ديمومة أهداف النهضة الحسينية

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2025-06-30 03:54

(نهضة الإمام الحسين عليه السلام جاءت لتفتح طريق الفكر والعمل 

على الإطاحة بكل الظالمين) الإمام الشيرازي

منذ أن خرج الإمام الحسين عليه السلام من الحجاز إلى العراق، ثائرا على نظام يزيد الأموي، أعلن أهدافه بشكل صريح وبصوت عال، بحيث لا يمكن لأحد، مؤيدا كان أو بالضدّ، أن يقول بأنه لا يعرف هذه الأهداف، وجلّ ما كان يخشاه الإمام الثائر أن تندثر أهداف باستشهاده أو رحيله عن هذه الدنيا التي تضج بالطغاة والفاسدين والمشبوهين، فقد تم تحريف الإسلام بأساليب وطرق شيطانية، جعلت من كل ما بنا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله معرَّضا للتشويه، وقلبوا الفحوى الإسلامي العظيم إلى نقيضه.

بحيث كانت أهداف بني أمية واضحة للعيان بل ومعلنة على رؤوس الأشهاد، وهي تغيير تعاليم الدين (المحمدي) الواقعي الحقيقي، وتشويه المضامين الإنسانية التي جاء بها ونشرها بين الناس الذين آمنوا بها وتقبلوها كونها تتوافق وفطرتهم، وتعمل في صالحهم، لذلك حين جاء يزيد بذل جهودا كبيرة ومتواصلة ومخادعة لتشويه صورة الإسلام بألف طريقة وطريقة. 

فما كان من الحسين عليه السلام إلا أن ينتصر لدين جدّه، وأن يستنقذ الناس من حيرة الضلالة وسطوة الجهالة، فكانت عملية الخروج من الحجاز بالإعلان الذي قال فيه الإمام عليه السلام بأنه (خرج للإصلاح في أمة جده) لمواجهة الحكام الظالمين.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يذكر التفاصيل المهمة عن هذا الموضوع، ويلخّص أهداف النهضة الحسينية في كتابه القيّم الموسوم بـ (رؤى عن نهضة الإمام الحسين) فيقول عن أهداف هذه النهضة المباركة:

 (فضح الحكومة الأموية واجتثاث جذورها، وذلك لأن الأمويين كانوا قد تمادوا في طغيانهم وجبروتهم نتيجة ما توفّر عندهم من المال والسلاح والنفوذ والسلطان، فراحوا يفكرون بإنهاء الدين الإسلامي والقضاء عليه، ولم يكن المجتمع القائم حينها يسمح لنفسه بالتفكير في القضاء على الأمويين لعظم سلطانهم وشدة استبدادهم).

فالهدف الأول هو فضح النوايا المبيّتة والخبيثة لحكام بني أمية، لأنهم خططوا لتدمير دين محمد صلى الله عليه وآله، خاصة أنهم امتلكوا المال والسلاح والسلطة وكل ما يلزم لتحقيق مآربهم الخبيثة في تشويه صورة الإسلام وتدمير الدين.

لذلك قام الإمام الحسين عليه السلام، معلنا نهضته وثورته على الظلم والجور والتحريف، وخطط لفتح سبل الصلاح، من خلال إلحاق الهزيمة بالجهل والتحريف، وتوعية الناس فكريا وثقافيا وعقائديا، حتى لا يتمكن يزيد أن يمرر مآربه الخبيثة في تغيير صورة الإسلام بعقول المسلمين وغيرهم من الأمم الأخرى، لأن الهدف من نشر الإسلام ليس بين أناس بعينهم، وإنما يجب أن يصل إلى أبعد نقطة من الأرض ويصل إلى أبعد إنسان.

إظهار الغايات النبيلة للإسلام

الغاية هي أن يعرف المسلم وغيره ما هي الأفكار والتعاليم الحقيقية للإسلام، وما هي الغايات النبيلة له، وقد تمكن الرسول صلى الله عليه وآله وأصحابه الميامين ومن بعده أحفاده من الائمة عليهم السلام، حيث تم القضاء على الأفكار الخبيثة، وإعادة الوجه الحقيقي الناصع للإسلام، من خلال فضح الأمويين، وتحسين حياة الناس من المسلمين وغيرهم.

يقول الإمام الشيرازي: 

(جاءت نهضة الإمام الحسين عليه السلام لتفتح طريق الفكر والعمل على الإطاحة بكل الظالمين، فلم يكن فضح الأمويين واجتثاث شجرتهم الخبيثة من فوق الأرض تجديداً لحياة الإسلام والمسلمين فحسب، بل كان فيه أعظم خدمة للبشرية جمعاء حيث تعلمت البشرية من الإمام الحسين عليه السلام عبر نهضته المباركة كيف تثور ضد الظلم والظالمين وتكشف زيفهم وتجتث أصولهم في كل عصر وزمان).

وكان كلّ ما يريده ينو أمية أن يجعلوا الإسلام بعيدا عن الناس، وأن لا يقترب من تعاليمه أحد، لأن يزيد والحكام الأمويين قدموا نموذجا محرّفا للإسلام، حتى يجعلوا الناس في منأى عنه، ولكن أنى لهم القيام بذلك، فأئمة أهل البيت من أحفاد وأسباط النبي صلى الله عليه وآله لهم بالمرصاد، فخرج الإمام الحسين بكل ما يمتلك من إرادة وقوة وإيمان لمواجهة يزيد ووضع حد لموجات التحريف المخزية التي قام بها أعوان يزيد.

ولكن لم يتمكن يزيد من ذلك رغم أنه يمتلك كل وسائل التحريف ومنها الأموال والأعوان والأبواق والسلطة، لكنه فشل في ذلك فشلا ذريعا بعد أن تصدى له الإمام الحسين عليه السلام وذووه وصحبه الأكرمين، وفضحوه أمام نفسه ومؤيديه وأما الأمة كلها، فعرف الجاهلون نه كان يخدعهم خصوصا بعد الخطبة الخالدة للسيدة الحوراء زينب التي هشمت جميع ركائز يزيد وحججه الكاذبة عندما تحدته في عقر داره وعرفَّت العالم بأنهم ليسوا خوارج ولا كفار بل هم أبناء وأحفاد نبي مسلمين الرسول محمد صلى الله عليه وآله.

وهكذا تذوق يزيد فشله وتذوق مرارة هذا الفشل في مجلسه وفي عقر داره، وانتصرت نهضة الإمام الحسين وأهدافها الخالدة.

يقول الإمام الشيرازي:

من أهداف نهضة الحسين عليه السلام: (تصحيح الاعتقادات الدينية للمسلمين، فإن من مفاسد الأمويين الذي كان مورداً لاهتمامهم هو قيامهم بعرض صورة مشوّهة من الإسلام والمعتقدات الدينية وذلك بغية إبعاد الناس من الخط الواقعي للإسلام والذي يمثله أهل البيت عليهم السلام).

وهكذا كانت ثورة الإمام الحسين ونهضته العظيمة الخالدة، دليلا ساطعا لا يقبل الشك على سمو أهداف النهضة الحسينية، وباتت هذه النهضة حجة على الجميع، لكي يعرفوا ويؤمنوا بأن ما أراده الحسين عليه السلام هو الإصلاح ومقارعة السلطة الجائرة الظالمة، وأن جميع أساليب الخداع والتزوير والتحريف والتحايل في نشر الأكاذيب والتصورات الكاذبة عن الإسلام ما هي إلا محاولات بائسة ليزيد وزمرته الفاشلة لتحريف الإسلام ووضع الحواجز بينه وبين المسلمين الذين خُدِع بعضهم بأكاذيب يزيد وزمرته.

يقول الإمام الشيرازي:

(لقد جاءت نهضة الإمام الحسين عليه السلام واستشهاده حجة قاطعة تعلن عن بطلان ذلك التحريف الأموي، وتكشف زيف تلك الانحرافات العقائدية التي أشاعها بنو أمية بين المسلمين، ودليلاً رصيناً على إبداء الصورة الناصعة للدين الإسلامي). 

ثمار النهضة الحسينية

وهكذا تم قطف الثمار الناضجة لنهضة الحسين عليه السلام، فقد تم طرد جميع التشويهات التي ألحقها يزيد وزمرته المتعاونة معه بالإسلام، ولم يتمكنوا الإساءة للإسلام الحقيقي، وكان هدف مناصري الحسين هو ديمومة النهضة الحسينية، وملاحقة الفاسدين من الحكام وغيرهم، وعدم السماح بتشويه الجوهر الناصع للإسلام، مستخدمين في ترويج هذه الأهداف جميع وسائل التوصيل المتاحة، كالإذاعات وشاشات التلفاز والكتب والمنابر وكل وسيلة يمكنها ترويج التعاليم والعقائد السليمة للإسلام.

حيث يؤكد الإمام الشيرازي قائلا: 

(بسبب هذه النهضة المباركة انتشرت العقائد الصحيحة ومعارف الدين الإسلامي لدى مئات الملايين من المسلمين الشيعة وذلك من خلال الكتب والمنابر الحسينية وأشرطة الكاسيت وغير ذلك بلغات مختلفة وفي كل العالم. وترك ذلك الأثر الكبير في تعديل السلوك الإنساني لدى كل المسلمين، بل العالم كله، وساهم في خلاص البشرية من ظلم الاستبداد والطغيان).

وهكذا تم تصحيح سلوكيات المؤمنين بالإسلام الحقيقي، بعد أن عادوا إلى سبيل الصواب، وبعد أن تم فضح يزيد وزبانيته، وفهم الناس جوهر الإسلام الحقيقي، وجوهر النهضة الحسينية التي كان الهدف منها ولا يزال وسيبقى، حماية حقوق الناس من مآرب الحكام الظالمين، الذي يكرسون همّهم وجل أهداف في التمسك بالسلطة وكنز الأموال بالسحت الحرام والاختلاس والسرقة، والاستمرار في ظلم الناس.

لكن هذه المآرب تم إغلاق الأبواب في وجهها، بعد معرفة الناس للإسلام المحرف، والفرق بينه وبين الإسلام الحقيقي، فتحصنَ الناس بأخلاق الإسلام الحقيقي ومبادئه السليمة، وهكذا أعاد الحسين عليه السلام للإسلام نصاعته وسلامته من أية شوائب.

يقول الإمام الشيرازي: 

(تصحيح سلوك الناس وتقويمه، بعد أن تلوّن سلوك الناس وأخلاقهم بطابع العنف والاستبداد والوحشية والاستهتار مما لا يتناسب مع الخلق الإسلامي والإنساني، فأعاد الإمام الحسين عليه السلام نهضته الشريفة مكارم الأخلاق التي بناها جدّه الكريم صلى الله عليه وآله وقدّمها إلى البشرية ودعا الناس للتخلق بها في كل مراحل الحياة).

وأخير في هذه الأيام التي نعيش فيها عاشوراء مجددا، فإننا ندعو إلى أن تكون النهضة الحسينية حاضرة بين الجميع، وأن تكون حافزا للجميع على الاستقامة ونبذ الظلم والحرام، خاصة أولئك الذين يطرحون أنفسهم قادة للمسلمين ويصلون إلى هذه المراكز، هؤلاء عليهم أن يتمسكوا بالنهضة الحسينية وأهدافها، ولا تخدعهم مظاهر الدنيا الزائفة، لذا عليهم أن يسيروا في طريق الحسين طريق الاستقامة كي يساعدوا الناس على العيش بكرامة. 

ذات صلة

النموذج الأكمل لحركات التغييردولة العقد الإجتماعي وأفكار أخرىالوعي التاريخي ومشكلة بناء الهوية الوطنية العراقيةتُهَمٌالفوضى الإدارية: متى ينتهي كابوس المعاملات الحكومية؟