كلمة العام 2025.. استجداء الغضب (Rage-bait)

وقود "اقتصاد الانتباه" وسيكولوجية الاستفزاز الرقمي

شبكة النبأ

2025-12-25 03:47

مقدمة: حينما يصبح الغضب سلعة

في عالم رقمي يتسم بالتسارع المفرط، لم تعد "المعلومة" هي العملة الأكثر قيمة، بل "الانتباه". وفي خضم المنافسة الشرسة على ثوانٍ معدودة من وقت المستخدم، اكتشف صناع المحتوى والخوارزميات حقيقة بيولوجية ونفسية قديمة: الغضب محرك أقوى من الرضا.

توجت هذه الحقيقة بإعلان "مطبعة جامعة أكسفورد" (OUP) عن اختيار مصطلح "Rage-bait" (استجداء الغضب) ككلمة العام لسنة 2025. هذا الاختيار ليس مجرد توثيق لمصطلح لغوي شاع استخدامه، بل هو إقرار بظاهرة ثقافية وتقنية شكلت ملامح التفاعل البشري في منتصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين. يستعرض هذا المقال الظاهرة من جذورها اللغوية، مروراً بآلياتها النفسية والخوارزمية، وصولاً إلى تداعياتها الخطيرة على النسيج الاجتماعي والصحة العقلية.

تعريف المصطلح

استجداء الغضب (Rage-bait) هو هندسةٌ منهجية للاستفزاز، تقوم على قرصنة الاستجابات الشعورية الغريزية للمتلقي لتحويل السخط إلى تفاعل؛ مما يُحيل الغضب البشري من رد فعلٍ طبيعي إلى سلعةٍ تجارية تغذي خوارزميات اقتصاد الانتباه على حساب الحقيقة والتماسك الاجتماعي."

ووفقاً لتعريف قاموس أكسفورد وتوسعات المصادر، يُعرف "Rage-bait" بأنه محتوى (مقال، فيديو، منشور تواصل اجتماعي) مصمم عمداً لإثارة مشاعر الغضب، السخط، أو الاستياء لدى المتلقي بهدف زيادة التفاعل (Engagement).

يختلف هذا المصطلح عن "صيد النقرات" (Clickbait) التقليدي. فبينما يعتمد "صيد النقرات" على الفضول أو العناوين المضللة لجذب الزيارة، يعتمد "استجداء الغضب" على الاستفزاز الصريح لضمان الرد، المشاركة، والتعليق، حتى لو كان ذلك التفاعل سلبياً.

التطور التاريخي للمصطلح

تشير بيانات "أكسفورد" إلى أن المصطلح لم يظهر فجأة في 2025، بل شهد تصاعداً تدريجياً.

البدايات: ظهر كمفهوم فرعي في منتديات الإنترنت لوصف "المتصيدين" (Trolls).

التحول (2020-2024): مع نضوج خوارزميات منصات مثل TikTok وX (تويتر سابقاً)، تحول الأمر من سلوك فردي لـ "متصيدين" إلى استراتيجية تسويقية وإعلامية ممنهجة.

الذروة (2025): أصبح المصطلح جزءاً من القاموس اليومي، يُستخدم لوصف كل شيء؛ من وصفات الطعام المستفزة عمداً، إلى الآراء السياسية المتطرفة التي لا هدف لها سوى إشعال "الترند".

أسباب تقديم هذا المصطلح

لقد كان اختيار "قاموس أكسفورد" لمصطلح "استجداء الغضب" (Rage-bait) نابعاً من قناعة الخبراء بأن هذه الكلمة هي الأكثر دقة في وصف "الحالة النفسية والرقمية" التي عاشها العالم في 2025.

لم يكن الاختيار مجرد مسألة إحصائية، بل كان ثقافياً بامتياز، واستند إلى ثلاث ركائز أساسية:

1. القفزة الإحصائية الهائلة: حيث رصد خبراء اللغة في أكسفورد أن استخدام المصطلح تضاعف ثلاث مرات خلال الـ 12 شهراً الماضية. لم يعد مجرد مصطلح تقني، بل أصبح لغة يومية يستخدمها الناس لوصف الأخبار، السياسة، وحتى الإعلانات.

2. التحول في "عملة الإنترنت": حيث رأى الخبراء أن هذا المصطلح يوثق تحولاً تاريخياً في الإنترنت: انتقلنا من عصر "صيد النقرات" (Clickbait) الذي كان يعتمد على "الفضول" (مثل: *لن تصدق ماذا حدث!*)، إلى عصر "استجداء الغضب" الذي يعتمد على "الاستفزاز" (مثل: *رأي صادم يهين معتقداتك*). هذا التحول يعكس أن "الغضب" أصبح العملة الأقوى للتفاعل.

3. الوعي الجماعي بالتلاعب: انتصار الكلمة يعكس نضجاً لدى المستخدمين؛ فالناس أصبحوا يدركون أنهم يتعرضون للتلاعب. استخدام الكلمة هو نوع من "المقاومة اللغوية"؛ فعندما تطلق على فيديو اسم "Rage-bait"، فأنت تعلن أنك كشفت اللعبة ولن تنجرف وراءها.

وقد كان هناك مصطلحان آخران وصلا إلى القائمة النهائية (Shortlist) ونافسا "Rage-bait" بقوة، وهما يعكسان جوانب مختلفة من هوسنا الحديث بالذات والتحسين:

1. زراعة الهالة (Aura Farming): ويشير هذا المصطلح (الذي انتشر بين جيل Z) إلى القيام بسلوكيات مدروسة أو تبني نمط حياة معين بهدف إضفاء صبغة من "الغموض"، "الكاريزما"، أو "الهيبة" (Aura) على الشخصية. فبدلاً من السعي للشهرة الصريحة والمبتذلة، يقوم الشخص بـ"زراعة" صورة توحي بأنه "عميق" أو "رائع" (Cool) بطريقة تبدو عفوية وهي ليست كذلك. لماذا خسر؟ لأنه يركز على "سلوك فردي" ونرجسي، بينما "استجداء الغضب" يصف "ظاهرة مجتمعية شاملة" تؤثر على الجميع.

2. الاختراق البيولوجي (Biohack): وهو استخدام التكنولوجيا، المكملات الغذائية، التعديلات الجينية البسيطة، أو تغييرات صارمة في نمط الحياة "للقرصنة" على وظائف الجسم وتحسينها (مثل زيادة الذكاء، إطالة العمر، أو تقليل النوم). ويعكس هوس الإنسان الحديث بالسيطرة على جسده وتجاوز الحدود البيولوجية الطبيعية. لماذا خسر؟ رغم أهميته، إلا أنه مصطلح تخصصي نسبياً ومرتبط بالنخبة أو المهووسين بالصحة، بينما "استجداء الغضب" يمس كل شخص يحمل هاتفاً ذكياً.

إذا تأملت في القائمة الثلاثية (استجداء الغضب، زراعة الهالة، الاختراق البيولوجي)، ستجد أنها ترسم صورة متكاملة لإنسان عام 2025: إنسان يحاول تحسين جسده تقنياً (Biohack)، يحاول تلميع صورته اجتماعياً (Aura Farming)، لكنه في النهاية يقع ضحية لمحيط رقمي يستنزف أعصابه ويتاجر بمشاعره (Rage-bait).

لذلك، اختارت أكسفورد المصطلح الأخير لأنه يمثل "القوة الخارجية" المهيمنة التي تشكل واقعنا اليومي رغماً عنا.

سيكولوجية الغضب.. لماذا نقع في الفخ؟

استناداً إلى التحليلات النفسية، لا ينجح "استجداء الغضب" بالصدفة، بل لأنه يخترق دفاعاتنا العقلية عبر آليات محددة:

1. الغضب كعاطفة "عالية الاستثارة": يصنف علماء النفس العواطف إلى "منخفضة الاستثارة" (مثل الحزن أو الرضا) و"عالية الاستثارة" (مثل الغضب والخوف والبهجة المفرطة).

* العواطف المنخفضة تدفعنا للسكون أو الانسحاب.

* العواطف العالية، وتحديداً الغضب، تدفعنا للفعل.

عندما نرى محتوى يستفز قيمنا أو منطقنا، يفرز الدماغ مزيجاً من الأدرينالين والكورتيزول، مما يخلق حاجة ملحة للتفريغ: كتابة تعليق غاضب، أو إعادة نشر الفيديو للسخرية منه. هذا "الفعل" هو بالضبط ما يريده صانع المحتوى.

2. الانحياز السلبي: العقل البشري مبرمج تطورياً للتركيز على السلبيات أكثر من الإيجابيات (لأن التهديد كان يعني الموت قديماً). في البيئة الرقمية، يُترجم هذا إلى أننا نميل للنقر على عنوان يقول "لماذا يكرهك الجميع" أكثر من "كيف تكون محبوباً". يستغل "استجداء الغضب" هذه الثغرة لضمان أن المحتوى المستفز سيحظى بالأولوية في المعالجة الذهنية.

3. وهم "تصحيح الخطأ": أحد أقوى الدوافع للوقوع في فخ "استجداء الغضب" هو الرغبة في تصحيح ما نراه خاطئاً. عندما ينشر شخص فيديو يقوم فيه بسلوك غير منطقي (مثل تخريب طعام بشكل مقزز أو قول رأي سياسي شاذ)، يشعر المشاهد بمسؤولية أخلاقية للتدخل والقول: "هذا خطأ!". المشكلة أن الخوارزمية لا تفرق بين "النقد البناء" و"المدح"؛ كلاهما يُحسب كتفاعل يرفع من قيمة المنشور.

البيئة الخوارزمية.. الآلة التي تقتات على الكراهية

تشير التقارير إلى أن اللوم لا يقع فقط على البشر، بل على البنية التحتية للإنترنت الحديث:

فقد تم تصميم خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي لتعظيم "وقت البقاء على المنصة" (Time on Site). لقد تعلمت هذه الخوارزميات، عبر التعلم الآلي، أن المحتوى الذي يثير الغضب يحقق:

* عدد تعليقات أكبر (نقاشات وجدال).

* مشاركات أكثر (حتى لو كانت بغرض الذم).

* وقت مشاهدة أطول (نحن نشاهد الفيديو المستفز للنهاية لنرى مدى سوئه).

بالتالي، تقوم الخوارزميات بترويج هذا المحتوى تلقائياً ودفعه إلى مقدمة صفحات المستخدمين (Feeds)، مما يخلق حلقة مفرغة من الغضب المستمر.

اقتصاد المؤثرين (Influencer Economy)

في ظل تراجع عوائد الإعلانات التقليدية، أصبح الدخل مرتبطاً مباشرة بعدد المشاهدات. اكتشف العديد من صناع المحتوى أن صناعة فيديو "مثالي" ومفيد قد يستغرق أياماً ويحصد آلاف المشاهدات، بينما صناعة فيديو "غبي" أو "مستفز" (مثل سكب الطعام على الأرض أو إهانة فئة معينة) يستغرق دقائق ويحصد الملايين. أصبح "استجداء الغضب" نموذج عمل تجاري مربح (Business Model).

أنواع وتصنيفات "استجداء الغضب"

من خلال استعراض الأمثلة الواردة في المصادر، يمكن تصنيف هذا المحتوى إلى عدة أنواع:

1. استجداء الغضب السياسي: نشر تصريحات متطرفة أو مجتزأة من سياقها لشيطنة الطرف الآخر. الهدف هنا هو تعميق الاستقطاب وجعل المستخدمين في حالة دفاع دائم عن هويتهم.

2. استجداء الغضب المنزلي/الطهي: فيديوهات تظهر طرق طهي مقززة أو غير صحية أو مبذرة بشكل جنوني. الهدف هو إثارة اشمئزاز المشاهدين ودفعهم للتعليق حول "إهدار النعمة".

3. استجداء الغضب الجندري/الاجتماعي: محتوى يروج لصور نمطية مسيئة عن الرجال أو النساء، أو نصائح علاقات سامة، مصممة لإشعال حرب بين الجنسين في التعليقات.

4. استجداء الغضب عبر "الغباء المصطنع": فيديوهات لأشخاص يقومون بمهام بسيطة بشكل خاطئ تماماً وبثقة تامة، مما يستفز ذكاء المشاهد ويدفعه للتدخل للتصحيح.

التداعيات المجتمعية والصحية

يحذر الخبراء في من أن شيوع هذا المصطلح ككلمة للعام يعكس أزمة حقيقية:

1. الإرهاق العاطفي والصحة العقلية: التعرض المستمر لمحتوى مصمم لإثارة الغضب يؤدي إلى ارتفاع مزمن في هرمونات التوتر. هذا يساهم في زيادة معدلات القلق، الاكتئاب، والشعور العام بعدم الأمان والتشاؤم تجاه العالم والبشرية.

فالإرهاق العاطفي المزمن أدى إلى حالة دائمة من التوتر والقلق لدى المستخدمين. لم يعد التصفح وسيلة للترفيه، بل مصدراً للضغط النفسي (Stress).

كما ان الظاهرة خلقت نوعاً من الإدمان السلبي على "الشعور بالاستياء". العقل البشري ينجذب للمحفزات القوية، والغضب محفز قوي، مما يجعل المستخدمين يعودون للمنصات بحثاً عن شيء جديد يغضبهم (دورة مكافأة سلبية في الدماغ).

بالإضافة الى التشاؤم الوجودي: حيث ان كثرة رؤية السلوكيات السيئة والمستفزة (حتى لو كانت مصطنعة) ولدت شعوراً عاماً بأن "العالم مكان سيء" وأن "الناس أصبحوا أغبياء أو أشراراً"، مما يعزز العزلة والاكتئاب.

2. تآكل الحقيقة وتسطيح النقاش: عندما يصبح الهدف هو "الاستفزاز"، تختفي الفروق الدقيقة والحقائق. يطغى الصوت الأعلى والأكثر تطرفاً على الصوت العقلاني. يصبح الفضاء العام ساحة للصراخ بدلاً من النقاش، مما يصعب الوصول إلى حلول للمشكلات الحقيقية.

فقد تحولت القضايا الجادة والمصيرية إلى مواد للتهريج أو الصراخ. بدلاً من مناقشة الحلول، ينشغل المجتمع بالرد على "الترند" المستفز، مما يضيع الفرصة لمعالجة المشاكل الحقيقية.

3. الاستقطاب الاجتماعي: يعمل "استجداء الغضب" على تفتيت المجتمع إلى قبائل متناحرة. كل مجموعة ترى "أسوأ" ما في المجموعة الأخرى (لأن هذا هو ما تبرزه الخوارزميات)، مما يرسخ الكراهية ويقلل من فرص التعاطف أو التفاهم المشترك. حيث يعتمد "استجداء الغضب" على تعزيز عقلية "نحن ضد هم". يتم تضخيم الآراء المتطرفة لتبدو وكأنها الرأي السائد للطرف الآخر، مما يلغي مساحات الحوار والوسطية ويجعل التفاهم شبه مستحيل.

وغالباً ما يستغل هذا المحتوى الصور النمطية (ضد النساء، المهاجرين، أقليات معينة) لإشعال التعليقات، مما يساهم في تطبيع خطاب الكراهية وجعله مألوفاً في الحياة اليومية.

3. نتائج على مستوى "اقتصاد المعرفة" والإعلام (سيادة الرداءة)

انحطاط جودة المحتوى: أدت الظاهرة إلى "سباق نحو القاع". اكتشف المبدعون والصحفيون أن المحتوى الرصين والعميق لا يجلب المشاهدات مقارنة بالعناوين المستفزة. هذا أجبر حتى المؤسسات الإعلامية الكبرى على تبني أساليب "استجداء الغضب" للبقاء في السوق.

مكافأة السلوك السيء مالياً: تحول الغضب إلى "نموذج عمل" (Business Model). الشخص الذي يقوم بتصرفات حمقاء أو مؤذية يحصل على ملايين المشاهدات وبالتالي عوائد مالية ضخمة، مما يشجع الجيل الجديد على تقليد هذه السلوكيات طلباً للشهرة والمال.

ضياع الحقيقة: في ظل السعي لإثارة الغضب، لم تعد "الدقة" مهمة. يتم اجتزاء الفيديوهات، فبركة القصص، وتزييف الحقائق عمداً لأن "الكذبة المستفزة تنتشر أسرع بست مرات من الحقيقة المملة".

4. نتائج تقنية وخوارزمية (الآلة تتحكم): تشويه الخوارزميات: أصبحت خوارزميات الذكاء الاصطناعي في منصات التواصل "مدربة" على تفضيل النزاع. هي لا تفهم المحتوى، لكنها تفهم أن "الغضب = بقاء أطول في التطبيق". هذا يعني أن البيئة الرقمية أصبحت مصممة بنيوياً لتكون بيئة سامة.

استراتيجيات المواجهة.. كيف نطفئ النار؟

1. الوعي الرقمي: أول خطوة هي تسمية الشيء بمسمّاه. اختيار أكسفورد لكلمة "Rage-bait" يساعد الناس على التعرف على التكتيك. عندما تدرك أن الفيديو الذي تشاهده "مصمم خصيصاً لإغضابك"، تفقد الخدعة جزءاً كبيراً من قوتها.

2. قاعدة "لا تطعم المتصيدين": الحل الأنجع تقنياً هو التجاهل التام.

* لا تعلق (حتى بالنقد).

* لا تشارك (حتى للسخرية).

* استخدم أدوات "غير مهتم" (Not Interested) أو الحظر (Block).

حرمان المحتوى من التفاعل هو الطريقة الوحيدة لقتله خوارزمياً.

3. "التوقف المعرفي": قبل الضغط على زر المشاركة أو كتابة تعليق غاضب، ينصح علماء النفس بأخذ "هدنة" لمدة 10 ثوانٍ. اسأل نفسك: "هل هذا المحتوى حقيقي؟ هل يستحق طاقتي؟ هل يريد الناشر أن أغضب؟".

استراتيجيات "الدفاع الرقمي" ضد ظاهرة استجداء الغضب

يمكن تقسيم خطة الحماية إلى مستويين: نفسي (لتحصين عقلك)، وتقني (لترويض الخوارزمية).

أولاً: التكتيكات النفسية (بناء "المناعة العقلية"):

1- من خلال تكتيك "التسمية الفورية"، بمجرد أن تشعر بارتفاع نبضك أو انزعاجك من فيديو أو منشور، قل لنفسك فوراً وبصوت مسموع (أو داخلي): "هذا استجداء غضب (Rage-bait)". ويشير علماء النفس إلى أن "تسمية العاطفة" أو المسبب ينقل الدماغ من "المركز العاطفي" (اللوزة الدماغية) إلى "المركز العقلاني" (القشرة الجبهية). بمجرد تصنيفك للمحتوى كـ"فخ"، يفقد جزءاً كبيراً من سلطته عليك.

2. الهدنة المعرفية، طبق قاعدة "الـ 10 ثوانٍ". قبل أن تضغط "مشاركة"، أو تكتب تعليقاً غاضباً، أو حتى ترسل الفيديو لصديق للسخرية منه، توقف تماماً وعد للعشرة. هذه الثواني القليلة كفيلة بتبديد دفعة الأدرينالين الأولى، مما يمنحك الفرصة لتسأل نفسك: "هل يستحق هذا الشخص طاقتي؟ هل أريد أن أمنحه المال عبر تفاعلي؟".

3. تغيير الإطار الذهني، بدلاً من النظر إلى صانع المحتوى على أنه "غبي" أو "مستفز" يحتاج لتصحيح، انظر إليه على أنه "متلاعب ذكي" ينصب فخاً. عندما تدرك أن "الخطأ" في الفيديو ليس عفوياً بل "مصطنعاً"، يتحول غضبك إلى "تجاهل واعٍ" لأنك ترفض أن تكون ضحية للعبة.

ثانياً: التكتيكات التقنية والسلوكية (معاقبة الخوارزمية):

1. استراتيجية "التجويع التام"، القاعدة الذهبية: لا تفاعل مطلقاً. لا تعلق (حتى لتشتم أو تصحح). لا تشارك الفيديو (حتى بعبارة "انظروا لهذا الغباء"). لا تضغط "إعجاب" أو "عدم إعجاب". والسبب: الخوارزميات عمياء عن المعنى؛ هي ترى "الشتيمة" و"المدح" شيئاً واحداً: تفاعل. التفاعل يعني نجاح المحتوى. صمتك وتجاوزك للفيديو هو الطريقة الوحيدة لقتله رقمياً.

2. استخدام أدوات "الرفض النشط"، درّب الخوارزمية بدلاً من أن تدربك. استخدم زر "غير مهتم" (Not Interested) أو "لا تقترح هذه القناة" الموجود في إعدادات المنشور. وهذه إشارة تقنية قوية للخوارزمية بأن هذا النوع من "استجداء الغضب" يجعلك تغادر التطبيق، وبالتالي ستتوقف الخوارزمية عن عرضه عليك حفاظاً على بقائك.

3. التحقق من "المسرحية"، قبل أن يغلي دمك بسبب قصة "زوجة تهين زوجها" أو "موقف غريب في مطعم"، تذكر أن الغالبية العظمى من هذه المقاطع ممثلة (Staged). التعامل مع المحتوى كـ"مشهد تمثيلي رديء" يزيل عنه طابع الواقعية الذي يثير الغضب.

ففي مواجهة استجداء الغضب: التجاهل هو أقوى أنواع العقاب، والوعي بأنك مستهدف هو أقوى أنواع الدفاع."

الخاتمة: ما وراء الكلمة

إن اختيار "استجداء الغضب" ككلمة العام 2025 هو جرس إنذار عالمي. إنه يعكس اللحظة التي أدركت فيها البشرية أن مشاعرها أصبحت ساحة للمعركة وسلعة للبيع.

بينما تطور المنصات خوارزمياتها لاستغلال نقاط ضعفنا النفسية، يبقى الرهان الأخير على وعي المستخدم. إن المعركة ضد "استجداء الغضب" ليست معركة تقنية فحسب، بل هي معركة أخلاقية ونفسية لاستعادة السيطرة على انتباهنا، وهدوئنا، وقدرتنا على التواصل الإنساني السليم بعيداً عن ضجيج الاستفزاز المصطنع.

أهم نتيجة أفرزتها هذه الظاهرة هي انتقال "الغضب" من كونه رد فعل عاطفي طبيعي ومؤقت، إلى سلعة تجارية دائمة يتم تصنيعها وتوزيعها واستهلاكها على مدار الساعة، مما يهدد الصحة النفسية للأفراد والتماسك الاجتماعي للدول.

................................

* المصادر:

- Oxford University Press (Corp.oup.com)

- Wikipedia (Rage-baiting)

- Smithsonian Magazine

- BBC News

- The Conversation

- The New York Times

- Stanford News

ذات صلة

التحليق في سماء الأخلاق والفضيلةمركز المستقبل ناقش.. مستقبل الاستقرار في العراق على ضوء السلوك السياسي في 2025نحو وحدة المنهج والهدف في إدارة الإقتصاد العراقيالمسلمون في المجتمعات غير الإسلامية.. وجدلية الهوية والانتماءالديمقراطية والسلطوية: هل يجتمعان؟