تكنولوجيا روج الضفادع
د. ميثاق بيات ألضيفي
2019-04-13 06:39
يرى المنظور السلمي أن الحرب شريرة تماما، وأنه لا يمكن أن تكون الحرب أخلاقية وإن أي محاولة لجعل الحرب أكثر قبولا هي ببساطة كوضع البروج الأحمر على شفاه الضفادع! والأسوأ من ذلك إن تم عبر التظاهر لجعل الضفدع أقل قبحا!! وبذلك يقلل من القضية الحقيقية والمتمحورة في أن الضفدع سيبقى دوما ضفدعا مهما أضفنا له مساحيق تجميل! مما يقلل كثيرا من عدد الجهات الفاعلة والمتمسكة بهذه المنظورات المنعدمة النقاء!!! وان التكنولوجيا الجديدة يمكن إن توفر مزايا حرجة وتخلق التقدم التكنولوجي والممارسة العسكرية والتغيير الاجتماعي المعقد، وفي الحالات المعقدة تقترن التكنولوجيا بالعديد من الوظائف الأخرى كالإدارة والخدمات اللوجستية والبيروقراطية والسياسية ولذا فإن التغيير الكبير فيها يمكن أن يؤدي إلى دوامة تطورية مشتركة فتتغير عبره حتى التغيرات المرتبطة عبر شبكات الأنظمة الاجتماعية والثقافية والمؤسسية والبنائية والطبيعية.
وان القواعد التي يحاول الناس من خلالها الحكم على الصراع تؤدي دوراً مهماً في إدارة التأثيرات المدمرة للتكنولوجيا ولذلك من الأهمية بمكان معرفة تحديات التطورات التكنولوجية وما يرتبط بها من تغيرات اجتماعية ومؤسسية ونفسية للقواعد، وبما أن التغيير الأساسي يظهر الآن بشكل لا يمكن التنبؤ به عبر الحدود التكنولوجية وبالوقت ذاته يحول الهيكل الجيوسياسي للصراع من الخطوط العريضة المحددة نسبيا إلى بيئة أكثر تعقيدا فإن تغييرات القواعد المطلوبة ليس من السهل تفسيرها أو معالجتها فلذا يتم استثمار العديد من الناس والمؤسسات في نجاح الأطر القائمة لتنظيم الحرب.
وتمتلك التكنولوجيا والتغييرات الاجتماعية والسياسية إمكانية تقويض وزعزعة استقرار المؤسسات القانونية والثقافية والمدنية بسبب المعدلات الحديثة للتغير التكنولوجي وقد تكون هناك طرق لجعلها أكثر قابلية للتكيف بما يمكن أن يعني معدل وطبيعة هذا التغيير أنه في مرحلة ما يجب التخلي عن المؤسسات التقليدية لصالح المؤسسات الجديدة. وعند الحديث عن التكنولوجيا وقوانين الحرب يتكلم المرء عن أية مديات سيتكيف العالم عبرها مع الظروف السريعة التغير التي تجعل الافتراضات السابقة وأنظمة المعتقدات أكثر تعسفاً وجزاء وجبروتاً !!!
تتفاعل تقنيات الحرب وتتطور مع المؤسسات المدنية والثقافات بطرق غالبًا ما تكون غير متوقعة ومهمة ويمكن للتكنولوجيات التي تسمح بالتصميم المباشر للهيئات البشرية والإدراك أن تكون فعالة للغاية للمحاربين ولكن إن لم يكن من الممكن عكسها، وإنها يمكن أن تثير قضايا صعبة للاستقرار الاجتماعي كما ويمكن أن تكون فعالة للغاية للمحاربين ولكن إن لم يكن من الممكن عكسها، فلا تتطلب التكنولوجيا الجديدة مهارات مختلفة فحسب بل تغيرات جوهرية في الثقافة العسكرية والتنظيم العسكري أيضًا فالقادة الذين خرجوا من بيئات القتال التقليدية لن يكونوا بالضرورة لديهم نفس القيم أو يتصرفون بنفس الطريقة التي يتفوق بها القادة الذين يتفوقون في قدرتهم على لعب ألعاب الفيديو المتقدمة التي تحاكي الرسومات والعملية عن قرب العالم الحقيقي.
وإن قوانين الحرب والقانون الإنساني الدولي تواجه تحديات ليس فقط عبر التكنولوجيا بل أيضاً من عبر عواصف تامة من التغيير الثقافي والجيوسياسي وإن العديد من الافتراضات العاملة التي ظلت مستقرة وشكلت دعامة لا جدال لها ولكنها حاسمة للقوانين والمعايير القائمة لم تعد مستقرة، وعلى الرغم من أن الأسلحة ذات الاستقلالية العالية لا تشكل بالضرورة تحديًا أساسيًا لقوانين الحرب التي يمكن للتكنولوجيات العسكرية الأخرى القيام بها لكن من الواضح أن البشر لا يلتزمون دائمًا بمتطلبات التمييز في القانون الدولي الإنساني، وإذا كان هناك تغيير في قواعد اللعبة العسكرية فمن المحتمل أن تكون هنالك ثورة في الأسلحة السيبرانية لتثير العديد من المسائل القانونية والاجتماعية المتداخلة.
ويشكل ذلك الاختلاط العالمي تحديات مثيرة للاهتمام لمجموعة من القوانين والممارسات التي نشأت في العالم المادي، ويبدو أن العديد من الدول تستخدم أطرافاً غير رسمية وغير وطنية لزيادة صراعاتها مع الآخرين فهل هذه الكيانات مسؤولة عن الامتثال للقانون الدولي الإنساني؟ أم أنها تخضع فقط للقانون المدني والجنائي المحلي؟؟ وما مدى فعالية ذلك؟؟؟
أن جوهر الحروب السيبرانية هو التوجس ولاسيما اختراق هوية الإنترنت وتحديد هوية المهاجمين لأن معظم مثل الهجمات تعتمد على خداع المعارضين لاستخدام البرمجيات الخبيثة وإنها قد تنتهك القانون الإنساني الدولي ضد الغدر، والأشكال التقليدية تعتبر الإحالة بها مشكلة خطيرة فيمكن لأمة أن تستجيب عند مهاجمتها مما يدفعنا للتركيز على المسائل القانونية التي تثيرها التقنيات العسكرية الناشئة والمدمرة وما يرتبط بها من تغيرات ثقافية وجيوسياسية في محاولة لمعالجة بعض القضايا القانونية ذات الصلة التي أثارتها الحروب السيبرانية ولكن العديد منها لا يزال من الصعب التعامل معه في القوانين ومن الصعب القول عندما يكون بلد ما قد تعرض للهجوم فعليًا إن ماهية المستوى المطلوب من إثبات هوية المهاجم تتم قبل اعتبار الاستجابة متوافقة مع قوانين الحرب، وعلى الرغم مما تقدم إلا أن الحدود التكنولوجية بأكملها تتحرك بحركة سريعة لا يمكن التنبؤ بها ويمكن حتى الطعن في القانون الدولي، وللتكنولوجيات العسكرية الجديدة آثار مؤسسية قصيرة الأجل وواضحة ولكن لديها أيضاً تأثيرات أطول أجلاً وأكثر أهمية على التنظيم والهيكل العسكريين، والآن لا يمكن للمرء أن ينظر إلى سرعة وحجم التغير التكنولوجي من دون أن يتساءل كيف سيؤثر ذلك ليس فقط على التنظيم العسكري ولكن على بنية المجتمع ذاته؟
من غير المحتمل إلى حد كبير أن تؤدي التأثيرات المأساوية للتكنولوجيات العسكرية الناشئة والسياقات المؤسسية والجيوسياسية المتغيرة لقوانين الحروب باعتبارها مجموعة من القوانين والمؤسسات والممارسات البالية غير أن التغييرات التكنولوجية الأساسية والواسعة الانتشار في جميع المجالات ستؤدي إلى زعزعة بعض الافتراضات الكامنة وراء قوانين الحرب لأن الحرب هي حركة حركية بطبيعتها وأن ساحة المعركة التي تحدث فيها واضحة ومحدودة فتظهر أيضًا على الأقل بعض التمزق لذا يبرز التساؤل حول هل يجب على المجتمع الدولي أن يكون عقائديا جدا؟ وافتراض أن الشرط الذي يدعى الحرب لا يزال منفصلا عن غيره وظروف متشابكة بشكل متزايد للصراع مثل الشرطة والعنف الإرهابي؟
وإن الاستخدام المتكامل لأنواع مختلفة جداً من المنظمات العسكرية والبوليسية والأستخبارية والمنظمات غير الحكومية، يجلب معايير مختلفة وهياكل قانونية مختلفة وينادي بوضوح الوضوح فيما يتعلق بما يمكن أن ينطبق والتي يحتاج إلى تحديث ليتناسب مع الظروف والوقائع. فلذا تشكل قوانين الحرب مجموعة من القوانين والأعراف والممارسات الرسمية وغير الرسمية التي تم تطويرها على مدى فترة طويلة مع التعليقات والمدخلات والثقافات، وستسمر الصراعات العسكرية التقليدية بين الدول وسيستمر معها الحكم عبر قوانين الحرب القائمة فما يبدو أنه مناسب لا يتمثل في رفض الجملة لقوانين الحرب ولا الافتراض المريح بأنه لا يلزم سوى إدخال تعديلات طفيفة عليها بل ينبغي إعادة النظر في هذه القوانين في حوار وطني ودولي متعمد ومركّز يشمل منظورات ثقافية ومؤسسية مختلفة، ليكون من المفيد إدراك أن فكرة الصراع المحدود جغرافيا مشكوك فيها في عالم من الإرهاب العالمي من غير الدول والشبكات السيبرانية العالمية التي من الواضح أنها ذات استخدام مزدوج، وان استراتيجيات الحرب غير المقيدة وأن المنظور الموجه نحو الدولة للقانون الإنساني الدولي الحالي غير كافٍ.
إن التحديات التي تواجه قوانين الحرب التي يفرضها التطور التكنولوجي والتغيرات الاجتماعية والجيوسياسية المرتبطة به هي ليست فريدة في هذا المجال، ولربما يتحدى علم الأعصاب قريبًا الافتراضات الإنسانية حول وجود أو عدمية وجود الإرادة الحرة، وربما يتزعزع الاستقرار بالأفكار المتعلقة بالمسؤولية القانونية والجنائية، ولربما يصبح الإنسان مساحة للتصميم بشكل متزايد وإن الحفاظ على الاستمرارية مع الاستجابة على نحو مسؤول وعقلاني وأخلاقي فذلك التغيير العميق وغير القابل للتنبؤ هو مهارة ولحد الآن لم يفلح البشر بأدراكها، فلذا يمكن النظر إلى تأثير التكنولوجيات الناشئة على قوانين الحرب كدراسة وفرصة تعلم للبشرية بينما هي وبذات الوقت تناضل من أجل التكيف مع التعقيد الذي تسببت به بالفعل !!!