مجالس عاشوراء النسائية.. منافع اجتماعية وثقافية

ندى علي

2015-10-18 06:49

من النشاطات النسائية المعروفة في مثل هذه الأيام، مضاعفة المجالس الحسينية أكثر من المعتاد في الأيام والشهور الاخرى، في شهر المحرم واستعادة ذكرى عاشوراء بالذات، تكثر المجالس وتنشط النساء في حضورها أكثر، فهذه الايام لها خصوصية في قلوب المسلمات والمسلمين، حيث نعيش مشاهد السبي وحرق الخيام وتعريض الأطفال الرضع وغيرهم للعطش والموت بلا رحمة، فتتعاطف النسوة مع مصاب زينب البطلة في مثل هذه الأيام عندما أثقل كاهلها هذا المشهد الرهيب.

في المجالس الحسينية تجتمع النساء، قد لا يكون الحضور كله من منطقة او حي سكني واحد، فهناك نسوة يأتين من مركز المدينة او من احياء متباعدة، وأحيانا من مدن اخرى ومناطق اخرى خارج كربلاء المقدسة، عندما يأتين زائرات او ضيوف من مدن بعيدة، في هذه الحالة تكون هناك فوائد كثيرة تحصل عليها النساء الحاضرات للمجلس، منها وربما أولها، الفائدة الثقافية، عندما تستمع المرأة لموضوع تطرحه (القارئة)، وهو موضوع المجلس الأساسي، ودائما يكون عن سيرة أهل البيت (ع)، في الصبر والاخلاق والتعاطف.

ويستمع النسوة الى مواضيع سياسية، وايضا تربوية، وفيها فائدة عظيمة، فتستفيد الأم المربية في كيفية تربية اولادها وبناتها بصورة افضل، وهناك نماذج يتم طرحها من (القارئة/ الملاية)، وهي نماذج منزهة من الخلل، لأنها تنتمي الى آل محمد والأئمة (ع)، هنا تستفيد النسوة كثيرا، ويثمن بتطبيق ما يستمعن له في المجلس على حياتهن في البيت، وفي تربية افراد العائلة، هذه الفائدة التربوية الاجتماعية، تنتظرها الحاضرات على أحر من الجمر، هكذا تقول احدى الحاضرات للمجلس الحسيني.

هناك ايضا الفائدة الاجتماعية، وهي مهمة جدا، حيث يقوى النسيج الاجتماعي، وتزداد لحمة المجتمع تقاربا وحميمية، وتتضاعف حالات التعاون بي الناس، ونجد زيادة العلاقات تقاربا يصل في بعض الاحيان الى التزاوج العائلي، حيث تتم رؤية فتاة فالمجلس، فتتم خطوبتها الى ابن احدى النساء، وبالعكس ايضا، وهكذا تزداد العلاقات الاجتماعية ترابطا، ويقوى نسيج المجتمع.

في عاشوراء تتضاعف المجالس

هذه الفوائد التي نتلمس وجودها في المجالس الحسينية النسوية، كانت موضوع تحقيق، قامت به (شبكة النبأ المعلوماتية)، من اجل الاطلاع على ما تقدمه قارئات المجالس في مجال مساعدة المرأة، وتعظيم حضورها في المجتمع.

أم نور.. قارئة مجالس نسوية (ملاية 48 سنة)، مضى عليها في هذه الخدمة الحسينية، اكثر من عشرين سنة، سألناها هل تحيي المجالس في عاشوراء فقط؟. فقالت: في جميع ايام وشهور السنة أحضر وأحيي المجالس الحسينية، في مناسبات الحزن، وايام الخميس والجمعة، وفي ايام الفرح ايضا أقرأ المواليد في مجالس كثيرة تفضل العوائل اقامتها، ولكن في شهر عاشوراء تكثر المجالس، فأنا قد لا استطيع تلبيتها كلها، خاصة ان العائلات تبحث عن (ملاية) قديمة، حتى تعطي المجلس حقه.

وسألنا أبضا عن المواضيع التي تطرحها في مجالسها. فقالت: نحن نأخذ افكارنا وكلامنا من افكار وسيرة أهل البيت عليهم السلام، ونختار مواضيع مختلفة، منها تربوية واخلاقية ونفسية وثقافية، وعاطفية طبعا، نحن ايضا نركز على المصاب الذي اصاب سيد الشهداء عليه السلام وذويه، وزينب الحوراء وما تعرضت له من مآسي وهموم تلقتها وتعاملت معها بصبر لا مثيل له، والهدف طبعا بث روح الصبر لدى النساء، فالمرأة عنصر مهم في العائلة، قد تصيبها بالتشاؤم والعجز والكسل وقد يكون عكس ذلك.

من أين تحصلين على مواضيعك، هل من الكتب، والردّات والأهازيج من اين تأتين بها؟. اجابت القارئة ام نور: توجد كتب كثيرة تحمل افكار وسيرة اهل البيت، وهناك قصائد شعرية مكتوبة قديما واخرى جديدة، نجدها في كتب مطبوعة، تستلهم مواقف وافكار آل البيت، نستفيد منها في المجالس، لأن مواضيعها تحث على الصبر والصدق والتكافل، ومعاونة الفقير وغير ذلك الكثير.

(أم بهاء في الأربعين) ضيفة من بغداد، حضرت المجلس الحسيني مع قريبة لها، سألتها: هل تقيمون في بغداد مجالس مثل التي تقام هنا في كربلاء المقدسة؟. فقالت: لا يوجد مكان في هذا البلد لا يستذكر مصاب الامام الحسين وزينب الحوراء عليهما السلام، ولكن في كربلاء للمجلس ميزة لا نجدها في مجالسنا، انا مثلا اعيش ما يُتلى في المجلس وكأني ارى كل شيء تقوله (الملاية)، ولا اسمعه فقط، احس انني مع زينب الحوراء، اعيش محنتها، وارى بطولتها وصبرها بعيني، التأثير في مجالس كربلاء كبير جدا، أنا احضر في كل عاشوراء، حتى اعود محملة بالثوب والفهم واستلهام سيرة الحسين (ع)، حتى اطبقها في حياتي العائلية والتربوية والاجتماعية.

ماذا عن البكاء؟

تكثر النساء من البكاء في المجالس، قد يكون هذا البكاء اكثر من مجالس الرجال، بعضهم يقول هذا يعود لطبيعة المرأة، ولكن البكاء عاطفة نقية، تزيد الانسان ايمانا وثباتا على المبادئ، وتساعده وتحميه روحيا.

(أم رونق متزوجة حديثا 26 سنة)، قالت عن هذا الموضوع: طبعا يوجد بكاء في مجلس النساء، وقد يكون اكثر من الرجال، ولكن لماذا هذه المقارنة، الكل يبكي على مصاب الامام الحسين (ع)، والبكاء يجعل الانسان نقيا من الداخل، نحن نحتاج البكاء وهذا ما اكده علماء لهم تخصصهم في هذا الأمر، ولكن المجالس النسائية فيها ثقافة، وفيها افكار مهمة لتطوير النساء، وتحث على بناء المجتمع، وتطالب المرأة أن تكون امرأة بمعنى الكلمة، في السلوك والتفكير والتربية والدور الجيد مع الرجل.

واخيرا (أم شيماء، قارئة مجالس حسينية قديمة)، قالت: تطورت مواضيع المجالس الحسينية مع تطور الحياة، في السابق كان التركيز على البكاء يأخذ منا كل الوقت، لكن نحن تطورنا وبدأنا نتكلم في التربية والاخلاق والصبر والايمان، ونشرح ذلك بمساعدة مواقف اهل البيت (ع) وأخلاقهم وسيرتهم، وتعاملهم في الحياة حتى مع اعدائهم، نحن نخطط للمحاضرة، ونضع لها اولويات، اي يوجد مخطط لمضمون المجلس ولا نتكلم بطريقة فوضوية، مثل المعلم الذي يدخل للصف، ونحاول ان لا نكرر الموضوع الواحد في اكثر من مجلس، لأننا ننتقل من بيت الى آخر، والحضور قد يكون نفسه في معظم المجالس والبيوت، انا من ناحيتي أجلس في الليل وأحضّر وألخّص مواضيع المجالس قبل يوم، مثل المدرس الذي يحضّر محاضرته قبل دخول الصف، في مجالسنا البكاء، والثقافة، والاجتماع وحتى السياسة.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي