القائد السياسي وأفضلية الإصلاح الأساسي
رؤى من افكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2016-04-25 10:48
هنالك أفضلية وأولويات في جميع الأعمال المادية والفكرية التي يقوم بها الانسان، فالهدف الأهم يكون على رأس القائمة، ويأتي بعده المهم، ثم الأقل أهمية وهكذا وصولا الى أدنى الأهداف، وأمر بديهي أن يتركّز اهتمام الانسان على انجاز الأهداف الأكثر أهمية في حياته، ولكن الاختلاف هنا يكمن في طبيعة عمل الانسان، حيث تختلف الاهداف من شخص الى آخر، بحسب الوظيفة التي يؤديها، وحجم المسؤولية، ودرجة ارتباطها بالذات والآخرين.
فمثلا الاهداف التي يسعى القادة السياسيون لتحقيقها لا تتعلق بذواتهم وأنفسهم فقط، إنما يمتد تأثيرها سلبا وايجابا الى ملايين البشر من الشعب الذي يقوده السياسي، لذلك يختلف الأمر عن الاهداف ذات الطابع الفردي، كما أن حجم الاضرار يكون أقل كلما قلّت مسؤولية الانسان وطبيعة عمله ووظيفته، وفي جميع الأحوال ينبغي أن ينصبّ اهتمام الانسان والقائد السياسي على وجه الخصوص بتحقيق الأهداف المرتبط بالاصلاح الأساسي وليس الاصلاح الجانبي أو البسيط.
فعندما يقرر القائد السياسي القيام باصلاحات في الدولة، يجب أن تكون هذه الاصلاحات أساسية وليست جانبية، وينبغي أن تعد من أكبر الأهداف وأكثرها أهمية وليس العكس.
يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم، الموسوم بـ (ممارسة التغيير)، حول هذا الموضوع:
(يجب الاهتمام بالإصلاح الأساسي أكثر من الاهتمام بالإصلاح الجانبي).
ويرى الامام الشيرازي أن اصلاح الأهم سوف يقود تلقائيا الى إصلاح الأقل أهمية، وبهذا المعنى فإن القائد السياسي الذي يسعى للاصلاحات الأساسية للدولة والشعب ويسعى بجدية وضمير حي وتصميم وارادة قوية في هذا الاتجاه، فانه سوف يضرب عصفورين بحجر واحد في الوقت نفسه، وهو في هذه الحالة سوف يحقق النوعين من الاصلاحات الأساسية والجانبية.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله:
(إذا صلحت الكبائر، صلحت الصغائر تلقائياً وليس العكس).
وهنالك قضية أخرى ينبغي أن يتنبّه لها القادة والعاملون في الميدان السياسي، وهذه القضية تنحصر في مجال الانشغال بالصغائر بدلا من الكبائر، فهناك سياسيون تشغلهم الامور التافهة، وغير المهمة بالنسبة للشعب والدولة، والحقيقة هذه الأمور تعد من سمات المجتمع الجاهل.
كما نلاحظ ذلك في قول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: (إن الانشغال بالتوافه يعد من سمات المجتمع الجاهل المتخلف، مما يتسبب في اشتغال الناس بالتوافه المخجلة أحياناً بدلا من الاشتغال بعظائم الأمور).
ابتعاد السياسي عن رد الفعل
من العوامل الأساسية التي تؤدي الى نجاح القائد السياسي في مساعيه وجهوده الرامية الى تحقيق اصلاحات، هو أهمية الابتعاد عن اسلوب التعامل وفق رد الفعل السريع، أين أن التأني والصبر ودراسة القرارات بصورة صائبة ومتأنية، والمشاركة الجماعية في رسم سبل التصدي للآخر، هذه كلها عوامل تساعد على نجاح عمل القائد السياسي.
ولكن في حالة تعامل القائد السياسي وفق اسلوب رد الفعل السريع، فإنه سوف يدخل في سلسلة من المشاكل التي تزيد من صعوبة الموقف، وتجعل السياسي يفقد زمام المبادرة، ويكون عمله وقراراته غير مدروسة ومتعجّلة، لهذا ينصح أهل الاختصاص بعدم اعتماد اسلوب رد الفعل السريع في التعامل مع الطرف الآخر.
هذه الملاحظة المهمة في العمل السياسية وفي كيفية صناعة القرار، يؤكد عليها الامام الشيرازي، كما نلاحظ ذلك في قوله:
(يجب على القادة السياسيين أن يديروا أمورهم حسب التعقل وحسبما تتطلب الظروف لا حسب ردّ الفعل، حيث أن الإنسان إذا هيّأ نفسه لردّ الفعل سوف يكون دائماً في أزمة يخلقها له الطرف الآخر).
ولعل من أخطر ما يقوم به القائد السياسي هو انشغاله بالاصلاحات السطحية الصغيرة، في محاولة لاثبات سعيه نحو انجاز نوع من الاصلاحات لصالح الشعب والدولة، وهنا قد تدخل بعض الاجراءات ذات المنفعة الآنية على حساب التخطيط بعيد المدى (الاستراتيجي) الذي يدخل في بناء دولة المؤسسات، لذلك عندما ينشغل القادة السياسيون بالامور التافهة، فإنهم في هذه الحالة كمن يصر على الفشل في عمله السياسي، لأن الانشغال بالصغائر، يؤدي بالنتيجة على تضييع فرص الاصلاح الحقيقي والكبير اذا كان هو الهدف الأهم لمن يعمل في الحقل السياسي.
وقد أثبتت التجارب الآنية والماضية، أن العمل السياسي الصحيح هو الذي يقوم على المشاركة في صناعة القرار، والتخطيط العلمي، واعتماد الخبرة والكفاءات والارادة الوطنية الحريصة على وحدة الدولة والشعب، والابتعاد عن الصراعات الجانبية، والقضاء على كل العقبات التي تقف بوجه القادة السياسيين، ومنها أهمية العمل وفق قواعد ثابتة ديمقراطية يخضع لها العمل السياسي بايقاع واضح وعدم السقوط في فخ الفوضى والعمل العشوائي، وهذا لن يتحقق في حالة انشغال العاملين بالسياسة في الامور الصغيرة، كونهم في هذه الحالة يبتعدون عن أهدافهم الاصلاحية الكبيرة.
حيث يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب:
(من الضروري على القادة السياسيين أن لا ينشغلوا بالأمور الجانبية التافهة، ولا ينشغلوا بالإصلاحات السطحية البسيطة، فإن الاشتغال بالأمور الجانبية والتوافه يمنعهم عن الوصول إلى أهدافهم).
بين السياسي المتعلم والجاهل
خطوات الاصلاح لا يمكن لأي سياسي تحقيقها وقتما يشاء أو يرغب، كون الاصلاح مهمة صعبة ومعقدة وتحتاج الى تمهيد وتهيئة وعناصر مختلفة، كلها تجتمع وفق تخطيط مسبق وسليم ودقيق، وهذا يستدعي أن يكون السياسي متعلما ومطلعا وعارفا ماذا ماذا يفعل بالضبط، أم السياسي او الانسان عموما عندما يكون جاهلا فإنه سوف يكون عاجزا عن تحقيق أي تقدم في مجال الاصلاح، إلا اذا كان من باب التبجح او الإدّعاء.
فالسياسي الجاهل لا يستطيع أن يحقق أية خطوة مهما كانت بسيطة على طريق الاصلاح، لسبب واضح أنه يفتقر للقدرات العلمية والعملية التي تساعده على تحقيق الاصلاح، لأن الأخير يحتاج الى علم ودراية حتى يمكن تطبيقه، لذلك اذا كان السياسي جاهلا فإنه سوف يلجأ الى اسلوب التبجح، وهو اسلوب الفاشلين دائما.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله الواضح بهذا الصدد: إن السياسي (الجاهل يقوم بالعمل الحقير أو المنحرف ويتبجح بذلك، بينما إذا كان عالماً سوف يخجل من ذلك العمل).
إن السياسي العالم لا يتكلم عن أعماله ومنجزاته، والقائد الناجح يصمت ويترك أعماله هي التي تتحدث عنه ومنجزاته هي التي تشهد له، كما يقول المثل او القول المأثور (ان الأعمال أعلى صوتا من الأقوال)، ولدينا أدلة كثيرة وكبيرة في تاريخنا الاسلامي فضلا عن التاريخ الانساني، فهناك قادة عظماء حققوا قفزات هائلة لشعوبهم ودولهم في مجال الاصلاح، ولكنهم حققوا هذه الانجازات وفق قدرات متميزة يمتلكونها.
إن هؤلاء القادة لم يقوموا بالاصلاحات عشوائيا، إنما ركّزوا في البداية على الاصلاحات الكبرى التي تعد مقومات مهمة وركائز قوية يستند إليها بناء الدولة، بمعنى الأهم في الاصلاح هو بناء مؤسسات الدولة الدستورية المستقلة لضمان بناء دولة قوية قادرة على حماية الحقوق، وهذا يستدعي اهتماما في اقصى الدرجات بالاصلاح الأساسي، كما نلاحظ ذلك في تجربة الرسول الكريم ابان بناء دولة المسلمين في صدر الرسالة.
من هنا يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (لذا نجد في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الاهتمام بالإصلاح الأساسي أكثر من الاهتمام بالإصلاح الجانبي).