مواقع التواصل الاجتماعي وإفساد اللحظة السعيدة

مصطفى ملا هذال

2023-03-29 06:15

يكثف اشخاص كثيرون تواجدهم على مواقع الشبكات الاجتماعية خلال السفرات الداخلية والخارجية التي يدفعون مبالغ للذهاب فيها، الى جانب تقضية أيام معدودات خارج المنزل وربما دون الاهل، لكن هؤلاء الافراد لا يعرفون ان مواقع التواصل الاجتماعي افسدت عليهم جمالية الرحلة واخفت عليهم الكثير مما فيها من لذة.

من يسافر الى بلد ما اول الأشياء التي يحرص على تفعيلها والاهتمام بها هو الانترنت والتواجد الكثير على مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث يصل المتابعون الى مرحلة معرفة جميع الخطوات التي عملها المسافر، وكأنهم متواجدين معه ومرافقيه في كل وجهة يذهب اليها.

وتصل الحال الى الملل بمتابعة هذا النوع من الافراد لكثرة ما يتم نشره على المواقع الاجتماعية، وقد يضطر البعض الى الغاء المتابعة وتفضيل عدم التتبع الذي يؤدي الى شد نفسي لما يتوصل اليه الشخص المسافر في أوقات كثيرة، من شرح تفاصيل لا داعي لذكرها ويمكن الاكتفاء بعيشها مع الاهل والأصدقاء.

اهم أغراض السفر هو الإطلاع على معالم البلد الجديد، ويتم ذلك عبر التنقل بين بلدة او أخرى، والذهاب الى الأماكن التي تحكي للسائح حضارة البلد وتاريخه العريق، وقد تعمل مواقع التواصل الاجتماعي على تشتيت الانتباه واغفال أجمل تفاصيل الإماكن وادقها.

وبهذا يكون الانشغال بأخذ الصور الفردية ونشرها على الملفات الشخصية، هو العمل الروتيني اليومي للفرد السائح، وبعد انتهاء المدة المحددة للسفرة، يعود المسافرون الى ديارهم ولم يتبقى في ذاكرتهم الى الشيء البسيط من معالم الأمكنة التي ذهب اليها الجميع.

في حين يوجد في السفرات من يهمل الهاتف النقال طيلة فترة سفره وانشغاله بشكل تام في كيفية الترويح عن النفس وطرح الهموم على جهة والتمتع بكل اللحظات الجميلة التي لا يريد أي ظرف ان يفسدها ويعكر صفوها، وبالتالي البحث عن جميع عناصر الجمال التي تحتويها النزهات الخارجية برفقة من نحب.

من يهتم في جميع ما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي حتى خلال السفرات اليومية والطويلة، يعني ذلك انه فضل الحياة الافتراضية على جمال الحياة الواقعية، مضحيا بما تحتويه من متعة فريدة اتيحت له دون غيره من ملايين الافراد الذين يتمنون ان تتوفر لهم فرصة السفر لجملة من الموانع، قد يكون المانع المادي الأكثر تأثيرا وحضورا.

التأكيد على الاهتمام بتفاصيل السفر أكثر من مواقع التواصل الاجتماعي، لا يعني الانقطاع التام عنها، فمن الممكن الابتعاد بصورة نهائية يخلق حالة من الملل في بعض الأحيان، كأن يكون أوقات الليل المتأخر او في اللحظات التي يتحتم عليك البقاء في المنزل، لذا ستكون هذه الشبكات محل تسلية لا بأس به.

ومع ذلك علينا ان نعي المحاذير التي حذرت من هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي على جميع مفاصل الحياة الفردية، حتى سلبت من الفرد توقيتات يومه ولم يعد يعرف حدوده في التواصل الذي يبدأ في ساعات مبكرة وينتهي مع ساعات الليل المتأخرة، وهنا تحول الى شخص مطاوع ومطيع لما تمليه عليه هذه الوسائل من سلطة اجبارية.

الخشية كل الخشية ان تتحول علاقة الانسان بمواقع التواصل الاجتماعي علاقة لاغية وليس تكميلية، فمن المحتمل ان تلغي لديه خصوصية الزمان والمكان، وتعمد الى صيرورته كائن آلي لا يملك قرارات نفسه، سواء في العمل او المنزل او أوقات السفر بعيدا عن هذا وذاك.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي