مصابيح الحزن في كربلاء تُضيء دياجير عاشوراء

حسين علي حسين

2015-10-17 08:51

مصابيح بلون الدم الأحمر، تُضاء هنا وهناك، يشعلها الناس في قلب المدينة المقدسة وخارجها، في الساحات والحدائق والبيوت، كي تعلن الحزن الأبدي على ابي عبد الله الحسين (ع)، وتجدد له الولاء والنصرة والتمسك بروح الاسلام المحمدي الحق، انه الحزن العميق والمشاعر الصادقة التي لا تهدأ، في قلوب اتباع أهل البيت عليهم السلام، الذين يستذكرون في مثل هذه الايام المصاب الجلل الذي يطول الدوحة المحمدية المطهّرة.

وها هي دورة السنة الهجرية تعود من جديد، لتعلن عن مجيء المحرّم، وها هي مصابيح الحزن العاشورائي تُضاء في البيوت والشوارع والمحال، وفي قلب المدينة المقدسة أيضا، إنها كربلاء الحزن والفداء، تُضاء فيها مجددا مصابيح الحزن والصبر الجميل، ومع انتشار معالم هذا الحزن في شوارع المدينة وساحاتها وفي مركزها ايضا، تبدأ تتدفق أمواج الزوار من مدن العراق ومناطقه كافة، فبعد ايام قليلة تغص كربلاء المقدسة بملايين الزوار الكرام.

كل منهم يقطع مئات الكيلومترات مشيا على الاقدام، او قادما من خارج العراق الى مرقد سيد الشهداء، حيث الدم الطاهر، والثورة المباركة، وتربة المجد المعفرة بدم سيد الشهداء عليه السلام، هذه الملايين تحتاج الى اعلان الحزن واظهاره على الرغم من ان الحزن الباطن قد يكون اقوى واعمق واكثر تأثيرا على الناس المؤمنين.

الجانب التربوي للاطفال

هذه الجموع القادمة من كل حدب وصوب، ستجد دائما من يستقبلها بالترحاب والتهليل، مع تقديم كل ما يحتاجه الزائر من خدمات، مأكل ومشرب ومنام وراحة تامة، بالاضافة الى انتشار المفارز الطبية التي تقدم الادوية التي يحتاجها الزوار، مع الاسعافات الاولية والعلاجات السريعة، اما اذا كان الامر اقوى واكثر خطرا هناك سيارات الاسعاف تنقل الزائر الكريم على وجه السرعة الى المستشفيات المعنية.

(شبكة النبأ المعلوماتية)، تجولت على بعض المواكب نهارا وليلا، وأت المصابيح الحمر التي تضاء ليلا في واجهات المواكب الحسينية، مشينا مع الزوار القادمين الى كربلاء المقدسة، وتحدثنا معهم، حتى الاطفال كان لهم دورا بارزا في تقديم الخدمات للزوار، وهذا الامر يفيد الاطفال من الناحية التربوية ايضا، فهو يشب وتشب معه قيم التعاون والمحبة والتكافل، فعندما يكبر سيكون اكثر استعداد لخدمة الآخرين.

السيد طالب الجابري، (50 سنة) من أهالي الكوفة حي المتنبي، رأيناه جالسا في احد المواكب التي تستقبل الزوار الكرام، سألناه عن سبب هذه الزيارة المبكرة، فنحن في اوائل عشرة عاشوراء؟، فقال: أنا معتاد على زيارة جدي الحسين (ع) دائما، ولكن في عاشوراء، احاول ان اقضي اطول مدة ممكنة في هذه المدينة المقدسة، لأنني اجد راحة نفسية وروحية كبيرة، انا انسى جميع امراضي هنا، لا افكر بالضغط والسكر والمشاكل التي تعم حياتنا اليومية البسيطة.

واخذ السيد الجابري يشرب الشاي (جاي ابو علي)، وهو يشكر القائمين على الموكب ويدعو لهم بالأجر الكبير دنيا وآخرة، وعندما همّ بالوقوف والخروج من الموكب متوجها الى مركز المدينة، تمسك به (ابو علي/ رجل في الاربعين، يرتدي السواد، مع حزام عريض بشد به ظهره)، وطلب منه ان يتناول غداءه هنا، لكنه قال: ما شاء الله المواكب كثيرة منتشرة على طول الطريق، وزاد ابو علي فيه البركة والصحة والعافية.

في موكب آخر هناك اطفال يقومون بوزيع الماء والشاي (والكعك) على الزائرين، اقتربنا منهم وسألنا احد الاطفال: ما أسمك؟ اجاب (حمودي/ عمره تسع سنوات)، انت في المدرسة ؟ نعم نجحت للصف الرابع؟. وعندما سألناه هذا السؤال: لماذا تخدم الزائرين؟. قال حمودي: أبي يقول ان الله تعالى يبارك بالعمل الصالح، وانا اذا قدمت ماء او شاي الى الزائر فهذا عمل خير، ويقول اي عندما تكبر تبقى ولدا صالحا.

دعاء لرجال الحشد الشعبي

الحاجّة أم رزاق (55 سنة كما اخبرتنا)، تقول انها قادمة من الناصرية للزيارة، مع نساء كثيرات (حملة)، طلبا للمراد والصحة والعافية والرزق، تقول أم رزاق، المواكب رحمة للزوار، فيها الطعام والماء والشاي، وكل ما يريده الزائر، نحن ندعو لهؤلاء الناس من خدمة الامام الحسين (ع)، بطول العمر وخير الجزاء، واضافت أم رزاق: حتى الدواء نحصل عليه بسهولة، هذه الخدمات قد نجدها في مناطقنا!.

رجل عجوز كبير في السن محنيّ الظهر، يجلس على فراش نظيف في الموكب، يشرب الماء، ويتحدث مع نفسه، سألناه عمّا يدور في ذهنه، فقال: قلبي مع ولدي أمس ذهب الى القتال، هو في الحشد الشعبي، ذهب الى الانبار، وانا أطلب من الله حمايته وحفظه بشفاعة الامام الحسين (ع)، جئت ازوره لأنال هذا المراد.

ابو ذو الفقار، مسؤول موكب حي النصر، سألناه عن الخدمات التي يقدمونها للزوار، فقال، نحن نخدم زوار ابي عبد الله بأرواحنا وعيوننا، ونفضلهم على أنفسنا، نقدم لهم الزاد والماء، ليس في هذا الموكب فقط، حتى بيوتنا مفتوحة لهم جميعا، وقلوبنا ايضا، أهم شيء نرى الزائر راضيا عنّأ.

جولتنا هذه كانت نهارية، تحت وقد الشمس، لكن مع الغروب وهبوط الظلام، بدأت من جديد تضاء مصابيح حمراء، معلنة عن ثاني يوم من ايام عاشوراء، ومعها يتضاعف الحزن على سيد الشهداء، إنها كربلاء التضحية والفداء، كربلاء الكرامة والمجد التي تأخذ مجدها من سيد شباب اهل الجنة، الامام الحسين عليه السلام.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي