تأذى جيلي من السوشيال ميديا فماذا سيفعل ميتافيرس به؟
اندبندنت عربية
2022-02-10 04:23
بقلم: فريا إنديا
بصفتي فتاة تنتمي إلى أول جيل نشأ في زمن الإنترنت فإنني أخاف من خطط يرسمها مارك زوكربيرغ
ما التأثيرات على المدى الطويل لتحول المرء شخصية افتراضية "آفاتار" بالكامل؟ ما يفعل ذلك بالنظرة إلى الذات وتقديرها؟
ميتافيرس ستستغل نقاط ضعف الجيل "زد" ولسوف تغوينا بالمهرب الموعود
بعد افتضاح أمر شركة "فيسبوك" بسبب الأسرار التي أفشتها فرانسيس هاوغن وتسريباتها [التي سميت] "ملفات فيسبوك"، أدرك الرئيس التنفيذي للشركة مارك زوكربيرغ أن الوقت حان للإقدام على الإعلان عن طموحه إلى خلق تجربة تواصل اجتماعي تكون أكثر جاذبية وانتشاراً، تتمثل في "ميتافيرس"Metaverse .
بعد مرور أكثر من شهر على تسرب "ملفات فيسبوك"، أوضح زوكربيرغ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بحماسة أن "المنصة التالية ستكون انغماسية أكثر. وستكون الشبكة محسوسة بحيث تكونون أنتم داخل التجربة ولا تكتفون بمجرد متابعتها". كذلك كشفت تلك الملفات المسربة [ملفات فيسبوك] التي شكلت جزءاً من بحث أجرته "فيسبوك" نفسها، أن المراهقين يحملون موقع "إنستغرام" مسؤولية ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب ومشاكل تقبلهم لأجسادهم، إذ ادّعى شخص من بين كل خمسة أن ذلك التطبيق الذي تملكه "فيسبوك" يجعلهم ينظرون إلى أنفسهم بطريقة سيئة.
وعلى الرغم من ذلك، تحدث زوكربيرغ بحماسة بعد أسابيع [من صدور التقرير] عن الاحتمالات اللا نهائية التي سيحملها مشروع "ميتافيرس" المقبل. بدأ خطابه التأسيسي بعبارة، "نحن الآن على أعتاب المرحلة التالية للإنترنت. فكروا في كمية الأشياء المادية التي تمتلكونها اليوم، والتي يمكن أن تتحول إلى مجرد صور مجسمة في المستقبل".
في عالم "ميتافيرس"، ستتيح أجهزة الواقع الافتراضي ونظارات الواقع المعزز، للمستخدمين "بزيارة" أي مكان يحلو لهم والانتقال إلى أي مكان يرغبون فيه. وتصل أحلام زوكربيرغ إلى ما هو أبعد من عالم ألعاب الفيديو والتواصل الاجتماعي أيضاً، حيث ستشمل في النهاية أماكن عمل ومدارس افتراضية، سنكون قادرين على "الانتقال إليها فوراً على هيئة صور افتراضية مجسمة".
واستطراداً، بصفتي فتاة تنتمي إلى الجيل الأول الذي نشأ في زمن الإنترنت، فإن هذا الكلام يرعبني. وبغض النظر عن المخاوف المتعلقة بالخصوصية والرقابة، فإننا غارقون حالياً في وضع لا يمكن وصفه إلا بأزمة صحة عقلية. خلال العقد الماضي، وفي بلدان عدة، ارتفعت معدلات القلق والاكتئاب وإيذاء النفس والانتحار بشكل كبير بين أبناء الجيل "زد" Generation Z [أولئك المولودون بين سنتي 1997 و2012].
وكذلك لوحظ تزايد في معدلات الاضطرابات النفسية - العقلية المتصلة بالأكل، والنظرة المشوهة إلى الجسد، وتشتت التركيز، إضافة إلى مجموعة من المشكلات النفسية الأخرى. في الواقع، أظهر استطلاع حديث أن النظرة الإيجابية إلى الحياة لدى الجيل "زد" تعتبر الأضعف بين جميع الأجيال، ومستويات الصحة العاطفية والاجتماعية لديهم أقل، وميلهم إلى الإبلاغ عن التفكير في الانتحار أو التخطيط له أو محاولته جاء أكثر بمرتين أو ثلاث مرات [من أجيال سابقة] خلال الفترة الممتدة بين نهاية 2019 ونهاية 2020.
في ذلك الصدد، يرجع كثيرون منا مشاكلنا إلى وسائل التواصل الاجتماعي. من المؤكد أن الأدلة على ذلك مختلطة، إذ تربط بعض الدراسات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بنتائج مدمرة للصحة العقلية، بما في ذلك إيذاء النفس والتفكير في الانتحار، بينما تشير دراسات أخرى إلى ضآلة تأثيرها. على كل حال، ما نعرفه جيداً هو أن الصحة النفسية للمراهقين في جميع أنحاء العالم كانت مستقرة نسبياً قبل أن تبدأ في التدهور بعد سنة 2012. لا يمكن إثبات السبب. ولكن، في تلك السنة، صار غالبية الأميركيين يمتلكون هواتف ذكية، وكانت المرحلة التي بات فيها الحضور على وسائل التواصل الاجتماعي أمراً ضرورياً بين المراهقين.
في ذلك الإطار، لاحظ عالم النفس الاجتماعي جوناثان هيدت أنه بين 2009 و2012، تغيرت منصات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جذري، إذ أضافت "فيسبوك" زر "الإعجاب" [لايك] بينما أضاف موقع "تويتر" ميزة إعادة نشر التغريدات. بشكل ملحوظ، شكل الـ2012 أيضاً العام الذي أطلق فيه "إنستغرام" للمرة الأولى، على نظام التشغيل "أندرويد"، وحمل التطبيق أكثر من مليون مرة في اليوم الأول من انطلاقته.
وفي سياق متصل، يشير توزع الأمراض العقلية - النفسية بشكل غير متكافئ، إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي دوراً مهماً في ذلك. وضمن الجيل "زد"، تعتبر الفتيات الصغيرات أكثر مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وقد عانين زيادات أكبر بكثير في مستويات القلق والاكتئاب وإيذاء النفس، بالمقارنة مع الصبيان.
ومثلاً، في إنجلترا وويلز، ارتفع عدد الفتيات المنتحرات بين سن العاشرة والرابعة والعشرين بـ94 في المئة منذ 2012. وفي الولايات المتحدة، تضاعفت معدلات دخول المستشفيات بسبب إيذاء الذات بين الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين العاشرة والرابعة عشرة، بين سنتي 2010 و2014.
وبالتالي، حذر جوناثان هيدت في مقال نشر حديثاً، من أن "أحد الأسئلة الرئيسة يتمحور حول حجم الدليل الذي يحتاج إليه الآباء والمنظمون والمشرعون قبل أن يتدخلوا بهدف حماية الشباب المعرضين للخطر. إن أرجحية الأدلة المتوفرة الآن مقلقة بما يكفي لتبرير اتخاذ إجراءات".
لكن، بدلاً من اتخاذ إجراء، يضاعف زوكربيرغ جهوده، ويستعد لجعل التجربة التي نعيشها على الإنترنت مكثفة أكثر. وعلى الرغم من التأكيدات أن منصة "ميتا" [الاسم الجديد لفيسبوك] "تهتم بشدة بقضايا السلامة والرفاهية والصحة العقلية"، فإن الشركة تحاول بشكل يائس شق طريقها إلى أذهان الجيل الذي يتمتع بصحة عقلية تعتبر الأكثر عرضة للخطر. اعترف زوكربيرغ بأنه يحاول الآن الانتقال من تقديم خدمات للمستخدمين الأكبر سناً إلى الراشدين الشباب الذين وصفهم بأنهم "النجمة القطبية" الديموغرافية بالنسبة للشركة. وقد انشغلت شركة "ميتا" برعاية المؤثرين الشباب على منصة "تيك توك"، كي تروج محتوى يدور حول "ميتافيرس"، في محاولة لإثارة حماس الجيل "زد" بشأن مستقبل الواقع الافتراضي الخاص بنا.
لا مفر من الشعور بالشك عند سماع ذلك كله، ما هي التأثيرات طويلة المدى للقدرة على التحول إلى صورة رقمية مجسمة مثالية في "ميتافيرس"؟ كيف سيؤثر ذلك على تقديرنا لذواتنا؟ ماذا لو بدأ الواقع الافتراضي في الحلول محل الواقع المادي؟ هناك أدلة متزايدة بالفعل على أن الوباء قد أثر على الصحة العقلية للجيل "زد"، إذ تضاعف الانتشار العالمي لأعراض الاكتئاب والقلق لدى الأطفال والمراهقين خلال جائحة كورونا، بالمقارنة بالأرقام المقدرة قبل الوباء. وفي المقابل، فمن المحتمل أن العزلة الاجتماعية وانخفاض التفاعل مع الأقران، قد أدّيا دوراً في ذلك.
واستكمالاً، إن ما يبعث على الإحباط، أن إطلاق هذا العالم الإفتراضي الجديد والمسبب للإدمان قد يحبط أي جهد يبذله أبناء الجيل "زد" الآن لتحسين صحتهم العقلية، سواء أكان ذلك عن طريق التوقف عن استعمال الشاشات الإلكترونية، أو زيادة التواصل الحقيقي، أو قضاء مزيد من الوقت في الطبيعة.
وللأسف، أشك في أن الجيل "زد" سيرغب في مقاومة "ميتافيرس". نحن جيل تشكو فيه إعداد كبيرة من شعورها بالقلق الشديد والعزلة والاكتئاب وعدم الرضا عن حياتها، بالتالي لماذا لا نهدئ أنفسنا بتجارب حاسوبية ونهرب من الواقع لبعض الوقت؟ ماذا عن أولئك منا الذين يعانون اضطرابات الأكل وتشوه الجسم، وسيتمكنون فجأة من التحول إلى الصورة الرقمية المجسمة المثالية التي سيختارونها في "ميتافيرس"؟ ماذا عن ملايين الأشخاص من الجيل "زد" الذين تزداد مخاوفهم من التفاعلات الشخصية وجهاً لوجه، أو أولئك منا الذين يشعرون بالوحدة في العالم الحقيقي؟ سيكون إغراء غمس أنفسنا في ذلك العالم الافتراضي عظيماً للغاية.
إن شركات التكنولوجيا على دراية بهذا. ولا شك في أن "ميتافيرس" ستستغل نقاط ضعف الجيل "زد" ولسوف تغوينا بالمهرب الموعود. وللتو، شرعت الشركة في تقديم منصة "ميتافيرس" بوصفها الحل لمشكلاتنا. وكذلك تدعي أن تركيزها ينصب على مساعدة "الأشخاص على التواصل" و"العثور على مجتمعات" والاستمتاع بـ"الشعور بأنك موجود بالفعل مع شخص آخر"، بالتالي إن كل هذه الوعود جذابة للغاية بالنسبة إلى جيل يشتكي من "الشعور المستمر بالوحدة".
لسنوات، أسهمت شركات التكنولوجيا العملاقة في شعور الجيل الذي أنتمي إليه بعدم الأمان والقلق والانفصال، والآن يبدو الأمر كما لو أن أحداً يقدم لنا مهرباً سهلاً. هل تشعر بالوحدة؟ يمكنك تكوين صداقات في "ميتافيرس"! هل تحس بعدم الأمان؟ يمكنك أن تكون شخصاً آخر بشكل مؤقت! هل يداهمك القلق؟ استرخ بالتنزه في الطبيعة ضمن الواقع الافتراضي! على غرار وسائل التواصل الاجتماعي، أخشى أن تعمد "ميتافيرس" ببساطة إلى تبني مشاعر النقص لدى الجيل "زد" وتملأها بتجارب رقمية ضحلة وقاسية، ستؤدي في النهاية إلى زيادة إحساسنا بالسوء.
قد تفشل "ميتافيرس" أو تتلاشى، لكن في هذا الوقت الذي بدأ فيه المجتمع للتو التعامل مع تداعيات تطبيق جرى تطويره منذ أكثر من عقد ويتيح مشاركة الصور، هل يمكننا حقاً إطلاق العنان لهذا الواقع الافتراضي الانغماسي، ثم نأمل في بنتائج أفضل؟ هل من الأخلاقي انتظار ظهور البيانات قبل أن نتحرك؟ لقد حان الوقت بالتأكيد لمطالبة شركة "ميتا" بالشفافية حول التأثيرات المحتملة لمنصة "ميتافيرس" على الصحة العامة، وضمان اتخاذ احتياطات موثوقة وفرض قيود على المحتوى المتاح وفق عمر المستخدم.
ربما ستصبح منصة "ميتافيرس" المطورة بالكامل، والتي تحوز قدرات شاملة، وشيكة التحقق، لكن جيلي يستحق أن يعرف بالضبط ما هي خطط شركة "ميتا" في حماية صحتنا العقلية، وحل المشاكل التي يتسبب بها "فيسبوك" و"إنستغرام"، قبل الكشف عن عالمها الجديد هذا. ربما سيكون الصغار بخير، لكنني أفضل أن نستنفر في وقت مبكر هذه المرة، بدلاً من انتظار تسرب الأسرار.