الخطر الخفي داخل ألعاب الأطفال المدعومة بالذكاء الاصطناعي

Time

2025-12-24 03:45

يتناول هذا المقال الذي نشرته مجلة التايم الذي كتبته الدكتورة دانا ساسكيند (أستاذة الجراحة وطب الأطفال في جامعة شيكاغو)، المخاطر الخفية الكامنة في ألعاب الأطفال الحديثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. حيث تشبه هذه الألعاب بـ "حصان طروادة"، محذرة من أن قدرتها المذهلة على محاكاة المحادثات البشرية قد تدفع الآباء لاستبدال التفاعل البشري الحقيقي والحميمي -الضروري لنمو دماغ الطفل وبناء دوائره العصبية- بتفاعلات آلية مجهولة العواقب. ودعت إلى ضرورة وضع ضوابط تنظيمية صارمة ووعي أبوي يضمن أن تكون التكنولوجيا أداة لتعزيز الروابط الإنسانية لا بديلاً عنها.

وفيما يلي ترجمة المقال:

يحمل كل أسبوع إعلانات لمنتجات جديدة تَعِدُ برفقة للأطفال مدعومة بالذكاء الاصطناعي: دمى "باربي" التي تناديك باسمك، ودمى "كوريو" (Curio) المحشوة التي تقترح مغامرات وألعاباً خيالية، وروبوتات المحادثة (Chatbots) المخصصة للأطفال من شركتي "ميتا" (Meta) و"إكس إيه آي" (xAI). حتى أن "ديزني" انضمت مؤخراً إلى ثورة الذكاء الاصطناعي، حيث اشترت حصة بقيمة مليار دولار في شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI) لجلب شخصياتها المحبوبة إلى منصة "سورا" (Sora).

سواء وصلت هذه المنتجات على هيئة أصوات بلا أجساد، أو صور رمزية (أفاتار) على شاشة، أو دمى محشوة جذابة للغاية، فإنها تمثل قطيعة جوهرية مع كل لعبة سبقتها: فهي تتحدث، وتستمع، وتستجيب بطرق تبدو بشرية بشكل مذهل. ظاهرياً، يبدو هؤلاء الرفقاء حميدين، بل وحتى لطفاء، أو الأفضل من ذلك، تعليميين.

لا يقتصر وعدهم على الترفيه فحسب، بل تقديم نوع من التفاعل الضروري لبناء أدمغة الأطفال. يعرض موقع "كوريو" (Curio) اقتباساً مغرياً: "ألعاب مصممة لتقليل وقت الشاشة وتعزيز التفاعل".

وبالفعل، يخبرنا العلم أن التفاعلات التبادلية الدافئة والمستجيبة تغذي إنشاء ما يصل إلى مليون وصلة عصبية داخل دماغ الطفل في كل ثانية. وترتبط هذه التبادلات ارتباطاً مباشراً بتطور لغة الأطفال، واكتساب المفردات، والتفكير الرياضي والمكاني، وضبط النفس، والمزيد.

وحتى هذه اللحظة، كان البشر وحدهم هم من يقدمون تلك التفاعلات.

والآن، صُممت أنظمة الذكاء الاصطناعي لمحاكاة هذه التفاعلات. ودون علمهم، فإن الآباء اليوم - مثل مواطني طروادة الذين واجهوا ذلك الحصان الخشبي الشهير عند بوابات المدينة - معرضون لخطر الترحيب بـ "هدية مفترضة" دون فهم الخطر الذي يكمن بداخلها.

ففي النهاية، ليس لدينا سوى القليل من المعرفة حول كيفية بناء هذه الألعاب، أو كيفية عمل خوارزمياتها، أو الإعدادات الافتراضية التي تأتي بها، أو ما قد تكون عليه التأثيرات قصيرة وطويلة المدى على أدمغة الأطفال النامية. لكن علامات التحذير وفيرة. فقد أصدر صندوق تعليم مجموعة أبحاث المصلحة العامة الأمريكية (U.S. PIRG Education Fund) تقريراً يورد تفاصيل العديد من التبادلات المقلقة للغاية مع ألعاب الذكاء الاصطناعي المصنوعة للأطفال، بما في ذلك محادثات ناقشت فيها دمية مواضيع جنسية بالتفصيل، أو اقترحت أماكن يمكن العثور فيها على سكاكين.

وبينما يشكل البالغون تشابكات عاطفية مع رفقائهم من الذكاء الاصطناعي (حتى أنهم يسعون للزواج من روبوتات المحادثة) ويلجأ المراهقون إليهم للحصول على دعم للصحة العقلية، فمن الواجب علينا أن ننظر فيما قد تعنيه هذه التكنولوجيا للأطفال الصغار الذين لا تزال أدمغتهم في طور التشكيل والذين يتعلمون أيضاً، للمرة الأولى، ماهية العلاقات.

لا يستطيع الآباء - والمجتمع ككل - تحمل تكلفة اتباع نهج "الانتظار والترقب" لتقييم سلامة أو قيمة هذه المنتجات. والحقيقة هي أن البحث يستغرق وقتاً. فالدراسات الصارمة التي تؤسس لعلاقات سببية تستغرق سنوات، وقد تستغرق التأثيرات التطورية وقتاً أطول للظهور. لكن الوقت هو بالضبط ما لا تملكه الأدمغة النامية لأصغر مواطنينا.

تشكل علاقات الأطفال المبكرة بنية التطور ذاتها. ينجذب الأطفال إلى التفاعل المشروط والمستجيب، وقد تطور دماغ الرضيع ليتعلم من "الرقصة" الغنية عاطفياً للتواصل البشري. هذه التفاعلات - التي توفر الدليل الإرشادي لدماغ الطفل لكي يشبك دوائره الخاصة باللغة، والإدراك، والتطور الاجتماعي العاطفي - هي التفاعلات ذاتها التي صُممت أنظمة الذكاء الاصطناعي لمحاكاتها.

وتشير الأدلة المبكرة إلى أنها تقوم بعمل مقنع.

يستجيب الرضع الذين لا تتجاوز أعمارهم ستة أشهر للمحفزات الروبوتية بطرق تعكس استجاباتهم للبشر، مما يشير إلى أنه في سياقات معينة، قد تعمل الإشارات الاجتماعية التي تحرك التواصل بشكل مماثل عبر كل من البشر والروبوتات. وتشير دراسات مبكرة أخرى إلى أن الأطفال يربطون مشاعرهم بالروبوتات الاجتماعية والوكلاء المستجيبين، ويعاملونها ليس كآلات، بل كرفقاء.

وفي حين أن هذه الأدلة تثير أسئلة جادة ومخاوف عميقة، فإنها تؤكد أيضاً على حقيقة أن الذكاء الاصطناعي يحمل فرصاً تعليمية وعلاجية هائلة. عندما يكون الذكاء الاصطناعي مرتكزاً على الأدلة ومصمماً بقصد وهدف، أعتقد أنه يمكن أن يدعم التواصل البشري ويساعد الأطفال على الازدهار. بصفتي جراحة لزراعة القوقعة، أشهد بنفسي كيف يمكن للتكنولوجيا، عندما تكون متجذرة في التواصل البشري، أن تفتح عوالماً من الإمكانيات للأطفال الذين يعانون من فقدان السمع.

لذا فأنا لست ضد التكنولوجيا. لكنني أحذر من التكنولوجيا الاجتماعية المصممة لمجرد الترفيه والتي تخاطر بمزاحمة التفاعل الاجتماعي البشري.

ولنكن واضحين، أنا أتفهم إغراء تبني مثل هذه الأدوات. من ذا الذي لن يرحب بدمية تجيب بصبر على كل سؤال بـ "لكن لماذا؟"، أو رفيق لعب آلي مستعد دائماً للمشاركة في اللعب الخيالي؟ ولكن ونحن ندخل هذا العالم الجديد الجريء -حيث يكافح العلم لمواكبة الابتكار، والآباء منهكون، وتُسوّق الشركات لمخاوفنا العميقة- يجب أن يقف الآباء كحراس. لا يستطيع الآباء التحكم في طوفان التقنيات المتسابقة نحو الطفولة، لكن يمكنهم تقرير أي منها يُسمح له بالدخول. وهم بحاجة إلى توجيه واضح قائم على الأدلة لمساعدتهم في اتخاذ تلك القرارات.

ولهذا السبب أوصي بأربعة مبادئ أساسية لإعلام وتوجيه أي استخدام محتمل للذكاء الاصطناعي مع الأطفال:

التواصل البشري ضرورة بيولوجية

عندما يتفاعل الآباء مع أطفالهم من خلال التواصل البصري، والضحك المشترك، والإجابات الصبورة على الأسئلة، فإنهم ينشطون دوائر عصبية قديمة مصممة للتواصل. توفر هذه التبادلات شكلاً من أشكال الغذاء الذي لا يمكن لأي خوارزمية أن تضاهيه، وهي البنية الأساسية للصيرورة إنساناً.

"التربية الجيدة بما يكفي" ميزة تطورية

لا يزدهر الأطفال بفضل الاستجابة المثالية؛ بل ينمون من خلال حالات "عدم التوافق والإصلاح". إن الاحتكاك الذي ينشأ عندما يخطئ الآباء ثم يعيدون التواصل هو المكان الذي تُصاغ فيه المرونة، والقابلية للتكيف، والتنظيم العاطفي. إنه الاحتكاك الذي يجعلنا بشراً.

الأطفال الصغار يشكلون دوائر أدمغتهم بناءً على تجاربهم المبكرة

يصف مصطلح "عفن الدماغ" (Brain rot) تآكل المهارات المعرفية جراء الإفراط في استخدام الذكاء الاصطناعي. بالنسبة للأطفال الصغار، الذين لا تزال أدمغتهم قيد الإنشاء، فإن الخطر الأكثر دقة ليس "عفن الدماغ" بل "تقزم الدماغ". يواجه الأطفال الأكبر سناً والبالغون الذكاء الاصطناعي بسقالات عصبية مبنية بالفعل، لكن الأطفال الصغار ما زالوا يربطون الدوائر ذاتها التي ستشكل كل التعلم والعلاقات المستقبلية.

التعزيز يمكن أن يكون هدية، لكن الاستبدال مقامرة عالية المخاطر

لم يعد السؤال ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيكون في حياة أطفالنا، بل كيف. الأدوات التي تخفف الأعباء عن الوالدين أو تعمق الفهم يمكن أن تكون مفيدة، لكن يجب أن تكمل التفاعل البشري بدلاً من أن تحل محله، وأن تعزز التواصل البشري بدلاً من أن تثبطه.

مع مرور الوقت، سيكشف البحث عما يحدث عندما نسمح للذكاء الاصطناعي بالتفاعل مباشرة مع الأدمغة النامية. ولكن حتى ذلك الحين، يجب علينا حراسة بوابات عقول أطفالنا وحياتهم الداخلية بمنتهى اليقظة.

تماماً كما نضع حواجز وضوابط للغذاء والدواء وأجهزة السلامة التي تصل إلى الأطفال الصغار، نحتاج إلى إرشادات ومعايير شفافية لرفقاء الذكاء الاصطناعي. لا يمكن للوالدين تحمل هذا العبء بمفردهم؛ فصناع السياسات ومنظمو السلامة يتحملون مسؤولية تحديد شروط ما يدخل عالم الطفولة.

على وجه التحديد، نحتاج إلى الشفافية حول كيفية عمل هذه الأنظمة، واختبارات سلامة مستقلة قبل طرحها في السوق، وتصنيف واضح حول الملاءمة التطورية (النمائية). يجب أن يكون المشرعون أحراراً في سن لوائح معقولة باسم سلامة الطفل، لا أن يُعاقبوا على فعل ذلك، كما يهدد أمر تنفيذي صدر مؤخراً.

لم يتوقف مواطنو طروادة للنظر داخل الحصان عند بوابتهم. لا يزال لدينا الوقت للنظر داخل "الدبدوب" (الدمية المحشوة) عند بوابتنا. من المحتم أن نفعل ذلك، وأن نحمي ما يهم أكثر: الروابط البشرية التي لا يمكن استبدالها والتي تجعلنا ما نحن عليه.

* المصدر: time.com

ذات صلة

الإمام علي الهادي (ع) واستراتيجية المواجهة للظلم والظالمينالاقتصاد الاجتماعي والتضامنيالإمام علي الهادي (ع) ومنهج البقاء الحر في زمن التضييقالغضب.. أوله جنون وآخره ندماستراتيجية الأمن القومي الأميركي.. كيف قرأناها؟