استطلاع رأي: الكهرباء لغز يشترك بصنعه المواطن والمسؤول
مصطفى عبد زيد
2017-08-24 04:20
في قاعة قديمة لإحدى الدوائر الرسمية يتكدس مجموعة من المراجعين، جميعهم من الأعمار الكبيرة، هجمت عليهم موجة الحر، بعضهم كان يردد، هل نحن مساجين، هذه عقوبة جماعية لنا، لماذا لا توجد كهرباء حتى في دوائر الحكومة، في البيت لا توجد كهرباء، في الدائرة أيضا، الكل يشكو من قلة التيار الكهربائي، في ظل موجة حر لا تريد أن تنتهي، كل ظن الناس أن قلة الكهرباء تعود الى ارتفاع درجات الحرارة، ولكن ليس هذا السبب الفعلي، هنالك أسباب معروفة وأخرى مجهولة، حتى قيل أن مشكلة الكهرباء لغز عصيّ على الحل، مديريات الكهرباء تلقي اللوم على المواطن، فهو لا يدفع قوائم الكهرباء، ويتجاوز على شبكة التيار الكهربائي، وهناك آلاف العائلات والبيوت تتزود بالكهرباء بطريقة عشوائية، ليس الخلل في دوائر الكهرباء الرسمية فقط، فالمواطن شريك أساس فيما يحدث!.
المواطن من جهته يلقي اللوم على دوائر الكهرباء، وكثيرون يتحدثون بصوت عال عن هدر مليارات الدولارات في صفقات وهمية وأخرى لجلب عدد كهربائية رديئة، بعضهم نادى بإلغاء وزارة الكهرباء ودوائرها، آخرون قالوا إن الحل يكمن في خصخصة قطاع الكهرباء، بعض التجارب الخاصة لترشيد الكهرباء تم تطبيقها في بعض مناطق الكرادة في بغداد ويُقال أنها نجحت في تزويد المواطنين بكهرباء مستمرة 24 ساعة ومستقرة شرط أن يراعي المواطن عدم التبذير بالطاقة، آخرون يقولون إن الخصخصة حل للحكومة وطريقة لتهرب الوزارة المعنية من واجباتها تجاه الشعب وخاصة ذوي الدخل المحدود أو الكسبة والعاطلين، ولا يزال النقاش محتدما حول الطريقة التي يمكن أن تقود العراقيين الى حل لمشكلة الكهرباء التي بقيت قائمة منذ 14 سنة ولا تزال مستمرة، والمشكلة أنها دخلت في المضاربات التجارية فيما بدأ بعض الشركات تتربص بالمواطن لتنقض عليه وتتحين الفرصة لتحقيق ما تريد من مكاسب وأرباح، كذلك للسياسة حصتها في تكبير هذه المشكلة وجعلها مزمنة أو قابلة للحل.
اختناق في قاعة الطوارئ
طرحنا بعض التساؤلات على الأطراف المختلفة، المواطن وموظف الكهرباء، وصاحب الشركة، وغيرهم، جاءت الآراء متضاربة، وأحيانا تلتقي مع بعضها.
في إحدى المستشفيات في ردهة الطوارئ التي كانت تكتظ بأجساد المرضى، انطفأت الكهرباء فجأة، تشغيل المولدة يحتاج الى وقت، موجة الحر صارخة، أنفاس الناس تلتهب، بعضهم خرج من القاعة مفضلا السموم أو الريح الحارة على حالة الاختناق داخل قاعة الطوارئ، هذه الصورة لم تستطع عدة حكومات توالت على حكم العراقيين أن تقضي عليها أو تجد لها العلاج الشافي الوافي، يقول أحد المرضى الحاج عبد الأمير، هذه الحالة ليست جديدة، نحن نعاني منها في بيوتنا، ولكن انقطاع الكهرباء في مستشفى حكومي أمر غريب، يضيف أنه سافر الى إيران شهرا كاملا، لم تنقطع الكهرباء لحظة واحدة، وسافر الى دول الجوار التي يميزها استقرار الكهرباء، هنا في العراق الأمر مختلف، هناك من يتعمد تخريب هذا القطاع حتى تبقى أرباحه مستمرة، أما من الجهة التي تقف وراء ذلك فلا أحد يعلم، الجميع يتحدث عن الفساد والقائمين به، ولا أحد يبادر بكشفهم ومقاضاتهم، او بمعالجة هذا الوضع كي تصبح لدينا كهرباء مستقرة.
في وسط الحي تتجول سيارة الكهرباء ذات السلّم الآلي الكبير، توقفت عند أحد الأعمدة حيث توجد محولة كهربائية معطوبة، سألنا العامل عن سبب الأعطال المتكررة للمولدات، فلم يتجاوب معنا عندما شعر أننا نعود الى جهة إعلامية، ثم قال بشكل شخصي، الناس لا تتعامل بإنصاف مع الكهرباء، الجميع يريد ولا يعطي، والكل لا يعترف بشيء اسمه الترشيد في الاستهلاك، كل بيت فيه أكثر من ثلاث أجهزة تبريد (سبلت)، فيصبح الحمل كبيرا على المحولة، طبعا قلما تجد مواطن ملتزم بالاستهلاك الصحيح، وعندما يحدث عطل في إحدى المحولات الكل يتذمر ويشكو من وحدة الصيانة لكن لم نشاهد مواطن واحد انتقد نفسه على الإسراف في الكهرباء، وعندما أخبرناه أن نوع المحولات المستورَد ليس مناسبا أو أنه سريع العطل، قال حتى لو جلبنا مولدات من أمريكا سوف لا تتحمل هذا الاستهلاك غير المنظّم للطاقة، المشكلة في البشر أولا، وعندما سألناه عن الفساد، صمت ولم يتكلم معنا ثانية، ثم قال هذه أمور ليست من اختصاصي.
كثرة الإضاءة تضاعف الرزق!
صاحب مطعم يضع في واجهة مطعمه عشرات المصابيح ويستهلك طاقة كبيرة جدا، عندما سألناه عن سبب هذا الاستهلاك الكبير، قال إذا لم استخدم الكهرباء بهذه الطريقة لا أستطيع أكسب دينارا واحدا، وحين قلنا له هل تبيع الطعام أم الكهرباء، قال الزبائن يأتون على الإنارة ليلا، وعلى التبريد نهارا، ويضيف صاحب المطعم ثم أننا ندفع أجورا تجارية، أي أن القائمة التي ندفعها تفوق قوائم البيوت بأضعاف، فقلنا له المشكلة ليس بدفع الأجور، وإنما بترشيد الاستهلاك حتى تصل الكهرباء الى الجميع، فقال إذا قللت من الكهرباء يتوقف رزقي!.
وسائل الإعلام تتحدث عن مبالغ كبيرة بلغت مليارات تم رصدها للكهرباء لكنها بقيت كما هي غير قادرة على توفير أكثر من نصف الحاجة من الطاقة المطلوبة، وقد تم تسييس الكهرباء كثيرا، ودخلت في صراع الأحزاب أو الشخصيات الناشطة سياسيا، وأخيرا توجهنا الى أحد خبراء الطاقة وهو مهندس قديم ذو خبرة متميزة، بحثنا معه عن السبب والعلاج، فقال:
يشترك في مشكلة الكهرباء طرفان، هما دوائر الكهرباء الرسمية والمواطن، كلاهما لديه تقصير، هما يتقاسمان المشكلة من حيث الأسباب، وحتى الحلول لا يمكن أن تتحقق من طرف واحد، فإذا لم يبادر المواطن الى تعليم وتعويد نفسه على استخدام الكهرباء بحكمة وترشيد عالي المستوى، فإن اكبر شركات العالم لا يمكنها أن تكفي العراقيين بهذه الطريقة الاستهلاكية العجيبة، كذلك إذا لم يتم إصلاح الجهاز الإداري للمؤسسة الخدمية لقطاع الكهرباء، فإن المشكلة تبقى على حالها وربما تسوء أكثر، إذا لا يمكن حل لغز الكهرباء إذا لا يوجد تعاون منظّم وعملي بين المواطن في الاستهلاك، وتنظيم إدارة هذا القطاع بصورة محكمة وفعالة من حيث الإنتاج والصيانة وحماية ممتلكات الدولة.