كيف يمكن تنظيم عمالقة التكنولوجيا
بروجيكت سنديكيت
2019-05-04 06:09
بقلم: مايكل بوسكين
ستانفورد ــ قبل عامين، بدا من الواضح من منظوري أن تركيبة من العوامل الحاضرة من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع الأصوات التي تنادي بتنظيم شركات التكنولوجيا، وخاصة عمالقة التكنولوجيا الكبرى مثل أمازون، وأبل، وفيسبوك، وجوجل. وكما زعمت في ذلك الوقت، إذا حدث ذلك فإن السياسة التنظيمية لابد أن تكون حريصة على إيجاد توازن معقول بين تخفيف التأثيرات الأشد ضررا للتكنولوجيا والسماح لشركات التكنولوجيا بمواصلة تحسين حياة الناس.
الآن، أتى ذلك اليوم، ولن يكون إيجاد هذا التوازن بالمهمة السهلة. فبعد إهمال هذه الشركات بشكل حميد لسنوات، تعمل الحكومات الديمقراطية الآن على إنتاج مجموعة مذهلة من السياسات لتنظيمها. ومكمن الخطر هنا هو أن تبالغ هذه الطفرة التشريعية في التصحيح فيصبح ضررها أكثر من نفعها، وخاصة من خلال خنق الإبداع والمنافسة عن غير قصد.
هناك ما لا يقل عن أربع قضايا تنظيمية منفصلة تحتاج إلى معالجة: الخصوصية، وقوة السوق، وحرية التعبير والرقابة (بما في ذلك المحتوى غير اللائق)، والأمن الوطني وإنفاذ القانون. ولهذا، يجب أن تكون سياسات قطاع التكنولوجيا مستهدفة بدقة ومصممة بعناية لتقليص الخطر المتمثل في إحداث نتائج عكسية هدّامة.
كانت كل القضايا الأربع ظاهرة بوضوح في الكشف المحرج مؤخرا عن ممارسات شركات التكنولوجيا، والتي جرى تفصيل بعضها في كتب من تأليف أشخاص مطلعين من داخل الصناعة. ففي ما يتصل بالخصوصية على سبيل المثال، يستمع الآلاف من موظفي شركة أمازون إلى ما يقوله العملاء للمتحدثين معهم على تطبيق Echo، دون أن تطلب الشركة الحصول على إذن مسبق للقيام بذلك. ورغم أن شركة أمازون تقول إن التسجيلات تساعد في تحسين عمل تطبيق المساعد الرقمي أليكسا، فإن أغلب الناس العاديين يعتقدون أن هذا سلوك أشبه بتصرفات الأخ الأكبر في رواية جورج أورويل.
أما عن قوة السوق، فقد قام الاتحاد الأوروبي مؤخرا بفرض غرامة كبيرة ثالثة على جوجل عن سنوات طويلة من ثلاث حالات منفصلة من إساءة استخدام هيمنتها على السوق. (تستأنف جوجل ضد هذه الغرامة). وفي ما يتعلق بالمحتوى، فقد جرى بث أعمال القتل الجماعي في مساجد في كرايستشيرش في نيوزيلندا في مارس/آذار على الهواء مباشرة، في حين تدور مجادلات يومية حول إزالة خطاب الكراهية والانحياز المحتمل المناهض للتيار المحافظ في تعريف هذا الخطاب. وفي ما يتصل بالأمن الوطني، يحتوي تقرير المستشار الخاص الأميركي روبرت ميولر على معلومات شديدة الإدانة ترجع إلى عام 2014 حول استخدام عملاء روس لوسائط التواصل الاجتماعي لغرس بذور الشقاق في وقت الانتخابات الأميركية.
في ظل هذه الظروف، ليس من المستغرب أن نشهد مثل هذه الجلبة بين عامة الناس والساسة في الدعوة إلى "القيام بأي شيء" حيال ذلك. هناك بكل تأكيد احتياج إلى التنظيم، كما يعترف بعض رؤساء قطاع التكنولوجيا. فمؤخرا، وجه مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، الدعوة إلى الحكومات للاضطلاع "بدور أكثر نشاطا" في تنظيم الإنترنت، من أجل وضع قواعد واضحة في التعامل مع المحتوى الضار، وسلامة الانتخابات، والخصوصية الشخصية، وإمكانية نقل البيانات. يرى كثيرون أن هذا أشبه بمدمن على الكحول أو المخدرات يناشد الناس "حمايته من نفسه".
بدأت هيئات تنظيمية تتحرك قبل فترة طويلة من نداء زوكربيرج. ففي ما يتعلق بخصوصية البيانات، تلزم اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي، التي بدأ العمل بها في مايو/أيار 2018، كل الشركات ــ سواء كان مقرها في الاتحاد الأوروبي أو لم يكن ــ التي تزاول أعمالها في الاتحاد الأوروبي بالتقيد باللائحة العامة لحماية البيانات في عملياتها العالمية، وليس فقط في الاتحاد الأوروبي. ولكن لأن التكلفة الثابتة الكبيرة المترتبة على الامتثال ستتحمل الشركات الأصغر حجما القدر الأعظم منها، فقد تنتهي الحال باللائحة العامة لحماية البيانات إلى حماية الشركات الضخمة من المنافسة من جانب الشركات الصغيرة.
علاوة على ذلك، تعمل تأثيرات الشبكة التي تتمتع بها شركات التكنولوجيا الضخمة ــ والتي بموجبها يتسبب مستخدمون إضافيون في جعل كل المستخدمين أكثر قيمة ــ على خلق حواجز تحول دون الدخول وتحد من المنافسة. بالإضافة إلى غرامات الاتحاد الأوروبي، تعيد لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية النظر في سياسات مكافحة الاحتكار في هذه الحقبة الجديدة التي تتسم بالتركز الاقتصادي. كما يتقدم بعض المرشحين الديمقراطيين لانتخابات عام 2020 الرئاسية في الولايات المتحدة بمقترحات لتقليص القوة السوقية التي تتمتع بها شركات التكنولوجيا الضخمة.
مع ذلك، ربما تخلف محاولات معالجة تركز السوق تأثيرات عكسية هدّامة أيضا. على سبيل المثال، يقضي الاقتراح الأكثر تطرفا، والذي تقدمت به المرشحة الديمقراطية إليزابيث وارين، بمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من تشغيل المنصات وتقديم منتجاتها الخاصة عليها. لكن المستهلكين يستفيدون حاليا من سهولة الاستخدام، وربما الأسعار الأقل، بما في ذلك "الخدمات المجانية" التي تتيحها أرباح الإعلانات التي تحققها هذه المنصات.
كما لا يخلو تحويل المنصات التكنولوجية إلى أدوات تنظيمية من مشاكل واضحة. فقد اقترحت مسودة تقرير في المملكة المتحدة مؤخرا إنشاء هيئة تنظيمية تفرض قواعد السلوك ــ بما في ذلك توفير فرص متكافئة لمنتجات المنافسين على المنصات الرقمية، والمعايير المفتوحة في إدارة بيانات المستخدمين، واعتبارات أكبر في التعامل مع قرارات الاندماج في ما يتصل بالضرر الذي قد يلحق بالمنافسة في المستقبل. ورغم أن هذا أكثر تبشيرا من اقتراح وارين، فإنه يجازف بإعطاء قدر أكبر مما ينبغي من السلطة والقوة لهيئات قد تكون عُرضة للاستيلاء التنظيمي.
أخيرا، يتعين على شركات التكنولوجيا أن تعكف على معالجة مخاطر الأمن الوطني المحتملة الناشئة عن استخدام منتجاتها. وتؤكد المناقشة الدائرة حاليا حول طموحات شركة هواوي الصينية العملاقة للاتصالات المحمولة في مجال اتصالات الجيل الخامس على هذه الضرورة. وكذا فعلت المواجهة في عام 2016 بين شركة أبل ومكتب التحقيقات الفيدرالي حول رفض الشركة فتح جهاز الآي فون الخاص بأحد الإرهابيين، وإصرار موظفي جوجل على رفض الشركة لعقود الدفاع والاستخبارات الأميركية.
تستدعي مثل هذه الحالات التعاون والتفاهم المتبادل بين شركات التكنولوجيا والمسؤولين القائمين على حماية الأمن الوطني وإنفاذ القانون. على سبيل المثال، في حالة مكتب التحقيقات الفيدرالي، أعرب تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة أبل، عن قلقة إزاء احتمال سرقة أو اختراق باب خلفي مدمج في أجهزة الآي فون، مما قد يؤدي إلى ضرر أعظم. ومع ذلك، يتعين على شركات التكنولوجيا أن تفهم أن التدابير التي قد تلحق الضرر بالأرباح ربما تكون ضرورية لحماية الأرواح في ظروف استثنائية، شريطة أن تكون هذه التدابير محددة بدقة وتحت إشراف المحاكم.
مع استمرار تطور التكنولوجيات، سوف تزداد قوة التحديات التي ناقشناها هنا. وهذا سبب إضافي يجب أن يحمل شركات التكنولوجيا والحكومات على استباق الأحداث قبل أن يتسبب حادث شنيع في إحداث ضجة عامة أكبر، مما قد يدفع بقيود تنظيمية أوسع وأكثر صرامة من شأنها أن تحد دون داع من فوائد التكنولوجيا التي لا يمكن إنكارها.