أمريكا والإستراتيجية السيبرانية

د. ميثاق بيات ألضيفي

2018-12-26 06:51

كانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي بدأت في التعامل مع الأمن السيبراني كمهمة ذات أهمية استراتيجية وذلك لتفادي التهديد المتنامي للاقتصاد المعتمد وبشكل متزايد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مما أجبر الإدارة الرئاسية الأمريكية على العمل لتوفير الدفاعات السيبرانية وعلى إعادة تحديد مهمة ضمان أمن مرافق البنية التحتية الحيوية وكانت هناك حاجة إلى نهج متكامل فتمت صياغته في عام 2003 م بموجب إستراتيجية شاملة عرفت بأسم " الاستراتيجية الوطنية لحماية الفضاء السيبراني" ووفقاً لها تم توزيع المسؤولية عن ضمان أمن الفضاء السيبراني بين الوكالات والوزارات الاتحادية وأصبحت وزارة الأمن الداخلي بالولايات المتحدة هي السلطة المنسقة, ووفقاً لفحوى الإستراتيجية قامت وزارة الدفاع الأمريكية ووكالات إنفاذ القانون بتطوير أنظمة الكشف عن التهديدات والهجمات السيبرانية لضمان الاستجابة الفعالة في الوقت المناسب بينما تقوم وزارة الخارجية بتطوير التعاون في جميع قضايا الأمن السيبراني على الساحة الدولية وتشدد لحماية فضاءها السيبراني عبر الحاجة إلى محورة بيئة دولية متعاونة على الأقل فيما بين الدول التي تتقاسم رؤية مشتركة حول عدد من القضايا كالمعايير التقنية والمعايير القانونية المقبولة بشأن الولاية الإقليمية والمسؤولية السيادية واستخدام القوة. وبدأت في عام 2008م مرحلة انتقالية جديدة في تطوير نظام الأمن السيبراني وكان الهدف من ذلك هو القضاء على المشاكل السيبرانية المتأصلة في النظام وبدأ تنفيذها بشكل معدَّل ومعتدل قليلاً.

وما إن أعلنت الادارة الأمريكية أن أمن الفضاء السيبراني أحد أهم مهام الدولة حتى كان عليها مواجهة التحدي الآخر وهو تطوير الفرص الجديدة التي يوفرها الفضاء السيبراني لاستخدامها لأجل المصلحة الوطنية ولذا تم تطوير " استعراض سياسة الفضاء الإلكتروني " والتي لا تحتوي فقط على تحليل لنظام الأمن السيبراني الحالي وانما أيضًا على خطة لتحولها بهدف توفير دفاع إلكتروني أكثر ملائمة للولايات المتحدة وأُخذ الأساس الشامل لمبادرة الأمن السيبراني الوطني كأساس وتمت مراجعتها واستكمالها بشكل كبير باعتبارها واحدة من المشاكل الرئيسة وليتم تحديد التجزئة المستمرة لنظام الأمن السيبراني ولتوزيع المسؤوليات والمهام بين الوكالات والإدارات الاتحادية لتطوير النظام ولإنشاء موقف منسق سياسة الأمن السيبراني للدولة ما يسمى بالملك السيبراني.

واعتمدت الإستراتيجية على مبدأ التقييس والمبادئ التوجيهية العامة والتي بموجبها توجب على رأس المال الخاص ضمان أمنها السيبراني والتركيز على تطوير الإمكانات البشرية ومحو الأمية الحاسوبية للسكان لكن التحرك الأكبر لها كان عبر تطوير التعاون في قضايا الأمن السيبراني على المستوى الدولي والذي أصبح العنصر المركزي لسياستها وضع" الاستراتيجية الدولية للفضاء السيبراني" في عام 2011م لإنشاء منصة موحدة للتفاعل الدولي بشأن قضايا الفضاء الإلكتروني لتعزيز سياسة الأمن السيبراني وإنشاء منصب منسق كبير على الإنترنت في وزارة الخارجية الأمريكية وكانت إحدى السمات المثيرة للاهتمام فيها هي ما يسمى "بناء القدرات" أي تقديم المساعدة إلى البلدان النامية من خلال توفير الموارد والمعارف والأخصائيين اللازمين بما في ذلك إعداد استراتيجيات الأمن السيبراني الوطنية.

لقد أصبحت الاستراتيجية الجديدة استمراراً منطقياً لسياسة السنوات الأخيرة وأول شيء يجذب الانتباه فيها هي تشكيل صورة تهديد خارجي للحرية والديمقراطية والتركيز على ضمان السلام بالقوة وإن إدارة مخاطر الأمن السيبراني لتحسين موثوقية واستدامة نظم المعلومات بما في ذلك المواقع الحساسة هي الهدف الرئيسي للدعامة الأولى في الاستراتيجية الجديدة التي تركز بضراوة على تحسين الأمن السيبراني في مجال النقل والبنية التحتية البحرية وكذلك في الفضاء ومع كل تحديث جديد لهذه القطاعات تصبح أكثر عرضة للهجمات السيبرانية ومن الأمور التي تثير القلق بشكل خاص سلامة النقل البحري إذ قد يؤدي التأخر في النقل أو إلغائه إلى تعطيل أداء الاقتصاد على المستويات الاستراتيجية وردا على ذلك توجب على الادارة الأمريكية تقسيم وتفعيل الأدوار والمسؤوليات الضرورية وتشجيع وتحسين الآليات المحفزة للتعاون الدولي وتبادل المعلومات والعمل على بلورة جيل جديد نابضا من البنية التحتية البحرية التي تقاوم التهديدات السيبرانية. ولذلك تعتبر الولايات المتحدة الوصول بحرية دون عوائق وحرية العمل في الفضاء عنصرا حيويا في ضمان أمنها وازدهارها الاقتصادي كما وتعتبر ايضا إن الأصول الفضائية والبنية التحتية الداعمة مهمة للغاية في مجالات الملاحة والاستطلاع والمراقبة والاتصالات والرصد, كما وانها تهدف إلى تكثيف الجهود لحماية الأصول الفضائية الحالية والمستقبلية ودعم البنية التحتية من التهديدات الإلكترونية المتطورة عبر التفاعل مع الصناعة والشركاء الدوليين.

ومن العناصر المهمة الأخرى في السياسة الموضحة في الاستراتيجية الجديدة هي تحديث التشريعات في مجال المراقبة الإلكترونية والجريمة الحاسوبية ومن المتأمل امريكيا تحديث التشريعات المتعلق بها لتوسيع قدرة وكالات إنفاذ القانون على جمع الأدلة اللازمة عن النشاط الإجرامي بصورة قانونية وإجراء مزيد من إجراءات التحقيق والقضاء التنفيذية وقد يتم جمع المعلومات الضرورية عن ذلك خارج اراضي الولايات المتحدة, ويتم التركيز بشكل كبير على الاستراتيجية على الإجراءات التي من شأنها أن تسهم في توسيع النفوذ الأمريكي في العالم وأحد هذه المجالات هو تطوير قدرات البلدان الشريكة لمواجهة الجريمة السيبرانية لتطوير التعاون الدولي في مجال مكافحة الجريمة السيبرانية وتطوير آليات متوافقة ومتبادلة المنفعة التي من شأنها تسهيل تبادل المعلومات وتعزيز استخدام الصكوك الدولية القائمة واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وشبكة مجموعة السبعة ومراكز الاتصال التي تعمل على مدار متواصل، فإن الإدارة الأمريكية ستعمل على توسيع الإجماع الدولي لصالح الاتفاقية لتوسيع نفوذها وتعزيز التكنولوجيات الجديدة وتقديم المشورة بشأن نشر البنية التحتية وإدارة المخاطر والسياسات والمعايير لتوسيع تغطية الإنترنت والبرمجيات والأمن والاستقرار وإدخال معايير الخارجية الدراية والأمن السيبراني والتطورات التقنية الوطنية لا يمكن أن يؤدي إلا إلى فقدان السيادة التكنولوجية في هذا المجال الهام.

وتدرك الادارة الأمريكية أن الفضاء السيبراني سيغير ميزان القوة الإستراتيجي وإن الفرص فيه سينظر إليها على أنها مرتبطة بعناصر أخرى من القوة الوطنية وبحملات الدعاية الخبيثة وحملات التضليل، وكانت قد أجرت وزارة الدفاع الأمريكية مراجعة شاملة للاستراتيجية العسكرية في مجال الفضاء السيبراني وإمكانيات وكانت النتيجة ظهور استراتيجية سيبرانية جديدة لوزارة الدفاع تداخل العديد من عناصرها مع "استراتيجية الإنترنت الوطنية" لتسريع تطوير القدرات السيبرانية الهادفة للقيام بعمليات قتالية مع الجهات الفاعلة الخبيثة في الفضاء السيبراني، ولذلك تركز استراتيجيات الأمن السيبراني الجديدة على تعزيز القوة وزيادة تأثير وتعزيز مصالح الولايات المتحدة في الساحة الدولية وفيما يتعلق بقواعد السلوك في الفضاء السيبراني التي طورتها مجموعة الخبراء الحكوميين للأمم المتحدة فستقوم بتعزيز هذه المعايير واستخدامها لمصلحتها. فلا تحدد الاستراتيجية خطط إنشاء آليات قانونية دولية بما يمكن أن تقوم بشكل مستقل وموضوعي وبكفاءة إجراء تحقيق مشروع واتخاذ قرار محكم بشأن الأعمال الكيدية في بيئات سيبرانية مما يعني أن الجناة السيبرانيين المزعومين معروفون بالفعل غير انهم لا يخضعون لأية شكوك, كما لا تشير تلك الاستراتيجية إلى كيفية التغلب على الوضع الحالي للأزمات, لذا لابد أن نوضح بأن الانقسام بين الرؤية السيبرانية المؤيدة لأمريكا والرؤيا المؤيدة لاقرانها لا ينمو إلا نتيجة لما قد يؤدي ذلك إلى تجزئة المواجهات السيبرانية بينهما ويوزعها بين بيئات التكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإنترنت.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي