تجار ومُدمِنو شبكات التواصل الاجتماعي
بروجيكت سنديكيت
2018-01-28 04:00
ROGER MCNAMEE
نيويورك – لا أحد يستطيع القول إنه لم يتم تحذيرنا. كتب الرأسمالي الجريء ومؤسس شركة "نيتسكيب" مارك أندريسن، مقالا مقروءا على نطاق واسع في عام 2011 بعنوان "لماذا تتحكم البرمجيات في العالم". لكننا لم نأخذ مقال أندريسن على محمل الجد، معتبرين إياه مجرد استعارة. ونحن نواجه اليوم تحدي إخراج العالم من فكي احتكار برامج الانترنيت.
لقد كنتُ متفائلا بشأن التكنولوجيا. خلال 35 عام من الاستثمار في أهم وألمع الشركات الالكترونية في منطقة سيليكون فالي، كنت محظوظا بما فيه الكفاية لكوني جزءا من الكمبيوتر الشخصي، والاتصالات المتنقلة، والإنترنت، وصناعات الشبكات الاجتماعية. لقد كنت من أوائل المستثمرين في جوجل والأمازون، وكنت أستاذ مؤسس الفيسبوك مارك زوكربيرج من عام 2006 إلى عام 2010.
وزادت كل موجة جديدة من التكنولوجيا في رفع الإنتاجية والوصول إلى المعرفة. وكان كل برنامج جديد أسهل للاستخدام وأكثر ملاءمة. وقامت التكنولوجيا بتعزيز العولمة والنمو الاقتصادي. وعلى مدى عقود، جعلت العالم مكانا أفضل. وكنا نأمل أن يستمر ذلك.
وبعد عام 2016، تم الكشف عن جانبين مظلمين للإنترنت. أحدهما مرتبط بالمستخدمين الفرديين. وأنشأت الهواتف الذكية مع البنية التحتية المتنقلة الطويلة الأمد أول منصة لتسليم المحتوى، والذي كان متاحا في كل لحظة استيقاظ، كما عملت على تغيير صناعة التكنولوجيا وحياة ملياري مستخدم. مع غياب الرقابة التنظيمية في معظم أنحاء العالم، استخدمت شركات مثل الفيسبوك وجوجل والأمازون وأليبابا وتينسنت التقنيات المشتركة في الدعاية ونوادي القمار، مثل الإشعارات المستمرة والمكافآت المتغيرة، لتعزيز الإدمان النفسي.
الجانب المظلم الآخر له طابع جيوسياسي. في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وآسيا، تُمكن برامج الإنترنت، وخاصة موقع الفيسبوك، الأقوياء من إلحاق الأذى بالضعفاء في مجال السياسة والسياسة الخارجية والتجارة. وقد أظهرت الانتخابات في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة مرارا وتكرارا أن الشبكات الاجتماعية الآلية يمكن استغلالها لتقويض الديمقراطية.
وكشف الاستفتاء حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016 أيضا أن الفيسبوك يوفر مزايا نسبية كبيرة للرسائل السلبية أكثر من الرسائل الإيجابية. ويُمكن للحكومات الاستبدادية استخدام الفيسبوك لتعزيز الدعم الشعبي للسياسات القمعية، كما يحدث الآن في ميانمار وكمبوديا والفلبين وأماكن أخرى. وفي بعض الحالات، يوفر الفيسبوك الدعم لهذه الحكومات بالفعل، وكذلك بالنسبة لجميع العملاء المهمين.
أنا واثق من أن مؤسسي الفيسبوك وجوجل وغيرها من مواقع الإنترنت الرئيسية لم يرغبوا في إلحاق أي ضرر حين اعتمدوا نماذج أعمالهم. كانوا رجال أعمال شباب، يسعون لتحقيق النجاح. لقد أمضوا سنوات في جمع جماهير ضخمة من خلال إعادة تنظيم العالم عبر الإنترنت عن طريق مجموعة من التطبيقات التي كانت أكثر شخصية وملاءمة وأسهل استخداما من سابقاتها. ولم يبذلوا أي محاولة لتحقيق الدخل مقابل جهودهم حتى بعد مرور فترة طويلة على استعمال المستخدمين لهذه المواقع. وقد تم تعزيز نماذج الأعمال الإعلانية التي قاموا باختيارها من خلال التخصيص، مما مكن المعلنين من استهداف رسائلهم بدقة غير مسبوقة.
وبعد ذلك جاء الهاتف الذكي، الذي غير جميع وسائل الإعلام وجعل الفيسبوك، وغوغل، والمواقع الأخرى تتحكم في المعلومات التي تصل إلى المستخدمين. ومن شأن الفلترات (المصفيات) التي تلبي حاجيات المستخدمين استقطاب السكان والقضاء على شرعية المؤسسات الديمقراطية الأساسية (أبرزها الصحافة الحرة). لكن الأتمتة التي جعلت مواقع الإنترنت جد مربحة تركتها عرضة للتلاعب من قبل الجهات الفاعلة المؤذية في كل مكان - وليس فقط الحكومات الاستبدادية المعادية للديمقراطية.
وكما حذرنا أندريسن، هذه الشركات، مع طموحها العالمي، تحكم الاقتصاد العالمي. وفي هذه الأثناء، تتبنى إصدارات من فلسفة شركة الفيسبوك - "التحرك بسرعة وكسر الرموز" - دون النظر إلى مدى تأثير ذلك على الناس والمؤسسات والديمقراطية. وهناك أقلية كبيرة من المواطنين في العالم المتقدم تسكن في الفقاعات التي أنشأتها هذه البرامج - حقائق رقمية كاذبة تجعل المعتقدات القائمة أكثر جمودا وتطرفا.
وفي الولايات المتحدة، لم يعد ما يقرب من ثلث السكان البالغين يتأثر بالأفكار الجديدة، بما في ذلك الحقائق التي يمكن إثباتها. اٍنه من السهل التلاعب بهؤلاء الناس، وهو مفهوم يدعوه عالِم الأخلاق ومصمم غوغل السابق تريستان هاريس "بقرصنة الدماغ".
إن الديمقراطيات الغربية غير مستعدة للتعامل مع هذا التهديد. ليس لدى الولايات المتحدة إطارا تنظيميا فعالا لبرامج الإنترنت، كما تفتقر إلى الإرادة السياسية لإنشاء برنامج مماثل. ولدى الاتحاد الأوروبي إطار تنظيمي وإرادة سياسية ضرورية، لكن ذلك لا يكفي لمواجهة هذا التحدي. وكان القرار الذي أصدره الاتحاد الأوروبي مؤخرا ضد غوغل - وهو رقم قياسي قيمته 2.7 مليار دولار للسلوك المناهض للمنافسة - قرار صائبا، لكنه غير كافي. واعترضت غوغل على هذا القرار، لكن مستثمريها تجاهلوه. قد تكون بداية جيدة، لكن من الواضح أنها غير كافية.
نحن نمر بمرحلة حاسمة. لقد زاد الوعي بالمخاطر التي تشكلها برامج الإنترنت، لكن المنتجات المناسبة والإدمان النفسي عليها قد يستغرق جيلا من أجل إحداث تغيير من جانب المستخدمين، تماما مثل حملات مكافحة التدخين. إن الاٍعتراف بالأثر المدمر لاحتكارات البرامج على المنافسة والاٍبتكار أكبر في أوروبا مما هو عليه في الولايات المتحدة، لكن لم يستطع أحد إيجاد إستراتيجية تنظيمية فعالة. كما أن الوعي بأنه من السهل التلاعب بهذه البرامج من أجل تقويض الديمقراطية آخذ في الازدياد، لكن الحكومات الغربية لم تجد بعد حلا لهذا المشكل.
وتتطلب التحديات التي يفرضها احتكار برامج الإنترنت نهجا جديدا يتجاوز إنفاذ مكافحة الاحتكار. يجب مواجهة هذه التحديات باعتبارها تهديدا للصحة العامة، وذلك من خلال التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي تماما كما نتعامل مع الإدمان على التبغ والكحول، اعتمادا على التعليم والقانون.
في إطار اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، يجب أن يشكل تهديد احتكار برامج الإنترنت مصدر قلق كبير للحاضرين. من أجل استعادة التوازن في حياتنا والأمل في سياستنا، حان الوقت لتعطيل هذه البرامج المزعجة.