مشروع الفيسبوك الجديد... ومبدأ حيادية الانترنيت

مهند حبيب السماوي

2015-11-07 03:08

أكد مؤسس شركة فيسبوك ومديرها التنفيذي مارك زوكيربيرج والمطرب والكاتب ومؤسس مجموعة الدفاع (One) السيد بول هوسن المعروف باسم بونو، في مقالة نشرتها صحيفة نيويرك تايمز تحت عنوان" To Unite the Earth, Connect It"، على أهمية مد شبكة الانترنيت الى بقية مناطق العالم التي يقدر عدد من لم تصلهم خدمات هذه الشبكة العنكبوتية الى 3 مليارات، اي حوالي نصف العالم، وهو امر غير جيد ومؤسف بحسب رأي مارك وبونو.

يتحدث مارك وبونو في المقال عن مشروع ربط العالم من خلال شبكة الانترنيت، ويؤكدان على اهمية الترابط في العالم من خلال الشبكات الافتراضية، حيث في هذا الاتصال شكلا من اشكالا الترابط العالمي، ومن خلاله يتوحد العالم ويُمسي افراده متصلين سوية في هذا الفضاء الرقمي، وهو المشروع الذي يقوم مارك وبونو وامثال هؤلاء بالعمل على تحقيقه من اجل ردم الهوة الرقمية بين دول العالم.

يشير المقال الى انه اذا اردنا ان نساعد الناس ونوفر لهم الطعام والعلاج والتربية والوظفية، فعلينا ان نربطهم ببعض رقميا، فالأنترنت لاينبغي ان يكون حكرا على ٣ مليارات مواطن فقط كما هو عليه الان، بل يجب توفيره للبقية، ويجب ان ننظر فيه كضرورة للتطور وكأداة تجعل الاحلام الكبيرة ممكنة.

ويوضح المقال؛ ان هنالك عدة افكار وضعت في هذا الصدد، وقد تم حصر اهداف هذه الافكار ب 17 هدف جاءت ب169 فقرة، ومن هذه الفقرات المهمة هي (C-9) والتي تنص على الالتزام بتوفير الانترنيت للعالم عام 2020.

ويقدم كاتبا المقال نماذج لفوائد الشبكة العنكبوتية ومايتفرع عنها في بعض دول العالم، ففي اثيوبيا وتنزانيا، نجد الفلاحون يرتبطون ويتواصلون سوية من اجل الحصول على اسعار افضل ويستخدمون الهواتف من اجل التنبؤ بالجو والاحوال السيئة. وفي نيجيريا يستخدمون تطبيق في الهواتف يدعى Budg IT لتقييم بعض السلوكيات الحكومية، وكذلك بالنسبة للنساء حيث يستفيدون من الشبكة ومواقعها من اجل اغراض تعليمية وصحية واقتصادية وامنية. اما في غواتيمالا فعن طريق الهواتف تُبلغ النساء بمعلومات حول الولادة الصحية. في حين ان النساء في كينيا تستقبل خدمات مالية من خلال الهواتف.

ولا يفت اصحاب المقالة دور الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي بتوضيح مأساة المهاجرين، حيث يقولا: في الاسابيع القليلة الماضية رأينا بكل ألم كيف كان اللاجئون يبحثون عن مأوى على حدود اوربا، وقد استفاد هؤلاء اللاجئين من الهواتف بنقل اخبارهم والاتصال مع اقربائهم وتحديد اماكنهم، وكذلك قامت الشبكة العنكبوتية بنقل ومشاركة صورة الطفل السوري الذي مات غريقا على سواحل تركيا، واصبح نموذجا لكل معنى اللجوء، فمواقع التواصل، في راي مارك وبونو، حملت الرسالة وغيرت ليس فقط الراي الشائع بل السياسة العامة ايضا.

بالطبع فان مايريد ان يقوله المقالة يتركز في ضرورة ايصال الانترنت الى بقية ارجاء العالم لكي يستفيد مواطني هذه المناطق من الخدمات الكبيرة والكثيرة التي يقدمها هذا العالم الافتراضي للناس على كافة المستويات الصحية والاقتصادية والسياسية والاعلامية والتروبية وغيرها.

وبعيدا عما قد تخفيه هذه الدعوة من دوافع خفية " قد " تظهر في النتائج المالية الضخمة التي تعود على الشركات التي تستفيد من ادخال خدمة الأنترنت الى المناطق، فان الفوائد في حد ذاتها لابأس بها ويمكن ان تتقدم بالمجتمع خطوات كبيرة في مجال اللحاق بالركب الحضاري خصوصا اذا ما تم استخدام الشبكة الاستخدام الامثل والاصح المقترن بإسعاد البشر وانجاح حياتهم وتوفير المتطلبات الضرورية لتكاملها.

وتنوي شركة فيسبوك بالمشاركة مع شركة يوتلسات الفرنسية إطلاق القمر الصناعي الأول في عام 2016، والذي من الممكن ان يوفر خدمات الانترنت في مناطق نائية من افريقيا، وقال مالك شركة فيسبوك، في بوست نشره على صفحته الشخصية، تعليقا على المشروع: سنواصل العمل على ربط العالم اجمع بالإنترنت، حتى إذا كان ذلك يعني البحث خارج كوكبنا".

مبادرة "Internet.org" للفيسبوك، التي تم تغيير اسمها إلى "Free Basics"، توفر" مجموعة من المواقع والتطبيقات التي يعتقد فيسبوك أنها أساسية لمستخدمي الويب بالمجان بالتعاون مع العديد من شبكات المحمول في مجموعة من الدول النامية"، مما يعني زيادة في عدد مشتركي شبكات مارك ومنصاته الاجتماعية التي خلقت واقعا افتراضيا جديدا غيّر من علاقة الانسان مع المجتمع والاخر وكل شيء في هذا العالم.

ولذا لم يمر مشروع فيسبوك حول ايصال الانترنت الى جميع ارجاء العالم دون نقد او اعتراض، حيث وجد فيه العالم الإنكليزي تيموثي بيرنرز، المعروف باسم مخترع الويب، انتهاك واضح لمبادئ حيادية الإنترنت، بل طلب من جميع الاطراف ان ترفض هذه المبادرة التي لا تهدف لمصلحة الإنترنت بشكل عام، وانما تحقق، برأيه الشخصي، مصالح خاصة.

الناقدون والمعترضون على هذا المشروع يرون فيه ان اصحاب هذا المشروع سيمنحون اولية للتطبيقات والمواقع والبرامج التي يقومون بإنتاجها او بيعها او يستفيدون منها وبالتالي لن يحدث اقتسام عادل لتدفق المعلومات عبر شبكات الإنترنت بمختلف اصنافها وانواعها وشركاتها ومزوديها، وسيكون هنالك، طبقا لهؤلاء المحتجين والمنددين بهكذا مبادرات، تمييز وتفرقة في الخدمات التي يقدمها الانترنت وفقا لعدة عوامل منها مستخدم الشبكة ونوع الخدمة والتطبيقات ومضمونه والاوقات المختلفة للحصول على خدمة الانترنيت.

الاحتجاج على خرق مبدأ حيادية الانترنت لم يقتصر على بعض العلماء والشركات والهيئات بل طالب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، قبل عدة اشهر، لجنة الإتصالات الفيدرالية FCC، بإتخاذ كل ما من شأنه ان يؤدي الى المحافظة على حرية الشبكة العنكبوتية بعيدا عن اي سلطة تحاول تقييد او تضييق او تحديد الخدمة لأسباب تجارية بحتة، وقد أقرت لجنة FCC يوم الأربعاء الموافق 26 فبراير عام 2015 قواعد جديدة لتنظيم الإنترنت في الولايات المتحدة الأمريكية تم تسميتها باسم قواعد حيادية الإنترنت net neutrality وهي القواعد التي اعتبرها الكثير انتصار " لمستخدمي الإنترنت ومنتجي المحتوى في معركتهما مع الشركات المزودة لخدمة الإنترنت ".

قواعد حيادية الإنترنت تتضمن ثلاثة مبادئ اساسية على جميع الشركات التي تزود خدمة الأنترنت للمواطنين ان تلتزم بها حينما تزود المواطن بخدمة الإنترنت.

وتتخلص القواعد بثلاث مبادئ رئيسية هي:

1- لا يجوز حجب المحتوى.

2- لا يمكن التحكم في سرعة الإنترنت.

3- لا يجب ان تكون هنالك أولوية لمن يدفع أكثر.

وهذا يعني ان من حق المستخدم ان يشتكي على اي شركة تنتهك المبادئ الثلاث اعلاه التي تمنح الجميع حرية متساوية في مجال تلقي البيانات بسرعة متساوية ومن غير اعطاء اولية لبرنامج او موقع او تطبيق دون اخر.

وبغض النظر عن النقاش الدائر حول مدى خرق المشاريع الجديدة للفيسبوك وغيرها لمبدأ حيادية الانترنيت، فان السؤال الهام يجب ان لايدور في ساحة حيادية الانترنت وخرقه قواعدها التي وضعتها لجنة امريكية تأتي في سياق زماني ومكاني معين وتخضع في قرارتها لمبدأ ما وتراعي ظروف قد لاتنطبق على غيرها في اماكن العالم الاخرى، وانما يجب النقاش ان يكون في مدى شرعية وقانونية وصحة مبدأ حيادية الانترنيت في حد ذاته؟

هل مبدأ حيادية الانترنت هو مبدأ صحيح ام خاطئ؟

وهل يمكن ان يخضع هذا المبدأ للمحاسبة والنقد والمناقشة؟

لماذا نعتبره اصلا مبدأ وقاعدة وقانونا من غير ان نبحث في حقيقة جدواه؟

وهل يمكن ان نعتبر قيام دولة ما بحجب محتوى موقع يتضمن تحريضا على العنف والقتل بانه غير قانوني وخرق لمبدأ حيادية الانترنت؟

الاسئلة اعلاه تصلح لمقالة اخرى حول نفس الموضوع سنتعرض لها تفصيلا في مقالات لاحقة.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي