هل يمكن إدارة الصراع في الشرق الأوسط بعد تغير قواعد الاشتباك

في المرحلة الراهنة وكيف تؤثر على خارطة التوازنات المقبلة؟

أوس ستار الغانمي

2024-10-10 03:57

تعد إدارة الصراع في الشرق الأوسط من القضايا المعقدة التي تتطلب فهماً عميقاً للمؤثرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحكم هذه المنطقة. في ظل التغيرات الجذرية التي شهدتها قواعد الاشتباك في المرحلة الراهنة، تبرز تساؤلات عديدة حول إمكانية التوصل إلى حلول فعّالة للصراعات المستمرة. فقد أثرت الأحداث الأخيرة، سواء كانت على الصعيدين المحلي والدولي، بشكل كبير على الديناميات التقليدية التي كانت تحكم العلاقات بين الدول والمجموعات المختلفة في الشرق الأوسط.

هذا الأمر دفعننا إلى إجراء استطلاع صحفي مع عدد من المحللين والكتّاب السياسيين، الذين أبدوا آراءهم حول كيفية تأثير هذه التغيرات على خارطة التوازنات المقبلة. إذ يتطلب فهم الصراعات الحالية والتنبؤ بمساراتها المستقبلية دراسة شاملة للعوامل المتعددة التي تؤدي دورًا محوريًا في إدارة الأزمات. سوف نستعرض في هذا السياق أبرز الآراء والتحليلات التي توصلنا إليها، ونناقش فرص إدارة الصراع في ظل الظروف المتغيرة وما يمكن أن يترتب على ذلك من آثار استراتيجية.

تحولات في قواعد الاشتباك

قال المحلل السياسي داود الحلفي لـ “شبكة النبأ المعلوماتية”: تغيرت قواعد الاشتباك من ثلاث نواحٍ، بالإضافة إلى متغيرات سابقة. المتغير الأول هو عدم الالتزام بمحرمات الحروب، وهي الأهداف المدنية مثل المدارس والمستشفيات والدوائر الخدمية ذات الصلة بالسكان وحياتهم اليومية، بالإضافة إلى إبعاد الهجمات عن النساء والأطفال والشيوخ. في السابق، كان هذا المفهوم سائدًا، وكانت العناصر المذكورة تستخدم كمخابئ آمنة من رعب الحرب.

كل بلد يعتمد قواعد اشتباك وفق العقيدة الدينية التي يؤمن بها، مما يجعل الطرفين يعرفان ما يدور في ذهن الآخر. انتقلت قواعد الاشتباك أو تطورت إلى واجهات أكثر خطورة وأقل ضرر. كيف؟ عبر الحرب السيبرانية وتعطيل أنظمة وأجهزة مهمة لشل قدرة العدو على تلقي المعلومات أو إرسالها، مثل أنظمة الطيران، البواخر، البارجات، وحاملات الطائرات، بالإضافة إلى المنشآت العسكرية.

ومن أبرز التطورات اصطياد الأهداف ودكها باستخدام الطيران أو ما يسمى بسلاح الجيل الخامس.

أما المفصل الأخير فهو طريقة جمع المعلومات، التي لم تعد تعتمد كما في السابق على القدرات البشرية وزرع الجواسيس بين صفوف العدو، إذ كان من الممكن كشفهم بسرعة. الآن يتم الاعتماد على أجهزة مراقبة ومتابعة من الجو أو زرع أجهزة تتبع وتنصت في جسم الهدف.

وتوجد حالتان تنذر بخطورة الاشتباك: أولها تفجير الأجهزة الناقلة للمعلومات بين أفراد الطرف الآخر، كما حدث مع حزب الله مؤخرًا عندما تم تفجير أجهزة البيجر والتحكم بها عن بعد. أيضًا، صناعة طائرات درون بحجم الموبايل لملاحقة الأهداف المهمة والقضاء عليها. وما زلنا نترقب الكثير من التغيرات في قواعد الاشتباك، وقد تأتي من طرف واحد لمن يمتلك إبداعًا واجتهادًا أكثر.

عوامل التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط

أوضح المحلل السياسي عمر الناصر لـ “شبكة النبأ المعلوماتية”، إن ثلاثة عوامل تحدد التوازنات الإقليمية القادمة في منطقة الشرق الأوسط. العامل الأول هو الحفاظ على أمن إسرائيل، والعامل الثاني يتعلق بالسيطرة والنفوذ، حيث تعد هذه المنطقة أهم سلاح جيوسياسي يقع في قلب العالم. أما العامل الثالث، فهو توزيع مناطق النفوذ والتحكم بمصادر النفط والطاقة بين الدول العظمى.

وتظهر إشارات واضحة لمحاولات دفع الدول إلى حرب دموية شاملة قبل تنفيذ مشروع "الشرق الأوسط الجديد" و"إسرائيل الكبرى"، وهو مشروع مرهون اليوم ببقاء محور المقاومة أو زواله، خاصة بعد تطبيع بعض الدول مع الكيان الصهيوني.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الاقتصاد يلعب دورًا محوريًا في تحريك عجلة المال العالمية، مما يؤثر على التوازنات والتحالفات بين الدول.

التصعيد الإقليمي ومخاطر المستقبل

أوضح دكتور سيف السعدي، باحث في الشأن السياسي لـ “شبكة النبأ المعلوماتية”: هناك تأثير كبير للقوى الإقليمية والدولية على معادلة إدارة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في سياق الحديث عن رسم ملامح "الشرق الأوسط الجديد" من خلال الصراعات القائمة في غزة وجنوب لبنان. انخراط إيران والعراق ومحور المقاومة في هذا الملف يعزز فرضية أن اقتراب الانتخابات الأمريكية يزيد من حدة الصراع في المنطقة، خاصة من قبل إسرائيل التي تحظى بدعم غير محدود من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.

هذا التأثير سيكون سلبيًا وكبيرًا على منطقة الشرق الأوسط، وخاصة على العراق. فمن خلال رؤية استشرافية لمستقبل العراق، يبدو أن البلاد مقبلة على أحداث قد تكون خطيرة، خصوصًا بعد الانخراط المباشر في "وحدة الساحات" ضد الكيان الصهيوني، إلى جانب إيران واليمن وسوريا ولبنان.

هذه التطورات لها تداعيات إقليمية كبيرة وتؤثر على خارطة ومساحة الشرق الأوسط، وقد تصل إلى دول الخليج إذا لم يتم ضبط النفس. من المتوقع أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء بعد أحداث 7 أكتوبر في العام الماضي، وهذه الأحداث ستؤدي إلى تأثيرات كبيرة في المنطقة.

لا أعتقد أن هناك طرفًا يستطيع ضبط هذه المعادلة وإيقاع الردع والرد بين إسرائيل وإيران، وحتى بين فصائل المقاومة. بناءً على ذلك، نتوقع مزيدًا من التصعيد في منطقة الشرق الأوسط وتأثيرًا سلبيًا، وليس إيجابيًا، من قبل القوى الإقليمية والعالمية. يجب على الدول العربية وغير العربية ضبط النفس وعدم الانخراط في الحرب. أتوقع أن المرحلة القادمة ستكون تصعيدية وستطال أهدافًا في العراق واليمن ولبنان وسوريا.

المنطقة بين التصعيد والمصالح الأمريكية

قال علي البيدر، كاتب ومحلل سياسي لـ “شبكة النبأ المعلوماتية”: أتصور أن المنطقة مقبلة على استراتيجية الاحتمالات المفتوحة أو المطلقة؛ كل شيء وارد وممكن وقابل للتحقق. التصعيد سيد المشهد في ظل غياب الحلول والمواقف التي تدعو إلى الاستقرار. العدو ذاهب باتجاه التصعيد، ولم يكتفِ محور المقاومة بالصمت. هذا الأمر قد يقود العراق – وهذا ما يهمنا – إلى مواجهة مباشرة تنقصها التكافل، مما سيؤدي إلى حالة غير مستقرة في البلاد.

الموقف الحكومي حتى الآن أخلاقي تجاه الأحداث التي تعيشها لبنان وفلسطين، حيث يحاول أن يجعل الأمور تسير تحت ظل الدولة، وهذا الأمر صعب التحقيق ولكنه غير مستحيل. بعض الجماعات والفصائل المسلحة لا تريد أن تخرج عن طور الحكومة والدولة أو أن تحرجها، وهذه خطوة حسنة.

أتصور أن الأمر يتوقف على المساس بالمصالح الأمريكية. إذا جرى المساس بها، فإن الولايات المتحدة سيكون لها دور ورأي آخر، وستتدخل ضمن خيارين: السلبي من جانب العدو، والإيجابي الذي يمنع ارتكاب المجازر. حتى الآن، لم تتعرض المصالح الأمريكية لأي خطر أو ضرر، ولكن الولايات المتحدة قلقة في هذا الجانب، وتنظر إلى الأوضاع التي تعيشها المنطقة بنظرة مختلفة ومجملة.

تحولات إقليمية وتحالفات جديدة

ذكرت د. منال فنجان، دكتوراه في القانون الدولي العام لـ “شبكة النبأ المعلوماتية”: إن ما يحدث في المنطقة منذ أكثر من عام من أحداث ليس بالأمر السهل، ولا تزال تداعياته واضحة على المستوى العسكري، الأمني، والاقتصادي. توسعت المواجهات لتشمل أكثر من دولة، بدءًا من فلسطين، ثم لبنان، حيث يعتمد الكيان الصهيوني على استراتيجيات رئيسية في حربه، أهمها الاغتيالات النوعية، الصدمات المتلاحقة، والتحرك السريع. الاعتماد على هذه الاستراتيجيات يتيح للكيان ضرب خصومه بشكل مفرط، مما يتيح له إنهاء جميع الخصوم قبل الدخول في ساحة التسوية عندما يكون الطرف الآخر قد أصبح عاجزًا تمامًا. هذه الممارسات العسكرية والهجمات يمكن تصنيفها قانونيًا على أنها جرائم ضد الإنسانية، لأنها تعتمد على هجمات ممنهجة وواسعة النطاق ضد المدنيين والعسكريين على حد سواء.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر هذه الممارسات جرائم عدوان. وقد تجلّى هذا عندما استهدف الكيان الصهيوني هنية على الأراضي الإيرانية وحزب الله في لبنان، فضلًا عن ارتكابه لأعمال تندرج تحت جرائم الحرب، خاصة في حالات النزاع المسلح، حيث يتجاهل الكيان الصهيوني الاتفاقيات الدولية، لا سيما اتفاقية جنيف التي تنص على الابتعاد عن المناطق السكنية وعدم استهداف الأعيان المدنية. عدم احترام هذه القواعد يعتبر أيضًا جريمة حرب.

بناءً على هذه المعطيات، يمكن القول إن الكيان الصهيوني يرتكب ثلاث جرائم دولية كبرى: جرائم ضد الإنسانية، جرائم حرب، وجرائم العدوان. ومع تصاعد الأحداث في المنطقة وتأثيرها الأمني، العسكري، السياسي، والاقتصادي، بدأت الأطراف الإقليمية والدولية تشعر بالقلق. هذا القلق سيؤدي إلى تحالفات وتفاهمات جديدة في المنطقة. فهناك الآن تحالفات طويلة الأمد يمكن أن تتشكل بعد شعور الأطراف بأن المنطقة على شفا انهيار أمني واقتصادي، خاصةً وأن ما يحدث في هذه المنطقة قد يؤدي إلى فقدان السوق النفطية لما لا يقل عن 12 مليون برميل يوميًا في حال اندلاع حرب واسعة النطاق، مما يشكل خطرًا كبيرًا على الاقتصاد العالمي.

الكيان الصهيوني أثبت أنه طرف لا يمكن السيطرة عليه، وهذا ما أقرّت به الولايات المتحدة الأمريكية، التي صرحت أكثر من مرة أن بنيامين نتنياهو يتصرف بفردية دون تنسيق مسبق. هذا الاندفاع الإسرائيلي يشكل رسالة واضحة لكل من دول المنطقة والمجتمع الدولي، ويؤدي إلى تفاهمات جديدة. قد تتشكل خارطتان عالميتان، إما تحالفات يكون فيها الكيان الصهيوني طرفًا، أو تحالفات يكون فيها عدوًا.

كما نرى، هناك دول مثل العراق، سوريا، تركيا، إيران، روسيا، الصين، وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى بعض الدول الأخرى مثل جنوب أفريقيا، التي قد تتجه نحو تفاهمات جديدة. أما قطر فقد تكون مرشحة للتحالف مع الجانب الآخر. من جهة أخرى، هناك دول متحالفة مع الولايات المتحدة وإسرائيل مثل السعودية والإمارات، في حين تبقى دول أخرى، مثل البحرين، الكويت، وعمان، على الحياد وهو موقف سلبي.

في هذه المرحلة، سنشهد تحالفات واتفاقيات اقتصادية جديدة قد تكون أخطر من الدولار وتنافسه، مع نشاط اقتصادي يجمع روسيا، الصين، إيران، باكستان، تركيا وغيرها. هذه الخارطة الجديدة ستجعل هناك نوعًا من التوازن وقوى لا يمكن الاستهانة بها، رغم التحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة، وخاصة في الشرق الأوسط والعراق.

اقتصاد الطاقة وتأثيره على السياسة في الشرق الأوسط

قال الدكتور خالد العرداوي، مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية لـ “شبكة النبأ المعلوماتية”: لا يمكن فصل القوة الاقتصادية عن القوة السياسية، فحجم الموارد والثروات الطبيعية، لاسيما موارد الطاقة يؤثر تأثيرا كبيرا في قوة الدولة من جانب، وعلاقاتها الإقليمية والدولية من جانب آخر، بل انه يترك تأثيره الواضح في طبيعة التحديات والمخاطر التي تتعرض لها الدولة، فكلما زادت مواردها الطبيعية كلما زادت شهية جيرانها من الدول، فضلا على القوة الكبرى في التدخل بشؤونها، كون هذه الموارد تعظم من قوة هذه الدول، والسيطرة عليها يضمن المزيد من القوة والنفوذ، ولذا تجد ان احد اسباب الاهتمام بمنطقة الشرق الاوسط هو ما تملكه هذه المنطقة من ثروات ضخمة تتيح لمن يحكمها التحكم في الاقتصاد الدولي فيما يتعلق بالتجارة الدولية من جهة، وفي تزويد العالم بالوقود من جهة اخرى. ولذا تجد الصراع على أشده بين القوى الإقليمية والدولية للسيطرة على زمام الأمور بالشرق الاوسط، وفرض توازنات سياسية تخدم مصالح كل طرف على حساب غيرة.

ذات صلة

حتى لا نخسر القيادةمفهوم التناص بين الأصالة والحداثةنيتشة والتشاؤمية الثقافيةقراءة في موقف إدارة بايدن من الهجوم الإسرائيلي المحتمل على إيرانفخ الوعود بالمكاسب.. العرب بين المأساة والمهزلة