الدولة بين منهج الإمام الحسين (ع) ومعاوية
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2016-11-14 10:21
تقوم نظرة معاوية لبناء الدولة على الرأي الأحادي، متمثلا في رأي قمة الهرم السلطوي المتجسِّد بشخصيته، وهذا يعني أن معاوية بنى الدولة على أساس مبدأ الاستبداد والاستئثار بالسلطة، ووضعَ المصلحة الفردية والعائلية في المرتبة العليا من أهدافه، حتى خالف بذلك منهج الشورى الذي قام عليه النظام السياسي لدولة المسلمين، فجاء معاوية بمنهج جديد لبناء الدولة ينحو إلى تهديم الأسس القوية التي وضعها النبي محمد (ص)، والتي من أهم مقوماتها مبدأ الشورى في نظام إدارة السلطات.
هذا الانحراف في إدارة دولة المسلمين الذي تسبب به معاوية وحكومته، جعل الإسلام في مفترق طرق، فأما يمضي وينمو ويتصاعد قُدُما في طريق الانحراف، وأما يظهر قائد معارض يعيد الأمور الى نصابها ويدفع في الإسلام بالاتجاه الصحيح، وكان هذا الثائر هو سليل بيت النبوة، الإمام الحسين (ع)، فعندما رأى ما تتعرض له دولة المسلمين من مخطط خبيث، ولاحظ الخطر العظيم الذي يداهم الإسلام، قرّر أن يعيد الأمور الى الجادة الصواب، ومن يكون لها غير العظماء؟؟.
وهكذا حذّر الإمام الحسين معاوية من منهجه المنحرف في إدارة الدولة، كما نلاحظ ذلك في ما جاء بكتاب الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، الموسوم بـ (الحسين مصباح الهدى)، إذ قال سماحته:
(لقد كان معاوية مصداقاً ظاهراً للحاكم المستبدّ الذي جمع مختلف السلبيّات ولقد قال فيه الإمام الحسين عليه السلام: أمّا بعد يا معاوية... لقد فضّلتَ حتى أفرطْتَ واستأثرْتَ حتّى أجْحَفْتَ).
إن مفردة (فضّلتَ) تعني هنا أن معاوية أفرط في تفضيل ذاته وابنه يزيد، وذويه، وحاشيته، وجعلهم أعلى بدرجات من عامة المسلمين لدرجة الإفراط، فضلا عن استئثاره بالسلطة ومزاياها من دون وجه حق، تاركا عامة المسلمين في حالات الحرمان والجوع والعوز بسبب حرف منهج الإسلام والدولة من سياسة الجماعة الى سياسة الفرد.
القصاص الذي يطول المستبدّين
لم يذكر لنا التاريخ بمراحله كافة، القديم والأوسط والمنظور وحتى القريب منه، أن حاكما مستبدا تمكن من الإفلات بعيدا عن العواقب التي غالبا ما تكون بانتظاره، وهي عواقب وخيمة تتناسب وحجم الإجرام الذي يرتكبه بحق أمته وشعبه، ومن بين هؤلاء الحكام المستبدين معاوية الذي كرّس جميع قدرات الإسلام والمسلمين ودولتهم لمصلحته الشخصية والعائلية، فكان القصاص حاضرا بقوة.
أما أسباب القصاص فهي كثيرة، منها أخذه للناس بسوء الظن، وقتله أولياء الله على تهمة باطلة، أو نفيهم من ديارهم الى الغربة، ثم إجباره للناس على مبايعة غلام (وهو ابنه يزيد) يتعاطى الشراب ويلاعب الكلاب، مخالفا منهج الإسلام والمسلمين، فكيف يكون قائدا لهم وهو لا يليق بقيادة فرد، متمثلا بشخصيته المنحرف.
يورد لنا الإمام الشيرازي قولا للإمام الحسين (ع) حول هذا الموضوع جاء فيه: (قال الإمام الحسين عليه السلام: فأبْشِر يا معاوية بالقصاص.. وليس اللّه بناس لأخذك بالظنّة وقتلك أولياءه على التهمة ونفيك أولياءه مِنْ دورهِم إلى دار الغُرْبَة وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ما أراك إلاّ قد خسرْتَ نفسكَ).
إن معاوية الذي بنى دولة المسلمين وفق منهج الاستبداد، يمثل درسا بالغ السلبية في إدارة الدولة، على قادة المسلمين الجدد أن يتجنبوا هذا المنهج، لاسيما أننا جربنا الاستبداد في تاريخنا المعاصر، وهذا يعني أن نموذج معاوية كان حاضرا في معظم الأنظمة السياسية التي قادت الدول الإسلامية والعربية، كما لاحظنا ذلك في أنظمة الانقلابات العسكرية والسيطرة على الحكم بالقوة بعيدا عن الشرعية التي يمنحها الشعب للحكومة عبر الانتخاب.
إن إقامة حكومة الشعب ترفض الاستبداد، وتستدعي مقومات معروفة ترفض السيطرة على الحكم بالقوة، لاسيما أن القائمين بالانقلاب هم أشخاص يفتقرون للكفاءة غالبا، ولا يتحلّون بالخبرات السياسية التي تؤهلهم لقيادة الدولة وإدارة شؤون الشعب بصورة صحيحة.
يقول الإمام الشيرازي حول هذا الجانب تحديدا: (إذا توفّرت الحركة الإسلامية الصحيحة ذات الصبغة الجماهيرية الواسعة، ووعى الشعب خيره من شرّه، يمكنه إقامة حكومة الشعب التي تقوم بالقضاء على الانقلابات العسكرية، التي هي ليست إلاّ عبارة عن تآمر جماعة من فاقدي الكفاءات بتخطيط من الكفّار والأجانب، للقفز على الحكم، ثم لا يكون شأنهم إلاّ سفك الدماء ومصادرة الأموال وملء السجون وجعل البلاد نهباً للأجنبي الشرقي والغربي).
حكومة الشعب والمنهج ألتعددي
حكومة الشعب كما يراها الإمام الشيرازي هي نقيض المنهج الأحادي في إدارة شؤون الدولة، كونها تقوم على المنهجية التعددية التي لا تكرّس السلطة وإمكانياتها في فرد واحد، بل تعتمد مبدأ توزيع القوى والإمكانيات والثروات ومصادر القوة باختلاف أنواعها وأحجامها، استنادا إلى مبدأ التعددية في جميع مجالات الحياة، لذلك يرفض سماحته الاستحواذ على السلطة عن طريق الوراثة، فهذا الأسلوب لا يختلف عن أسلوب الانقلاب من حيث الوصول إلى الحكم بطريقة الالتفاف على إرادة الشعب.
وغالبا ما تمهد حكومة الوراثة الزائلة سبل السيطرة لحكومة الوراثة التي تليها، إنه تغيير في الأسماء والوجوه لا أكثر، أما طبيعة النظام السياسي سوف تبقى قائمة نفسها، والهدف الأهم لحكومات الوراثة هي الحفاظ على مصالح رموز الحكومة السابقة التي مهّدت لها السبيل كي تصل الى سدة الحكم بعيدا عن رأي الشعب بها.
أما رؤية الإمام الشيرازي لحكومة الشعب، فإنها تقوم على ما يلي: (القضاء على الحكومات الوراثية، والوصائية، حيث تمهّد الحكومة السابقة جوّاً من الدعاية لما تريده من حكومة مستقبلة ليس همّها إلاّ حفظ مصالح السابقين، فإنّ كلّ هذه الحكومات الانقلابية والوراثية والوصائية لا تكون إلاّ في جوّ فقدان الوعي وعدم وجود حركة إسلامية صحيحة تقف بالمرصاد لكل محاولة لانتزاع السلطة من الأمّة).
إذاً لا يمكن للأنظمة الوراثية والانقلابية أن تستمر إلا عندما يكون وعي الشعب متدنيا، وتكون الحركة الإسلامية غير قادرة على المسك بزمام المبادرة بسبب ضعفها، لذلك ثمة مقومات أخرى تدعم حكومة الشعب وتجعل من نظامها السياسي بعيدا عن الاستبداد الذي كرّسه معاوية في نظام حكمة الأموي الوراثي الذي تناقله الحكام الأمويون عبر الوراثة بعيدا عن شرعية الشعب الذي هو مصدر السلطات الأوحد.
من هنا يهدف النظام ألتعددي الى توزيع القدرات والفرص والموارد على أكثر من جهة أو مؤسسة أو فرد، لأن التعددية ترفض تكريس القدرات في بؤرة واحدة مهما كان نوعها، كأن تكون حزبا أو كتلة أو جماعة أو شخصا واحدا، بل تهدف الى جعل الجميع يشاركون في إدارة هذه القدرات والموارد وفق نظام واضح مخطط له جيدا ومتفق عليه شعبيا، وهذا يستدعي تطبيق النظام ألعددي وفق الدستور والضوابط القانونية السارية التي تضبط العلاقة بين السلطة والشعب، وهو نظام قامت عليه دولة المسلمين العظمى إبان قيادة الرسول الأكرم محمد (ص)، وهي الدولة التي تنكّر لها نظام معاوية الأموي.
لذا يقول الإمام الشيرازي، إن حكومة الشعب تؤمن بـ (التعددية التي تعني توزيع القدرة بين كافّة الطبقات والفئات، سواء قدرة الحكم أو السلاح أو العلم أو المال أو غيرها، فلا تكون القدرة بيد جماعة خاصّة تستبدّ بها، أمّا سائر الناس فلا شأن لهم، ومن لم يصفّق منهم للسلطة يكون مصيره السجن والتعذيب والقبر ومصادرة الأموال).