كيف تؤثر الشبكات الاجتماعية على سلوكيات المستخدمين؟
مصطفى ملا هذال
2022-03-30 06:13
نصاب بشعور لا نتمكن من وصفه عندما تنقطع خدمة الانترنت في المنزل، حتى تصل بنا الأمور الى التعصب والتذمر من سوء الخدمة والاتصال فورا بمزودها؛ لعله يطماننا بإمكانية عودتها في الدقائق القليلة القادمة، ولو نظرنا لسبب الانفعال والطريقة التي تحدثنا بها مع صاحب البرج لوجدنا ان الانترنت تمكنت من التأثير والتحكم بحياتنا الخاصة وطريقة عيشنا.
استخدام مواقع التواصل الاجتماعي المعتمدة بعملها على خدمة الانترنت بصورة كلية، بدأ في السنوات الأخيرة يأخذ منحنيا خاصا، وبدأ يؤثر بشكل مباشر على البناء الاجتماعي، من حيث السلوك والتعاطي مع الاحداث وتلقيها، وكذلك أثر بشكل كبير على العنصر الثقافي للأفراد الذين اخذ استخدامهم يزداد بشكل مطرد، ولا يمكن لهم الاستغناء عن هذه التقنية مثلما في السنوات السابقة.
التكنولوجيا الحديثة وبعد دخولها الى المجتمعات من أوسع أبوابها وخصوصا المجتمعات العربية المتعطشة لمثل هذه الوسائل لكي تشبع رغابتها الترفيهية والاخبارية وغيرها من التوظيف المنطقي والاستفادة من التقنيات بمجالات الحياة، فقد حملت هذه التكنولوجيا الكثير من التأثيرات الاجتماعية والنفسية كمحصلة نهائية للاستخدام غير المدروس، وهذه المتغيرات في السلوك يمكن ان نعدها تجسيد فعلي لعملية التفاعل المتبادل بين السلوك الفردي والتطور التقني.
وقد يكون لشريحة الشباب السهم الأكبر من هذا التأثير، ونرى في كثير من الحالات إساءة واضحة في الاستخدام لتلك الشبكات من قبلهم، لما فيها من مغريات بالنسبة لهذه الطبقة، فهي جعلتهم على تماس مباشر مع جميع الثقافات والعديد من التجارب التي قد تكون بعيدة كل البعد عما يدور في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ولا تنخرط ضمن الثقافة المحلية.
لقد حصل وبسبب الاطلاع المفرط على تجارب الآخرين تكرار هذه الحالات في المجتمعات التي يمكن وصفها بالمحافظة، او المنغلقة على نفسها، وانسحب البساط من تحتها وانجرت لتكون أداة طيعة تتحكم فيها هذه المواقع الافتراضية، وصار الشباب بصورة خاصة والافراد بمختلف أعمارهم بشكل عام يقضون ساعات طويلة امام شاشات الهاتف بحثا عن التسلية.
ظاهرة التأثير الذي تحدثه شبكات التواصل الاجتماعي على السلوك الإنساني كانت محل اهتمام كبير من قبل الباحثين والمختصين في الدراسات الإنسانية، واوجدوا علاقة متبادلة داخل ثقافة المجتمع بين الأجزاء والعناصر المكونة له.
ويقول ستيوارد Steward (1988)، ان السلوك الاجتماعي بشكل عام يتأثر بشكل كبير ومباشر بالوسائل التكنولوجية المختلفة، فمن خلال التطور التكنولوجي تتم عملية تأثر وتأثير متبادلة بين التقنية المستخدمة والسلوك الفردي، ولا شك بأن التكنولوجيا الحديثة اكسبتنا المزيد من السلوكيات الجديدة.
فلم نكن نعيش حالة الانعزال هذه قبل عقود، وكانت التفاعلية المباشرة حاضرة بجميع الأوقات، بينما في الوقت الحالي تجد العشرات في مكان ما، لكنهم يعيشون بعالمهم الخاص، منفصلين عن بعضهم البعض ولا تجمعهم أي روابط، وهنا ظهر لنا نوعين من العزلة الأولى العزلة الجسمانية، والأخرى العزلة المعنوية.
ولو أجرينا مراجعة بسيطة للأدبيات التي تناولت تأثيرات التطور التقني على السلوك الإنساني، نعثر على بعض الآراء التي ترى ان للتكنولوجيا الحديثة بمختلف اصنافها ومن بينها الهاتف المحمول قد أثرت بشكل كبير على حياة الإنسان وسلوكه وطريقة اتصاله بالآخرين.
فالاتصال المواجهي بين الجماعات وبفعل مواقع التواصل الاجتماعي انخفض بنسبة كبيرة، فالاتصال الجماعي عوض كثيرا عن انعقاد الاجتماعات واجراء اللقاءات، فقد أقيمت الندوات والمؤتمرات عبر التطبيقات الالكترونية ولا حاجة للحضور الفعلي وتحمل التكلفة الزائدة وبذل المزيد من الجهد للسفر للمشاركة بفعالية قد تستغرق ساعة او ساعتين لا أكثر، ويمكن ان تندرج هذه الخاصية ضمن الإيجابيات الا انها غيبت فائدة الحضور الميداني.
استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكليه المكثف والمقنن لا يمكن ان يمر دون تأثير معين واحداث خلل في طرق التفكير والسلوك الفردي، وهنا تأتي مسؤولية الجهات الرقابية في تحديد أنماط التعاطي مع هذه الظواهر الجديدة وعدم الغوص فيها حفاظا على البُنية الاجتماعية وتكوين درع واقي يصد محاولات التسرب الكثيرة داخل بنيتنا الاجتماعية والنيل منها ولو بنسبة ضئيلة.