على الأحزاب أن تبني دولة المؤسسات الراسخة

رؤى من افكار الامام الشيرازي

شبكة النبأ

2016-04-11 01:50

ليس هناك أفضل من النظام الاستشاري (الديمقراطي) القائم على مبدأ التعددية، وعدم حصر السلطات في حزب واحد أو حاكم عسكري فرد، ولكن في نفس الوقت لا يصح أن يكون تعدد الأحزاب مثلبة او مشكلة تضعف النظام السياسي وتنشر الفساد في ادارة البلاد، كما هو الحال في العراق حاليا، حيث باتت الأحزاب والتشبث بمصالحها وتضارب هذه المصالح تشكل عوامل إضعاف للدولة بدلا من أن تكون مصدر قوة لها.

إن ما يجري في العراق اليوم أوصل الاحزاب والكتل السياسية الى طرق تكاد تكون مغلقة النهايات، كونها تجاوزت على قواعد اللعبة، وأهملت بناء المؤسسات التي تدعم النظام السياسي، لكن الذي حدث هو اهمال المؤسسات التي تبني الدولة، واشتعل الصراع على المناصب والمكاسب، مع أن المؤشرات الاولى ما بعد التغيير كانت توحي بمجيء عصر الحرية الذهبي للعراق، وكان من المتوقع بناء المؤسسات الدستورية القوية، حيث وعدت الاحزاب والعاملون في السياسة بالاهتمام بالمنهج التعددي.

ووعد هؤلاء بأنهم سوف يولون مؤسسات الدولة الضامنة للديمقراطية أهمية كبيرة، ووعدوا أيضا بأن لا يكون هذا الدور شكليا او مغلفا بالمصالح والاهداف السرية، كما تفعل الانظمة القمعية التي يقودها نظام الحزب الواحد غالبا، او الانظمة العسكرية، حيث تحرص مثل هذه الانظمة التي غاليا ما تسيطر على الحكم، بالقوة الغاشمة او الانقلاب العسكري، تحرص على اقامة مؤسسات شكلية في الدولة تقوم بأدوار نمطية مفبركة، مثل انشاء مجلس نواب او برلمان او مجلس وطني، يقوم بتمثيل الشعب بصورة شكلية، وتكون قراراته مرسومة من النظام والحاكم بصورة مسبقة بما يدعم هذا النظام ومصالحه.

أحزاب استشارية ودكتاتورية

وقد أفرزت مرحلة ما بعد نيسان 2003 نظاما سياسيا قيل انه يعتمد الاستشارة والتعددية، واعلنت الاحزاب منهجها الاستشاري، بعيدا عن الدكتاتورية، فقد ورد في الكتاب القيم للامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، والموسوم بـ (الشورى في الاسلام)، حول أنواع الاحزاب وتعدد مناهجها واهدافها ما يلي: (يقال لحزب انه ديمقراطي فـي حال ما إذا انتخب زعماؤه، من قبل أعضاء الحزب من خلال انتخابات حقيقة وبالاقتراع السرّي أو العلني، والمنهج والسياسة العامة لمثل هـذه الأحزاب سواء على صعيد التنظيمات أو القرارات، يتم تعيينهما وتحديدهما في المؤتمر العام للحزب).

وحتما أن الاوضاع الراهنة في العراق تناسبها الاحزاب الاستشارية، والمنهج التعددي، ولكن ينبغي أن لا يكون هذا المنهج عاملا مضعفا لهيبة الدولة وقواعد اللعبة الديمقراطية، فالمنهج الاستشاري ينبغي أن يؤكد الهوية الديمقراطية للحزب، ولكن في الوقت نفسه هناك أحزاب تعتمد المنهج الأحادي او الدكتاتوري على الرغم من اعلانها عكس ذلك، حيث يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: (يقال لحزب إنه ديكتاتوري، في حال ما إذا تم تعيين قادته بحلول النائب مَحلَ القائد، وهلمّ جرا، ويكون منهجُ الحزب تجسيداً لما يريده قادة الحزب، ويكون الرأي المخالف للمنهج العام فيه ممنوعاً، فيحظر فيه تعدد الأفكار والآراء ويطرد أي شخص له علاقة بالفكر المعارض، وفي مثل هذه الحالة ينساق الحزبُ نحو الاستبداد والديكتاتورية والتفرد السلطوي).

بالنسبة للوضع في العراق، لا يمكن أن نعود الى المربع الاول على الرغم من اخفاق بعض الاحزاب في اداء دورها السياسي في بناء الدولة كما يجب، فقد اهتمت بعض الاحزاب بمصالحها ونسيت مهامها تجاه بناء الدولة، فسارعت الى قطف المنافع السريعة الآنية، وتخلت عن المنافع الاستراتيجية، الهادفة الى بناء مؤسسات الدولة القوية الراسخة، وهذه النتائج المتردية تعود الى عدم التزام الاحزاب بقواعد اللعبة وبالمنهج الاستشاري الديمقراطي الذي يحفظ حقوق الجميع، ويبني دولة قادرة على حماية الجميع، من هنا يوجد هناك تأثير مباشر لفكر الحزب، وطبيعة تنظيمه على بناء المؤسسات التي تحكم الدولة وتدير شؤون المجتمع.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (إنّ تعدد الأحزاب السياسية وطبيعة تنظيماتها لهما تأثير كبير جداً في انتخاب الهيئة الحاكمة، وان هذا التأثير ملحوظٌ بشكلٍ اكبر في الهيكلية الداخلية للمؤسسات الحكومية). وهنا تتضح مشكلة الاهتمام بمصلحة الحزب وعدم الالتزام في بناء مؤسسات الدولة ومصالح الشعب.

لذا ينبغي أن تتنبه الطبقة السياسية في العراق الى هذا الخطر الذي يحدق بها الآن وبالبلد ومؤسساته جميعا، فمن صالح الاحزاب وجميع العاملين في الساحة السياسية العراقية، أن يبنوا مؤسسات الدولة، وان يذهبوا الى الاصلاح والمنافع بعيدة المدى ويتم تأجيل الاهتمام بالمنافع الآنية، المهم يجب أن يسعى الجميع الى بناء الدولة وليس تدميرها كما يحدث اليوم من خلال الفساد والفوضى الادارية وصراع المصالح والمناصب في عموم العراق بين الاحزاب وافراد الطبقة السياسية.

لا لإضعاف الدولة

لا يصح أن يسعى السياسيون الجدد الى إضعاف العراق، هذا العمل ليس في صالح أحد، الحوار البناء، والتزام قواعد اللعبة الديمقراطية، والمنهج التعددي وسواها من الثوابت، كفيلة ببناء مؤسسات الدولة ومن ثم حماية الحريات والحقوق والرأي والاعلام وما شابه، وهنا يبرز السؤال التالي هل يمكن أن تشكل الاحزاب مشكلة لبناء الدولة؟ الجواب إن تعدد الاحزاب في الدولة قد ينطوي على مخاطر في حالة خروجها بعيدا عن قواعد الأنشطة والعلاقات الاستشارية، أما في حالة الفوضى فإن كثرة الاحزاب قد تساعد في تفتيت الجهود، وتضعف دور المؤسسات في بناء الدولة، كما انها تفرق جهود المعارضة وتقوم بتفتيتها، الامر الذي يجعلها ذات تأثير ضعيف على صانع القرار، ولا تشكل قوة ضغط كافية، تمنع الضرر الذي قد يلحق بالشعب، نتيجة لاتخاذ قرار غير صائب، تفرضه مصلحة الاحزاب بعيدا عن مصالح عامة الناس.

كما نلاحظ ذلك في قول الامام الشيرازي: (هناك من يرى أن تعدد الاحزاب قد لا يساعد على بناء مؤسسات الدولة كما يجب)، وتُعطي الافضلية في هذا المجال لنظام الحزبين، فيما يذهب بعض المفكرين والمعنيين الى العكس من ذلك، كما نقرأ في قول الامام الشيرازي: (هناك خلاف بين المفكرين في أفضلية النظام القائم على حزبين على القائم على عدة الأحزاب).

ولكن ثمة خطر أكبر يلوح في الافق، يتمثل بسيطرة الحزب الواحد على السلطة، وبالتالي فرض الرأي الواحد والفكر الواحد، واقصاء الافكار الاخرى، وضرب الصوت والرأي المعارض حماية للسلطة وامتيازاتها، وهنا يتحول نظام الحزب الواحد من نظام سياسي يدير الدولة وشؤون الشعب، الى نظام يكرّس السلطة له فقط، ولا يتورع عن استخدام ابشع السبل واغرب الوسائل واشدها قمعا، كما جرب العراقيون عقودا من العذاب والدمار والحرمان مع النظام الصدامي البائد.

لذا من المستحسن أن يبادر الساسة العراقيون الى الاستفادة من الاخطاء الماضية، وأن يستجيبوا لنبض الجماهير واحتياجاتهم، وأن يتنازلوا عن بعض مصالحهم الآنية لصالح منافع الشعب بعيدة المدى، ولذلك أهم نقطة ينبغي أن تقوم بها الاحزاب اليوم هو بناء مؤسسات الدولة بصورة سليمة، وعدم الانشغال بالصراع على المناصب والمكاسب، فهذا يعني خسارة كل شيء، لذا من الواجب أن يتحرك الجميع لانقاذ البلاد من خلال تثبيت اركان النظام الاستشاري التعددي وفقا للرؤية الواضحة التي طرحها الامام الشيرازي في كتابه (الشورى في الاسلام).

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا