المثقف العربي وتغريدات تويتر الطائفية
مهند حبيب السماوي
2016-02-29 05:48
قبل عدة ايام نشر معهد كارنيغي، دراسة بقلم الباحثة اليكساندرا سيجل، تتحدث عن اعداد التغرديات الطائفية "الكبيرة" التي اعقبت اعدام رجل الدين السعودي نمر النمر، وقد لفت الانتباه للبحث، او لنتيجته على نحو الدقة، استاذ العلوم السياسية في جامعة الامارات الدكتور عبد الخالق احمد في تغريدة له، اشار فيها الى ارقام البوستات الطائفية، واعقبها بالقول: الرجاء الابتعاد عن تغريدات الكراهية والشحن الطائفي باي شكل من الاشكال.
كان واضحا جدا ان الدكتور عبد الخالق يسعى من ذكره لهذا الرقم، قبل ان نقرأ تعليقه بعده، الى التنبيه الى حجم خطر هذا السعار الطائفي الذي يجتاح امتنا على ارضنا الواقعية ممثلة بالحروب التي تشتعل فيها على الارض من جهة وعلى المعارك التي تحدث في فضائنا وعالمنا الرقمي الذي تجد فيه آلاف التغريدات والمنشورات الطائفية من جهة ثانية.
ولذا جاء تعليق الاستاذ عبد الخالق على رقم التغريدات متسقا مع غاية مانشره وهو النصيحة بان نترك، ما سمّاه بـ" تغريدات الكراهية والشحن الطائفي باي شكل من الاشكال"، وارجو التركيز الى عبارة بـ"اي شكل من الاشكال" لان الدكتور، لكل اسف، لم يلتزم بها بعد تسعة ايام من نشر هذه التغريدة.
يُدرك الجميع ان المنطقة العربية بل الكثير من مناطق العالم تعيش في اتون بيئة تشتعل طائفيا بل وترى بوضوح تمظهرات هذه الطائفية من خلال التفجيرات والاعمال الارهابية التي تجسد بجلاء سلوكيات الارهابيين ومن يحرقون الان العالم بأعمالهم الطائفية والدينية التحريفية التي ترتكبها ايديهم الآثمة.
وفي العراق الجريح الذي يعيش الان اخطر مرحلة من مراحل حياته السياسية والمجتمعية، حيث يواجه ازمات الارهاب والتحديات الاقتصادية، تجد ان داعش تقوم كل يوم بعدة عمليات ارهابية تسعى بمجملها الى اسقاط الحكومة وتأجيج الطائفية وحرق الاخضر واليابس في العراق، كما تحدث ايضا ردود افعال، غير منضبطة، ولا قانونية من قبل جماعات ميليشياوية ارهابية كما حدث اخيرا في ديالى، حينما قامت بعض الميليشيات بحرق بعض جوامع السنة.
وبالطبع اخذت الحادثة حيزا في الاعلام العربي وتعليقات الباحثين والمواطنين العاديين على حد سواء، فوجدنا قناة الجزيرة القطرية، التي لديها مواقف عدائية وغير موضوعية تجاه التجربة السياسية في العراق منذ 2003، تُعد تقريرا حول تفجيرات ديالى، وتنشر خبرها مع الفيديو في تويتر بعنوان "عمليات تهجير وقتل طائفي في ديالى غير مسبوقة منذ الغزو الامريكي... والمليشيات الشيعية تفرض تعتيما على ممارساتها)، ثم قام الدكتور عبد الخالق، وعلى نحو مخالف لما ينصح به ويقوله، بإعادة نشر تغريدة قناة الجزيرة، وكتب عليها:(القوات العراقية والمليشيات المدعومة من ايران ترتكب جرائم تطهير عرقي ومذهبي غير مسبوق في ديالي).
لست هنا في معرض الرد على التضليل الذي تكتنفه هذه العبارة، وكيف قام الدكتور، على نحو مؤسف وخاطئ جدا، بالمساواة بين القوات العراقية الرسمية مع الافراد غير المنضبطين الذين نفذوا جرائم ديالى من جهة، واتهام القوات الحكومية العراقية الرسمية بصورة مباشرة بارتكاب جرائم تطهير طائفي من جهة اخرى... وكلا الافترائين لا نصيب لهما من الصحة... فلا يمكن ان نساوي بين القوات الرسمية وسلوك بعض الجماعات... ولا حتى نتهم الحكومة بانها تمارس رسميا جرائم بحق اي فئة من فئات المجتمع العراقي.
الدكتور عبد الخالق يختصر كل الجيش العراقي وقواته المسلحة بسلوك مشين مدان من قبل جماعات ضالة استنكرت فعلها وماقامت به الحكومة العراقية وكل الاطياف السياسية بل ووصفتها المرجعية الدينية بانها سلوك ارهابي، وبرغم ذلك تغاضى الدكتور عن هذه الحقائق ليعمم الوصف الطائفي على كل الجيش والقوات العراقية.
ومع كل هذا...فانا لست بصدد تبيان اخطاء ما تضمنته تغريدته ولا توضيح حجم الافتراء الذي تضمنته او الاباطيل التي اكتنفتها، بل ما اسعى اليه في هذا المقال هو الكشف عن الدور السلبي لبعض المثقفين والاكاديميين العرب والمسلمين من جهة قيامهم بالتحريض على الطائفية واشعال اوار العصبية المذهبية بين المسلمين والعرب مع ان دورهم المفترض هو الرقي بمستوى وعي العربي الى درجة الانسانية والمواطنة الحقة.
انني احاول التنبيه هنا على ما احتوته عبارة الدكتور من كمية "صادمة" من ذلك الداء الوبيل الذي يضرب مجتمعنا العربي والاسلامي، وما يمكن ان يتولد عنها من تحريض وما تثيره من تطرف طائفي وحقد وكراهية ضد القوات العراقية ومن خلفها بالطبع الشيعة الذين تعتقد الدول العربية، على نحو الخطأ، انهم يحكمون العراق لوحدهم!... وقد انتقد الدكتور عبد الخالق، قبل عدة ايام كما أشرت، وبلسانه وبخطه الالكتروني في تويتر خطاب التحريض والكراهية وزاد عليها" باي شكل من الاشكال" على حد تعبيره الدقيق بالطبع، لكنه يأتي ويمارس هذا التحريض والخطاب الطائفي الواضح، بشكل من الاشكال، ويصف القوات العراقية بصورة تعميمية مجحفة وظالمة لأبعد الحدود، وصفا يؤدي، بعدها بلاريب، الى خلق حالة من الطائفية والتطرف والتشنج المذهبي.
فهل يوجد تحريض وخطاب كراهية مثل هذا الذي قاله الدكتور بشكل من الاشكال؟
تعالوا معي لتغريدته واقرأوا التعليقات والحوار الذي انبثق عنها، لكي تعرفوا من اين تأتي الطائفية في العالم العربي والاسلامي، وكيف يمارس بعض المثقفين دورا سلبيا بامتياز في نزع فتيل العنف الطائفي الرمزي الذي يستشري بالوطن العربي.
اطلعوا بهدوء كيف تفاعل المتابعون لحساب الدكتور وغيرهم حول الموضوع لتعرفوا الجواب عن السؤال الباحث عن العوامل التي تساعد على اثارة الطائفية في العالم العربي والاسلامي.
اقرأوا كيف بدأ النقاش بين متابعي الدكتور لتكتشفوا كيف يؤدي التحريض الطائفي الى شحن الاجواء وحرق بيئة السلم الاهلي الافتراضي في هذا الفضاء الرقمي.
مشكلة بعض المثقفين في عالمنا العربي والاسلامي وفي زمن الفضاءات الرقمية، ان كلمتهم ومايكتبوه، كاي كتابة اخرى، تصل لآلاف الناس ويمكن ان يتأثر بها عشرات الشباب، ولذا ليس من الغريب ان تجد التعليقات التي رافقت تغريدة الدكتور مؤيدة ومرحبة، بل وبعضها يضع عليها الكثير من التوابل والشتائم الطائفية تحت مرأى ومسمع الدكتور من غير استنكار منه او حذف او تعقيب بل قام بعمل اعادة تغريدة لإحدى التعليقات الطائفية المحرضة!.
وفي تصوري المبني على قراءات متواضعة لما يجري في عوالم السوشل ميديا، انه مالم تتم مراجعة المناطق الرخوة في التراث الاسلامي ولجم رجال الدين المتطرفين من السنة والشيعة على مايقولوه ومايصدروه من فتاوي ومحاسبة المثقفين ممن يغردون على تويتر او ينشرون على الفيسبوك مايؤدي الى اشعال طائفية بين المتحاورين، فانه لن يتم اطفاء واخماد حرائق الشرق الاوسط وكبح جماح هذا السعار الطائفي الذي يستشري في كل مرافق حياتنا وعلى شتى المستويات.
تبقى ملاحظة مهمة لا ارغب ان انهي المقال من غير المرور عليها وهي ان المثقف الذي يكتب تغريدة فيها نوعا من الطائفية، فان هذا قد لايعني انه طائفي او انه يرغب في اثارة الطائفية بل ربما تكون رد فعل آنية على مشاعر معينة مر بها او موقف معين او ربما انه استعجل النشر او اخطأ في الصياغة ولم يكن دقيقا في التعبير لكن كبريائه يمنعه من حذف عبارته او التراجع عنها، واتمنى، بل اتوقع، ان يكون الدكتور وامثاله من هؤلاء الناس، والا اذا كان المثقف العربي يثير الطائفية في بلادنا العربية والاسلامية فان يخون ضميره ومهمته واخلاقه ولا اظن ان هنالك مثقف عربي حقيقي يقبل ان يؤدي هذا الدور السيء.