسمع الكثير من الانتقادات اللاذعة حيال عامل البلدية فمنهم من يتشدق بجمل جارحة على سبيل المزاح مع اصدقائه مثلا مال ثيابك باليه كأنك عامل في البلدية حتى يبدءون بالضحك الصاخب وهذا ما يثير حفيظتي ويجعلني امقتهم أرى ان الاغنياء الذين طالتهم الثروة على بغتة لا يستحقون ما وصلوا عليه حيث ان سطوة المال محقت بداخلهم كل القيم الانسانية .
وفي السياق ذاته قالت ميار ابراهيم مهندسة 33 سنة ظهرت الطبقية بشكل واضح في بلد تنظر له دول العالم على انه بلد الثروات النفطية لتعدد مظاهر الثراء كالامتداد العمراني و كثرة السيارات الحديثة و هذه المؤشرات تنفي صفة الفقر الذي انتشى بشكل ملحوظ .
هناك الكثير من العوائل تعيش واقعا مؤلما بسبب افتقارها للعيش بحياة كريمة وذلك مما يمر به البلد من ازمات لا تنتهي من الاقتصاد والامن وقد ظهرت مؤخرا ظاهرة انتشار الطبقية المقيتة في العراق سأسرد حالة شاهدتها وانا اجلس في عيادة الطبيب انتظر دوري حيث دخلت فتاة في مقتبل عمرها لتمد يدها طالبة الصدقة من المراجعين الذين استخرج البعض من محفظاتهم , مبلغا ضئيلا وقدره (250) دينار لا ادري هل ما تجنيه الفتاة يسد احتياجاتها في رمق الحياة المضنية ولماذا سعت بالتسول والتجول في العيادات وغيرها دارت الكثير من الأسئلة في رأسي ولم اهتدي لإجابة وشاحت عيني على فتاة بنفس عمرها كانت تجلس على الأريكة يبدو عليها حياة الترف والرخاء لقد كانت برفقة والديها وهي تنتظر دورها أحسست بغصة ملأت فمي لما رأيت من تفاوت الطبقية وكم تمنيت لو تتساوى الناس سواسية حتى لا نشاهد أي تأثر في المجتمع بسبب هذه الظاهرة فقد أطالت تلك الفتاة النظر لثياب الفتاة التي كانت تقاربها العمر وهي تخجل من ثيابها الباليه .
حلم العمر
ومن جهته اضاف علي قاسم 25 سنه / بعد عناء بجمع أقساط الجامعة الاهلية وممارستي لأعمال عديدة ولساعات مكثفه لسد أقساط الجامعة ها انا حصلت على مبتغاي وبدأت ارتادها لكن ما واجهته من صعوبات لم تكن في الحسبان فطالما كانت هيئتي وثيابي المتواضعة محط انظار زملائي ودائما اشعر بأن نظراتهم تخبئ استصغارا او تقليلا من شأني لكنني كنت اتجاهل الامر او يخال لي انه سوء ظن لكن سرعان ما ثبت صدق حدسي بعد تعلقي بفتاة من قسمي كانت جميلة ومن عائلة مترفة جدا ولم تذق طعم الحرمان يوما وبعد تقدمي لخطبتها واجهت صدا ورفضا عنيفا لأسباب كنت اجهلها لكن اصراري لمعرفة سبب رفضها للارتباط بي جعلني ألجأ لإحدى زميلاتها المقربات وكان ردها موجعا حيث اخبرتني اننا متفاوتان بكل شيء فهي من عائلة لا تضاهي عائلتي البسيطة وانا لا استطيع سد مصاريفها اليومية واعقبت على ذلك ان ارتيادي للجامعة ذاتها لا يعني اني اصبحت بمستواهم الطبقي سمعت تلك المفردات القاسية كوقع الجمر وقد تركت اثرا عميقا في نفسي , وأدركت حينها إن الفوارق الطبقية هي جزء من حياتنا وليست مجرد مسميات كما يدعي البعض ومن حينها وانا اجالس اشخاصا تكفيهم ضحكاتي المتواضعة وكسرة خبز لسد رمقهم في الصباح .
رؤية اجتماعية
نور مكي الحسناوي باحثة اجتماعية ظاهرة الفقر والتفاوت الطبقي في المجتمع العراقي تلعب دورا خطيرا لانعكاساتها السلبية على الحياة العامة وعلى افراد المجتمع الذي بدا عليه التمايز الطبقي واضحا بتميز فئة بمختلف الخدمات التنموية والمعاشية والصحية على حساب الفئات الفقيرة والمحرومة حتى وان حصلت هذه الطبقات على بعض الخدمات لم تحصل عليها بالشكل الطبيعي المطلوب وتبقى منقوصة لا تحقق احتياجاتها, واضافت الحسناوي لقد توسعت هوة التفاوت الطبقي والكل يدرك مخاطرها وعواقبها الوخيمة على المجتمع لان الفقر والتفاوت الطبقي الاكثر خطورة من بين كل المخاطر التي تحيط بالمجتمع، وما نواجهه في مجتمعنا من فقر وتفاوت طبقي جاء نتيجة حتمية لما نعيشه من فوضى سياسية وفساد اداري ومالي وتجاوزات على المال العام تمر بدون رادع حقيقي بعد ان زادت الفقراء فقرا وجعلت العراق يتصدر قوائم الفساد في العالم, وللحد من هذه الحالة يجب ان تتبع سياسة جديدة لطرد هذه الظاهرة المقيتة التي انتشرت مؤخرا بشكل ملحوظ ويعود الامر الى سياسة الدولة نفسها وذلك بتوفير فرص عمل او تقديم منح للطلبة وانشاء مشاريع لتشغيل الكسبة والكثير من الخطط التي تقرب الناس فيما بينهم بالمستوى المعيشي.
رؤية اقتصادية
الخبير الاقتصادي ستار البياتي استاذ الاقتصاد في جامعة النهرين التفاوت الطبقي واضح في المجتمع العراقي ولا ادعي انه جراء ما يمر به العراق اليوم وانما اغلب الازمات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية هي تراكمية بمعنى خلقتها ظروف واجراءات حكومية وازمات سابقة ثم تظافرت مع واقع ما بعد العام 2003 . . ومن المعروف أن الموازنة العامة عند اقرارها بقانون يتم تثبيت الاهداف العامة فيها تلك الاهداف التي تسعى الموازنة الى تحقيقها خلال السنة المالية ومن بين أهم الاهداف امكانية سعي الموازنة الى اعادة توزيع الدخل لصالح الفئات الاجتماعية المحرومة لصالح ذوي الدخل المحدود لكن من المؤسف ان هذا لم يحصل بل بقي الوضع كما هو بمعنى بقيت الفوارق واضحة في الدخول النقدية ولم تكن الموازنة اداة فعالة لتحقيق العدالة في التوزيع اي في توزيع الدخول وهذا بين من خلال سلم الراتب والدرجات الخاصة ورواتب الهيئات والوزراء واعضاء مجلس النواب وربما حتى رواتب اعضاء مجالس المحافظات بينما نلاحظ ان رواتب موظفي الدرجات الدنيا والرعاية الاجتماعية متدنية جدا ولا تلبي متطلبات الحاجات الاساسية لاصحابها
ثم ان تفشي الفساد المالي والاداري كان قد استنزف الموازنة وقوض اي جهد باتجاه الاصلاح واعادة الاعمار هذا علاوة على وجود عدد من الاستراتيجيات الوطنية كخطط مستقبلية مثل استراتيجية الحد من الفقر وسياسات التشغيل الوطنية وغيرها من السياسات والاستراتيجيات لم تجد طريقها إلى التطبيق علاوة على هذا شكلت عمليات النزوح والتهجير عواملا ضاغطة باتجاه زيادة معدلات البطالة التي وصلت حسب احصاءات وزارة التخطيط الى (30%) وكذلك زادت معدلات الفقر الى اكثر من (25%) . . كما ان اخر الاحصاءات اكدت ان نسبة الاعالة في العراق قد تصل الى (70%) بمعنى ان 30% يعملون لإعالة 70% وهذه مشكلة اضافية ترهق او تشكل عبئا واضحا على العائلة العراقية .. واعتقد ان المشكلة الاساسية تكمن في البطالة ومن ثم الفقر الذي يمثل حرمانا ماديا وحرمانا من الخدمات والحصول على المتطلبات الاساسية للعيش بكرامة.
واضاف البياتي من المؤكد هذا الواقع يلقي بظلاله على المجتمع من خلال لجوء البعض ممن يعاني من هذه المشاكل الى العنف والسرقة والانضمام الى عصابات الجريمة وممارسة الارهاب وغيرها بمعنى ان منظومة القيم الاجتماعية المتضمنة للاخلاق والايثار والنخوة وصلة الرحم وغيرها قد تأثرت سلبا وتراجعت في المجتمع العراقي, ايضا هذا الواقع اذا استمر على حاله قد يكون مدعاة لخلق الازمات الاقتصادية والتوترات الاجتماعية التي في غنى عنها الحكومة التي تنشغل في مواجهة اكثر من ازمة اقتصادية وسياسية.