كيف حقق جيل الإنترنت مكاسب كبيرة؟
هل مواليد الألفية الجديدة هم الجيل الأكثر ثراء؟
بي بي سي عربي
2018-12-22 04:05
أمضى روبير علام طفولته بين لبنان واليونان قبل أن ينتهي به المقام في المملكة المتحدة، وهو اليوم في الثانية والثلاثين من عمره.
وحين قدم إلى لندن أول مرة عام 2006 كان ذلك بهدف الالتحاق بالجامعة، وقد حصل على درجة الماجستير في الهندسة العمرانية من جامعة إيست لندن.
ورغم أنه قصد لندن أيضا للبحث عن عمل أفضل، إلا أنه وجد نفسه بلا وظيفة، إذ تخرج في فترة شهدت كسادا عالميا وشحا في الوظائف في مختلف المجالات.
وكان أبناء جيل الألفية أكثر المتضررين من الأزمة المالية عام 2008، إذ ضخت الجامعات خريجيها في سوق عمل استغنى عن 30 مليون شخص آخرين في الفترة ما بين 2007 و2010.
وشغل 43 في المئة من الخريجين الجدد في الولايات المتحدة وظائف لا تتطلب دراسة جامعية، فأمضى أبناء ذلك الجيل السنوات العشر التالية في محاولة للحاق بالركب على خلفية التقشف المالي.
وبينما كان علام يبحث عن عمل بعد تخرجه عام 2013 في لندن، بدأ ينشط على موقع "ريديت" لكن باسم مستعار هو "غالوبوب".
ويأتي موقع ريديت في المركز الثامن عشر حاليا على قائمة أشهر المواقع عالميا، وفيه وجد العاطلون من أبناء الألفية ساحة للتنفيس عن إحباطهم مستغلين قدرتهم في التواصل عبر الإنترنت.
ولا يزال علام (أو المستخدم "غالوبوب") من بين أنشط المشاركين وأشهرهم على ذلك الموقع، إذ سرعان ما تنتشر مشاركاته آنيا حتى تتصدر صفحة ريديت بشكل شبه يومي. وبعد خمس سنوات استفاد علام من نجاحه على هذا الموقع في كسب الرزق، كمسؤول للتسويق بشركة "سبلود" الرقمية، وكقائم على محتوى موقع "بورد باندا".
ويقول علام: "نعتمد على الكثير من التقنيات والمنتديات دائمة التطور".
ويتيح موقع ريديت مساحة حرة للمستخدمين لتبادل المشاركات والإبداع واختيار الأبرز منها لتتصدر الموقع استنادا على مستوى القبول لدى الجمهور، وأحيانا تعبر الصور والفيديوهات الساخرة التي يتبادلها المشاركون عن مزاج عام من الإحباط والسخرية جراء البطالة والعناء الاقتصادي.
وقد أصبحت طريقة التعبير هذه وسيلة سريعة وسهلة للكشف عما يعتمل داخل صدور أبناء هذا الجيل، وسلاحا لدحض الصور النمطية السائدة لدى الجيل الأكبر سنا الذي يعتبر أبناء جيل الألفية كسالى ولا يكفون عن المطالب. لكن هؤلاء الشباب تمكنوا من مشاطرة خبراتهم معا في أرجاء المعمورة كافة.
وقد ظهرت العديد من التعبيرات الساخرة التي تتناول واقع الكساد الاقتصادي، وقد تأسست من خلال صور وكلمات قليلة لمجتمع جديد يصفه علام بأنه مجتمع من "المكتئبين الذين اصطفوا معا للتعبير عن خبرات هم أدرى بها".
وسعى مبتكرو مثل هذه التعبيرات إلى السخرية من وضع التقشف الاقتصادي، والتواصل السريع مع غيرهم تنفيسا عما يشعرون به من إحباط دون أن يقف المكان حاجزا أمامهم، نظرا لاشتراكهم في نفس الواقع.
وخلال الأزمة المالية نقلت تلك التعابير الساخرة قلق العالم إزاء المستقبل، وخاصة بالنسبة للشباب الذين وجدوا في الإنترنت وسيلة لبحث قضاياهم بشكل فوري.
ويقول ميشيل كوشا، الأستاذ المساعد لتكنولوجيا المعلومات بجامعة كوبنهاغن، إن السبب وراء انتشار تلك التعابير الساخرة على شبكات التواصل هو سرعة تناقلها والتعليق والتفاعل معها، ويضيف: "تجد التعابير الساخرة في شبكات التواصل وسطا مواتيا يسهل ابتداعها والتجاوب معها فورا".
في البداية كانت تلك التعابير نوعا من الطرف كأن تشتمل على صور لحيوانات أليفة، ولكن حين وجد العالم المتقدم نفسه في أسوأ ركود خلال فترة طويلة تحولت دفة الإنترنت للإعراب عن الإحباط والرأي المغاير.
ويقول كوشا: "شكلت بيئة التقشف تربة خصبة جدا لنوع من التعبير يقبل الشطط، وكلما زاد الشطط زاد الإبداع وزاد جذب الانتباه".
وبدلا من التعابير الأليفة التي كانت تشمل استخدام النكات، وصور القطط مثلا، تكيفت مواقع التواصل مع الواقع العالمي الجديد لتصبح أكثر حدة، معربة عن مزاج الإحباط الجمعي لجيل الألفية.
ويضيف كوشا: "تنحاز هذه المواقع إلى المحتوى، فكلما تميز في الإبداع والتنوع، زاد انتشاره".
ومع ازدهار التعابير والصور الساخرة المتعلقة بالتقشف، استهدف مبتكروها الواقع المالي العالمي بسبل غير مألوفة، وتفاعلوا فيما بينهم للتهكم على صناعة الخدمات المالية، من قبيل "مساكين البورصة" و"الغراب الغني" ساخرين من نخبة الواحد في المئة في العالم الذين لم يمسهم التقشف بسوء.
وبدلا من المرح البريء، جعل الركود الاقتصادي من تلك التعابير ظاهرة عالمية تلقائية التوالد، ويقول كوشا: "لم تشهد الفترة قبل 2007 ذلك، ولكن بعدها أصبح هناك الكثير من الحوارات الداخلية على الإنترنت لتحل محل صور القطط والكلاب".
وسيلة للتكيف مع الواقع
وبعد مضى نحو عقد من سياسات التقشف والركود العالمي، ومع بدء انتعاش بعض الاقتصادات العالمية من كبوة 2008، مازال كثير من الشباب المتعلم يلهث للحاق بما فاته، ومنهم مَن يسعى لاستكشاف آفاق جديدة للعمل والأمن الوظيفي.
وفي بعض البلدان، كاليونان، تنتشر البطالة بين الشباب بمعدلات مازالت قياسية، وبالتالي لم تطو شبكة الإنترنت صفحة تلك التعابير والصور الساخرة.
وفي سبتمبر/أيلول أثار حساب يحمل اسم (Steak-umm) على موقع تويتر ضجة بنشره رسم يضم ست متواليات تعبر عن قلق الشباب ويأسه، وبدلا من التراجع، قررت الجهة المسؤولة عن هذا الرسم الثبات على موقفها ودعم من عبر عنه من الشباب.
ويعمل نيثان ألينباك، 27 عاما، منسقا للتواصل الاجتماعي عبر هذا الحساب الجريء على موقع تويتر، وقد عبرت مشاركته عن خيبة أمل الشباب ومخاوفهم. ووسط ما أحدثه من جلبة، وجد الكثير ممن امتدحوه.
ويقول ألينباك: "الناس بحاجة ماسة لمن يتواصل معهم ويشعر بهم، هم كالغريق الذي يريد أن يتنفس بأي شكل والتواصل هو متنفسه".
في خضم هذه الأزمة الاقتصادية، أتاحت تلك التعابير لجيل محروم الشعور بتضامن من نوع ما، وكان لهذه التعابير ببساطتها التي قد تصل إلى حد التفاهة أن تصل إلى القاصي والداني.
هل مواليد الألفية الجديدة هم الجيل الأكثر ثراء؟
إذا كان جيل الطفرة السكانية من مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية الذين ولدوا بين عامي 1946 و1964 هو الجيل الأغنى على الإطلاق، فإن جيل الألفية الجديدة يجب أن يكون ثرياً بالوراثة. ربما تكون هذه القاعدة صحيحة، لكن الواقع أكثر تعقيداً، إذ يواجه جيل الألفية عقبات مالية كبيرة.
إننا دائما ما نسمع أن جيل الألفية غير قادر على سداد قروض الدراسة التي وصلت إلى مبالغ غير مسبوقة، والتي يُتوقع أن ترتفع إلى ما يزيد عن تريليون جنيه استرليني في المملكة المتحدة على مدى السنوات الخمس والعشرين القادمة. ويجد هذا الجيل أيضا صعوبة في دفع إيجار المسكن مع ارتفاع تكاليف المعيشة وتدني الأجور على مستوى العالم. ويعني هذا أن الثراء الموروث من جيل سابق بات في تناقص، وأن جيل الألفية يعيش وضعاً مالياً أسوأ ممن سبقه.
ومع ذلك، لم يكن هذا الأمر غريبا، فنحن نعرف منذ سنوات أن الأزمة المالية التي شهدها العالم عام 2008 قد أثرت بشكل كبير على جيل الألفية، إذ تخرج الكثير منهم ليجدوا أمامهم اقتصاداً عالمياً مضطرباً وغارقاً في المشاكل. وماتزال بعض البلدان تجد صعوبة في التعافي من آثار هذه الأزمة حتى اليوم، فالنمو البطيء للأجور وارتفاع تكاليف المعيشة وعدم توفر مدخرات التقاعد يعني أن جيل الألفية سيظل يعاني من صعوبات مالية حتى يصل إلى سن التقاعد، إذا كانت الحياة ستسمح لهم بالتقاعد عن العمل من الأساس!
وقد تنبأ المنتدى الاقتصادي العالمي أنه بحلول عام 2050 - عندما يكون جيل الألفية في أسواق التقاعد الثمانية الكبرى قد بدأ في التقاعد - سيصل العجز في ادخارات التقاعد إلى 427 تريليون دولار، وهو ما يساوي ستة أضعاف العجز في عام 2015 والذي بلغ 67 تريليون دولار.
وعلى عكس جيل الألفية، يعتبر جيل ما بعد الحرب العالمية هو الجيل الأكثر ثراءً في التاريخ، وسيبقى كذلك حتى عام 2030 تقريباً.
وطبقاً لتقرير انتقال الثروة الصادر عن بنك "رويال بنك أوف كندا"، عندما ينقل من ينتمون لهذه المجموعة أرصدتهم المالية إلى أعضاء أصغر سناً في العائلة فإن المحللين يتوقعون أن يتركوا أربعة تريليون دولار من الثروة إلى جيل الألفية في المملكة المتحدة وشمال أمريكا وحدهما. وستُمكن هذه "الطفرة الإرثية" جيل الألفية الذين لديهم في عائلاتهم أفرادا من جيل الطفرة السكانية من تلقي مبالغ مالية ضخمة.
إذا، هل الحل لمشكلة جيل الألفية المالية هو انتظار موت جيل الطفرة السكانية الأكثر ثراءً ومن ثم الحصول على أرصدتهم؟
هذا ما يراه بول دونوفان، رئيس إدارة الثروات ببنك "يو بي إس" والاقتصادي العالمي الذي تنبأ في وقت سابق من هذا العام بأن جيل الألفية سيصبح عملياً أغنى جيل في التاريخ. وفي حديثه لموقع "بزنس إنسايدر"، قال دونوفان إن الثروة لا تتبخر من الاقتصاد. وطالما أن جيل الطفرة السكانية أكبر من جيل الألفية فهذا يعني بكل بساطة أن عددا أقل من الناس سوف يحصلون على كمية أكبر من الثروة.
كله في العائلة
لكن موريتز سكولاريك، أستاذ الاقتصاد في جامعة بون بألمانيا، يرى أن الأمر ليس بهذه السهولة، ويشير إلى أن نموذج انتقال الثروة بين الأجيال والذي يصبح فيه جيل الألفية أغنى جيل عرفناه حتى الآن هو نموذج لا ينطبق إلا على واحد في المئة فقط على مستوى العالم.
ويقول: "ينطبق ذلك على أصحاب الثروات الطائلة التي لا تنضب مهما أنفقوا منها. لكن الناس العاديين، والنماذج الاقتصادية المعتادة، فإنهم على الأرجح يدخرون أموالهم لوقت تقدمهم في السن لكي يستخدمون مدخراتهم وثرواتهم عندما لا يكون لديهم دخل. وفي نهاية حياتهم يتبقى بعض الميراث، لكن ليس بالشيء الكثير".
ويتفق مع هذا التحليل لويل ريكيتس، محلل بارز في مركز سانت لويس للاستقرار المالي العائلي التابع للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والذي يرى أن نسبة ضئيلة فقط من جيل الطفرة السكانية هي التي ستنقل للأجيال التالية "كميات كبيرة من الثروة". (تشير إحصائيات وأرقام شهر يونيو/حزيران 2018 من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى أنه خلال الفترة بين عامي 1995 و2016 فإن اثنين بالمئة فقط من التركات بلغت مليون دولار أو أكثر. لكن هذه الأموال تشكل ما يزيد عن 40 بالمئة من الثروات المنقولة).
ومع أن بعض الأرصدة بطبيعتها تحافظ على قيمتها أو حتى تزيد، يرى ريكيتس أننا لا نستطيع التسليم بأن جيل الطفرة السكانية سيحتفظ بالثروة حتى يتم توريثها. ويقول: "قد يضطر الشخص إلى بيع المنزل والأرض التي بني عليها عندما يصل إلى سن التقاعد من أجل الحفاظ على مستوى المعيشة. لذلك، حتى لو لم تختف هذه الأرصدة من الاقتصاد، فربما لا يتم الاحتفاظ بها وتوريثها".