لماذا لا تحقق التظاهرات في العراق التغيير الحقيقي؟

وصال الاسدي

2018-07-25 09:27

من المعروف أن تظاهرات البصرة لم تكن شيئا جديدا في هذا العام هي استمرارية تظاهرات عدة قام بها أبناء هذه المدينة للمطالبة في حقوقهم لحياة كريمة. ففي حزيران ٢٠١٠ ابان حكم المالكي كانت تظاهرات بسبب ازمة الكهرباء المستمرة منذ خمسة عشر عاما في العراق. المالكي أقال وزير الكهرباء وطلب مهله ١٠٠ يوم لحل المشاكل التي لم تحل لغايه اليوم. وها هي حكومة العبادي رغم مرور ٤ سنوات وتلفظ شرعيتها انفاسها الاخيرة تطلب مهلة ووقت لاجراء الاصلاحات الخدمية التي انتفض الشعب من اجلها.

شريان العراق الاقتصادي تعيش احتجاجات عارمة منذ اسابيع سقط على اثرها جرحى وشهداء نتيجة مصادمات بين المتظاهرين وقوى الامن.

الحكومة وفي حلول ترقيعية حاولت جاهدة اخراج كل ما في جعبتها من محاولات لحل هذه الازمة في الوقت الاضافي من لعبة استمرت لاربعة اشواط لم يتحقق فيها اي مطلب من مطالب المحتجين على نقص الخدمات وتردي الواقع المعيشي لمدينة هي اغنى مدن البلد بالثروة النفطية. ورغم كل التنسيق والاصرار في كل مرة فانه لم يحقق الربيع العراقي ثمارا يانعة.

المختصون اجابوا (شبكة النبأ المعلوماتية) على اسباب عدم تحقيق التظاهرات في العراق للتغيير الحقيقي؟ رغم ان المطالب حقيقية ومشروعة.

غياب الانسجام

الدكتور احمد الميالي استاذ في العلوم السياسية في جامعة بغداد عزى ذلك الى غياب الانسجام في المطالب، مبينا "ان هنالك من يصادر ثمرة الاحتجاجات او يستغلها. كما ان غايات الاحتجاجات مطلبية حول الخدمات او قضايا فئوية لا تنشد الاصلاح الحقيقي والجذري لبُنية الحقل السياسي والاداري والقانوني الذي يتطلب الغاء المحاصصة وانجاز ثورة تشريعية والغاء الاف القوانين والتشريعات من النظام السابق وانهاء البيروقراطية والروتين وصعود الكفاءات المستقلة ".

ويرى الميالي "انها مطالب مناطقية وسلوك احتجاجي غير متجانس وموقف السلطة والاحزاب حاليا منه لا يعدو كونه في واقع الأمر سوى إرجاء لانفجار أزمات أكبر".

غياب القيادة ووجود المصدات

أن ما يحول بين المظاهرات وبين تحقيق أهدافها امور عدة تتلخص في غياب القيادة ووجود الرادع. وانعدام ثقافة التظاهر وانتشار ثقافات الضعف والاستسلام للواقع.. يشرح الدكتور خالد العرداوي تلك مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة كربلاء تلك الاسباب وغيرها بعدة نقاط..

١- افتقار المتظاهرين إلى وجود قيادة ملهمة يقفون خلفها وتستطيع توحيد صفوفهم.

٢- عدم تمتع العراقيين بميزة سيادة القانون، مما جعل الجميع يستسهل خرق القانون سواء كانت مؤسسات دولة ام مواطنين، وهذا ساعد على تمييع حقوق المتظاهرين وعدم احترامها من جهة، ومن جهة أخرى تم استغلال الوضع من أطراف عدة لانتهاك حقوقهم وخرق القانون باسم تطبيق القانون.

٣- غياب الالتزام الأخلاقي بدولة المواطنة وآليات الديمقراطية لدى النخبة السياسية وهذا نلمس تجلياته في عدم الاقرار بالفشل وتحمل المسؤولية من اي سياسي تربع على سدة السلطة في العراق.

٤- وجود مصدات كابحة لزيادة الزخم الثوري والاحتجاجي لدى المتظاهرين تتمثل في المؤسسات الدينية والزعامات العشائرية والأحزاب السياسية والثقافة السائدة فكل طرف مما ذكر اعلاه لديه مصلحة في عدم قلب الطاولة بالكامل على الفاسدين. هو يسمح بالتعبير عن الاحتجاج ولكن إلى درجة محددة وخط احمر ثابت اما عند تجاوز ذلك فالجميع يتوحد ضد المواطن المسكين المطالب بحقوقه . باستثناء الثقافة التي يكون تأثيرها من نوع خاص يتمثل في كون الثقافة السائدة هي ثقافة خنوع وجمود او ما تسمى بثقافة العبيد وليست ثقافة احرار تحفز المجتمع على رفض الظلم وانتهاك الحقوق.

٥- التدخل الخارجي كان ولا زال عامل مؤثر في إفشال الحراك الثوري في العراق بقصد إبقاء العراقيين بعيدين عن التطور وأخذ مكانهم المرموق تحت الشمس.

العرداوي استطرد قائلا"من كل ما تقدم يمكن اكتشاف أسباب عجز المظاهرات عن تحقيق اهدافها، وبحث العراقيين عن معجزة لتغيير الأوضاع تأتي بنبوءة إلهية او إرادة خارجية او انقلاب عسكري داخلي".

السبب ان قادة التظاهرات لا يستعينون بمستشارين قانونيين كي يتخذوا الطرق السليمة بالمطالبة وهي محاسبة الحكومة قضائيا عن اي تقصير فضلا عن ان بعض المطالب لا تؤخذ عن طريق التظاهر بل عن طريق الاستفتاءات والتصويت وهذا عدم ادراك من قبل قادة التظاهرات ، ومن ثم كثرة المطالب تضيع على المتظاهرين حقوقهم المفروض يخرجوا من اجل مطلب واحد ان نفذته الحكومة اننهى التظاهر وان لم ينفذ يصار الى الاعتصام ومن ثم العصيان المدني ، واجد ايضا ان هناك انغلاق لبعض قادة التظاهرات على انفسهم عكس التظاهرات في العالم التي تحاول ان تكسب اكبر عدد من الشرائح واظن ان مصالح شخصية او روح الانا تتملكهم.

المصالح الشخصية

الاعلامي والمراقب للشأن السياسي ماجد الخياط حمل قادة التظاهرات مسؤولية في ذلك. بسبب عدم استعانتهم بمستشارين قانونيين كي يتخذوا الطرق السليمة بالمطالبة وهي محاسبة الحكومة قضائيا عن اي تقصير. فضلا عن ان بعض المطالب لا تؤخذ عن طريق التظاهر بل عن طريق الاستفتاءات والتصويت وهذا عدم ادراك من قبل قادة التظاهرات، مبينا اهمية ايجاز المطالب تلافيا للتشتت الذي يحصل في تحقيقها .اذ انه يرى" كثرة المطالب تضيع على المتظاهرين حقوقهم المفروض يخرجوا من اجل مطلب واحد" راسما خطا تصاعديا للقرارات المحتملة من قبل الحكومة

اولا:ان نفذته تنتهي التظاهرة

ثانيا: وان لم ينفذ يصار الى الاعتصام

ثالثا:استمرار رفض من قبل الجهات المعنية العصيان المدني .

الخياط من خلال رصدته ومتابعته وجد ان هناك انغلاق لبعض قادة التظاهرات على انفسهم عكس التظاهرات في العالم التي تحاول ان تكسب اكبر عدد من الشرائح واظن ان مصالح شخصية او روح الانا تتملكهم.

الجماعات المؤدلجة

علي الطالقاني كاتب صحفي واكب تطورات الاحداث في العراق مراقبا للتغيرات التي تجري على الساحة السياسية والجماهيرية من عين المراقب اجاب قائلا:

"ان مشكلة العراق اليوم في عدم احداث تغيير حقيقي من خلال الانقلابات الشعبوية على السلطة هوعدم وجود ديمومة للتظاهرات وتعدد القيادات واختلاف درجة الوعي .اضافة الى عدم وجود اهداف محددة يمكن الاصرار والاستمرار من لحين تحققها وانعدام التكتيك المرسوم والمخطط له".

مضيفا "ان عامل الخوف من حروب داخلية ساعد في اضعاف بنية التظاهرات لان المتظاهرين يقابلهم جماعات مؤدلجة. يقابلها عدم الاكتراث من قبل السياسيين للمتطلبات، وذلك لعيشهم بعيدا عن الناس وهمومهم".

الطالقاني اوضح ان "عدم وجود برامج حكومية جادة تستهدف قطاع الخدمات التي تهم المواطن وان وجدت لا تطبق لاسباب عديدة اهمها السياسات الخاطئة والمحاصصة والفساد الذي ينخر في جسد الدولة. مشيرا الى نقطة تكاد تكون الاهم في اسباب فشل السياسات المتبعة في ادارة الدولة العراقية الفتية الا وهي عدم الاهتمام بالنخب والكفاءات وعدم وصولها دكة الحكم لتمارس دورها القيادي بالاختصاصات المناسبة في المواقع المناسبة.

تخدير بالوعود

الصحفي والاكاديمي من جامعة بغداد الدكتور علي شمخي يعتقد بان "عفوية التظاهرات التي يشهدها وسط وجنوب العراق يعطيها مصدقية وزخم اقوى من سابقاتها. ثم ان غياب التنسيق بين ممثلي هذه التظاهرات يحتم إيجاد نخبة شعبية لا سياسية من أجل الاقتراب أكثر من المطالب المشروعة التي ينادي بها المتظاهرين".

واكد ان " افضل تمثيل لهذه التظاهرات ينبغي أن يتكون من الاتحادات والنقابات وبعض زعماء العشائر مدعومين بخطاب المرجعية الدينية وغير ذلك ستبقى هذه التظاهرات تحت رحمة قمع القوات الأمنية وتحت رحمة الوعود والتسويف".

وكنتيجة لذلك يتوقع شمخي سقوط المزيد من الضحايا وهدر المزيد من الجهود وتعميق التباعد والتقاطع بين السلطة والشارع .. ومن الجانب الآخر يرى ان بات شيئآ ضروريا وملحا الإسراع بحسم تشكيل الحكومة من أجل ان تتضح بشكل جلي الأطراف المعنية بتحقيق مطالب المتظاهرين".

التفكك السياسي

هناك مصطلح نفسي هو التفكك الأسري .. تسقط معه كل القيم والمبادئ الأسرية من احترام وما إلى ذلك على الرغم من الرابط الاجتماعي الذي يربطهم داخل مؤسسة الأسرة ..شهد هذا المصطلح انزياحا مفاهيميا نحو المشهد السياسي..

هكذا شخص المرض المستشري في جسد الاسرة السياسة والجماهيرية العراقية الدكتور عمار الياسري المختص في تكنولوجيا الاعلام من جامعة بغداد قائلا:- أن الاعم الأغلب من الشعب العراقي يعيش التفكك السياسي إن صحت التسمية .. ولو فككنا النسيج الاجتماعي للمتظاهرين نجد أن غالبيتهم ذوي حمولات أيدلوجية توضحت من خلال المشاركة الانتخابية أو تظاهرات الأحزاب .. فهم من جهة يصفقون للكتل التي أنتجت النواب ومن جهة أخرى يتظاهرون عليها وهم يعيشون داخل بيت واحد ..

وقدم الياسري قراءة للوضع السياسي والاحتجاجي نافيا من خلالها استمرار الانتفاضة وتحقق الأهداف المرجوة منها .. موضحا انها فورة متعلقة بسوء خدمات تنتهي مع تحسنها أو اليأس من ذلك .. المفروض أن تكون تظاهرة ضد الآليات والمناهج التي تعمل بها الاحزاب .. ضد الدستور بكل هناته .. ضد النظام الانتخابي مستبعدا وجود اجندات سياسية خارجية تتدخل في ادارة الاحتجاجات لأنها كسابقاتها زوبعة في فنجان.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي