موقف الفلسفة من حظر المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي

مسلم عباس

2020-12-09 07:59

في منتصف عام 2019 كتبت تعليقاً على تغريدة للنائب في البرلمان العراقي فائق الشيخ علي، وقلت له أن ما تقوم به على مواقع التواصل الاجتماعي لا يتعدى عمل الصحفيين، وهو يتناقض مع وظيفتك المتمثلة بتشريع القوانين ومراقبة عمل الحكومة، بمعنى أن تركيز جهدك على مواقع التواصل وغياب دورك الرقابي والتشريعي يتعارض مع مفهوم الرقابة والتشريع لأن هذا عمل الصحفيين والمدونين الذين يرصدون الظواهر ويكتبون عنها أما النائب فهو يراقبها ويحاسب الحكومة عليها.

بعد ساعة راجعت تعليقي لمراقبة الردود من قبل متابعي الشيخ علي، فلم اكن اتوقع منه الرد على كلامي ظنناً مني أنه لا يقرأ التعليقات، لكنني وجدته قد حظرني من حسابه الشخصي، ولم أستطع الدخول إلى حسابه حتى يومنا هذا.

كنت متابعاً جيداً لكل ما يكتبه فائق الشيخ علي بحكم عملي في الإعلام، بالإضافة إلى فضولي الدائم بالتعرف على الأفكار التي يطرحها أعضاء البرلمان في مواقع التواصل ووسائل الإعلام، لذلك فإنه عندما حظرني حرمني من معرفة أنشطته ومن ثم مراقبته ومحاسبته انطلاقاً من قاعدة أن الإعلام هو السلطة الرابعة التي تراقب ما يجري في البلد سواء كان نشاطاً سياسياً رسمياً أو غير رسمي، فضلا عن ما اكسبه من معرفة عن الوضع السياسي والاجتماعي العام في العراق.

ما يقوم به المستخدمون في مواقع التواصل بعمليات حظر خصومهم، على طريقة فائق الشيخ علي لا يتوافق مع الاسس الفلسفية للحرية والرأي الآخر، ويعتبر الفلاسفة الشخص المحظور خسارة للمجتمع، مهما كان الرأي المخالف صائباً أو مخطئاً، فهذا جون ستيوارت ميل الفيلسوف الليبرالي الذي كانت له إسهامات مهمة في ترسيخ مبدأ حرية وسائل الأعلام يرى أن من حق الفرد الناضج في المجتمع أن يفكر ويتصرف كيفما يشاء ما دام لا يؤذي أحداً بتفكيره وتصرفه.

وكانت لجون ستيوارت ميل مجموعة من الآراء المعبرة عن فلسفته والتي نذكر منها ما يخص إسكات الرأي الآخر وحظره عن الحوار فيقول: "إذا اسكت راياً فقد أخفيت حقيقة وإن الراي الخطأ قد يحوي بذوراً للحقيقة ومن الجائز أن يؤدي إليها كاملة كما أن الرأي الصائب كثيراً ما تسيء الجماهير ظناً به ولا ترجع الجماهير عن هذا الاعتقاد إلا إذا اضطرت إلى الدفاع عنه"(1).

ميزات الرأي الآخر

يقدم ستيوارت ميل ثلاثة أسباب تجعل من اختلاف الرأي ميزة كبرى

الأول: احتمال أن يكون الرأي السائد باطلاً أو زائفاً، وبالتالي لا بد وأن يكون هناك رأي آخر هو الصواب.

الثاني: احتمال أن يكون الرأي السائد صواباً، وفي هذه الحالة يكون صراعه مع الخطأ أمراً جوهرياً لنفهم حقيقته فهماً واضحاً ونشعر بها شعوراً عميقاً.

الثالث: احتمال لحالة أكثر شيوعاً، هو أن يكون الرأيان المتعارضان يشارك كل منهما في الحقيقة بنصيب بدلاً من أن يكون أحدهما صواباً والآخر خطأ، فيحتاج الرأي المرفوض إلى أن يكمله الرأي الصواب أو جانب الحقيقة الذي يشتمل عليه الرأي الشائع (2).

الشيخ علي يعد نفسه إنموذجاً للتحرر في العراق، ويسوق لنموذجه في وسائل الإعلام على أنه حامل فأس إبراهيم لتكسير أصنام التقديس الأعمى، ذلك التقديس الذي يرفض النقاش ويحارب الآخر لمجرد خلاف في الرأي، لكنه يخالف اهم اسس الحرية الني نادى بها الفلاسفة، فهو لم يتحمل تعليقات مخالفيه على كتاباته في مواقع التواصل الاجتماعي، فهل يقوم هذا النوع من النواب المنفتحين بمحاربة الانغلاق فعلاً أم أنهم يحاربون خصومهم، وأي شخص يخالفهم الرأي تحت يافطة الانفتاح؟

ما ينتشر لدينا خلال السنوات الاخيرة ليست حرباً ضد الانغلاق، ولا حرباً لكسر التابوهات، إنما هي حرب ضد الخصوم السياسيين بلباس التحرر المطلق، وليتنا رأيناهم يطبقون اسس الحرية التي ينادون بها، فالإنسان الحر لا يطلب حرية الكلام لنفسه فقط، بل يحولها الى ممارسة حياتية مع غيره عبر سماع الرأي الآخر وعدم استخدام أساليب القمع الإلكترونية مثل الحظر ومنع التواصل بشكل نهائي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
( 1) محمود متولي ولطفي عبد القادر، الاعلام وحرية المجتمع في موكب التاريخ، القاهرة، مكتبة نهضة الشرق، 1987، ص99.
( 2) جون ستيوارت ميل، اسس الليبرالية السياسية، ترجمة: امام عبد الفتاح امام وميتشيل متياس، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1996, ص173.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا