مبادئ الفكر الغربي بين الحقيقة والإدّعاء
رؤى من افكار الامام الشيرازي
شبكة النبأ
2015-09-14 12:40
في مناسبة أو من دونها، يعلن الغرب أن أفكاره إنسانية المنحى، وانه يهتم بكرامة الانسان ويوليها الأولوية، لذلك جاءت أفكاره وأفعاله متساوقة كما يدّعي صنّاع القرار ويتبجحون بذلك كثيرا، لكن واقع الوضع العالمي يشير الى غير ذلك، لاسيما أن الفكر الاسلامي سبق الغرب بقرون، وقدم للانسانية فكرا متوازنا (ماديا وروحيا) يرفض الاحتكار الذي تقودنا إليه الأفكار الغربية، وإن كانت تعلن العكس، في حين استطاعت مبادئ الاسلام أن تساوي بين الجميع وتتيح لهم الحرية، وأنقذت الانسان من حالة الجهل والمرض والتخلف، وهو الثالوث الذي عانت منه معظم شعوب ودول العالم الحديث.
علما أن الغرب لا يريد أن يعترف بهذا الفارق الكبير بين الاثنين، ويرفض الرؤية التي تقول بأن الغرب أخذ الفكر المتوازن من المسلمين عن طريق التراجم ووظفها لصالح نفسه، ومع ذلك تبقى هناك مشكلة كبيرة وعميقة يعاني منها الغرب، كونه يعتمد في فلسفته وافكاره على الرؤية المادية الصرفة في الغالب، ولا يقترب من الجوانب الروحية، ولا يعطيها الأهمية اللازمة التي تستحقها، على العكس من الاسلام الذي يعطي للجانب الروحي والمعنوي مجالا واسعا في قضية بناء الدولة وترصين البناء المجتمعي.
ولذلك يعترف بعض علماء الغرب بأن المادية الغربية تستمد وجودها واستمرارها من الاستحواذ على ثروات الارض، وتتنكر للروحانيات بصورة شبه تامة، وهذا مأزق كبير يعاني منه الغرب اليوم، لاسيما في الجانب الاقتصادي، حيث الوفرة المالية عالميا تنحصر في ايدي شركات او افراد لا يشكلون سوى نسبة قليلة من سكان المعمورة، وهذا بطبيعة الحال يمثل ظلما واضحا للطبقة الفقيرة في العالم، إذ كيف نحصر ثروات العالم بأيدي أفرد وشركات، فيما يتضور النسبة الأكبر من البشرية جوعا وحرمانا.
في كتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه: العولمة) يؤكد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي، (رحمه الله): على ان (الغرب يهتم بالنمو الاقتصادي للبعض على حساب سعادة الإنسان بل وحياته أيضاً، فكانت عولمته ناقصة، فيها النمو والازدهار الاقتصادي للبعض على حساب الآخرين، وليس فيها العدل والأخلاق في الجانب الإنساني).
وفي هذا الجانب سنلاحظ أن الفكر الغربي يمثل خطرا على العالم، بدلا من أن ينهض به الى الأمام كما تدّعي جهات كثيرة وكبيرة تستفيد من حزمة الافكار الغربية، وتوظفها لحصر الثروات العالمية وتكدسها بأيدي أقلية، فيما الأكثرية تبقى في حالة من العوز، والبحث عن الفرص العملية والإنسانية التي تنقلها الى الصف الانساني المتقدم.
لابد من درء خطر الاحتكار
إننا لا نخطئ عندما نؤكد هذه العيوب لدى الغرب، كونها موجودة بالفعل، بل هي ملموسة لمس اليد كما يفرزها لنا العالم الواقعي نفسه، خاصة ان الاستحواذ على مقدرات العالم لا تزال تنحصر بأيدي الأقلية، التي توظف الاحتكار من اجل تحقيق مآرب مخطط لها مسبقا، منها وأهمها الاهداف السياسية، ثم صنع النموذج الغربي وتعميمه على الجميع، ولعل أسوأ ما يمكن أن يتمخض عن حصر الثروات بأيدي الاقلية، يتمثل بانتشار المجاعات والتخلف والجهل والمرض، في دول ومناطق واسعة من المعمورة.
وطالما ان خطر الاحتكار العالمي يبقى قائما، وأن أضراره تلوح في الأفق، وتطفو فوق سطح الأحداث في كل لحظة، لذلك لابد من أن نبدأ بمواجهة ما يحدث، لاسيما أن هناك مزايا لما يطرحه الفكر الاسلامي من حيث الموائمة بين المادة والروح، ومن أهم ما يميز هذا الفكر الخلاق، انه لا يشترط في المادية أن تكون الدافع لنشاطه، بل دائما يغلب عليه الجانب الروحي الانساني المتوازن، فتقف بذلك الى جانب الانسان قبل أي هدف مادي آخر.
من هنا يحذّر الامام الشيرازي من هذا الخطأ الجوهري الذي يرتكبه الفكر الغربي، ويؤكد على مراعاة الاسلام لقضية الموازنة المهمة بين المادي والروحي وعدم الاقتصار على احدهما واقصاء الآخر، لأن هذا المنهج يشكل خللا فادحا في التطور العالمي إذ يقول سماحته: إن (عولمة الإسلام تكون ناظرة إلى الجانب الروحي والمادي معاً، ومراعية للمعنويات أيضاً، ومهتمة بالإنسان كمحور أساسي، وقد جاءت كاملة شاملة تجمع بين النمو والازدهار الاقتصادي، وبين العدل والأخلاق في الجانب الإنساني).
إن التركيز على محاربة الفقر، كان ولا يزال يمثل حجر الزاوية في الفكر الاسلامي، وانطلاقا من هذا المبدأ يمكن أن نضع أولوية الموازنة بين المادة والروح، كعامل أساسي للتطور ألغته الأفكار والفلسفة الغربية او لم تركّز عليه، فيما أكدت عليه المبادئ الاسلامية، اذ لا يمكن أن يكون هناك تطور للعقل البشري والحياة العملية للانسان، من دون تحقيق الحضور المادي المقترن بالحضور الروحي، لأنشطة الانسان الجماعية والفردية وفي المجالات كافة.
وهذا الرأي يرد في كتاب الامام الشيرازي المذكور حيث نقرأ في هذا المجال: إن الأفكار (الاقتصادية الإسلامية حملت بين جوانحها كل مقوّمات الحضارة والسعادة والتقدم والرقي والازدهار والتطور، ونفي الفقر والحرمان، فهي تشتمل على الحكومة الشرعية والاقتصاد الأمين، والقوانين المالية العادلة، والوحدة العالمية بكل أبعادها الحضارية مضافاً إلى الآداب الإنسانية الراقية، والقواعد الأخلاقية التقدمية).
تضاؤل الاهتمام بالإنسان
من المآخذ على الفكر الغربي ومنهجه في الحياة، أنه يعلن اهتمامه بالانسان، ولكنه لا يطبق ما يقول بصورة فعلية، خاصة ما يتعلق بالفوارق الطبقية، والاهتمام بالمرأة بدلا من المتاجرة بجسدها، وانتشار ظواهر التحرش الجنسي بالاطفال، او الزواج المثلي وما شابه، إن هذه الأخطاء التي تطفو على سطح الواقع الغربي، وحياته التي تضج بالمد الشكلي والجمالي على حساب الجوهري والروحي، تؤكد مكامن الخلل فيه.
ويعزو المعنيون والمفكرون النفسانيون بالدرجة الاولى، ظهور هذه الانحرافات، الى عدم التوازن بين المادة والروح، وعدم الاهتمام بجوهر الانسان، والتركيز على المؤشرات الجمالية التي تحقق ارباحا سريعة، حتى لو كان المقابل انسحاق الانسان معنويا.
يقول الامام الشيرازي حول هذه النقطة بالذات: إن (الغرب ـ عادة ـ ينظر إلى الأشياء كلها من الجانب المادي فقط كما إنه لا يهتم بالإنسان كمحور في هذا الكون، ولذلك جاءت عولمته التي طرح فكرتها وحاول تطبيق نظريتها في العالم خالية من المعنويات، ومن الاهتمام بالإنسان).
ولم يتنبّه العلماء الاجتماعيون، في الغرب، الى قضية في غاية الأهمية، ألا وهي دور الدين في تهذيب النفوس، وتزكية النفس، ودفع الانسان باتجاه العمل الإيجابي، وإبعاده عن سبل الانزلاق في الصراع المادي، والتضحية بمحبة الآخر مقابل المال، لذلك عندما تمسك المسلمون بالمبادئ الانسانية، في صدر الرسالة النبوية، وعندما كانت دولة الاسلام في اوج حضورها وعظمتها، كانت النتائج التي انعكست على الفرد والمجتمع كبيرة وفعالة جدا، فكان ذلك دافعا لانتشار قيم المحافظة على كرامة الانسان ومكانته الكبرى، وعدم التركيز على الربح المادي، إنما السعادة هي الهدف الأهم دائما وأبداً.
لذا نقرأ في كتاب الامام الشيرازي حول هذا الجانب: (إن المفهوم الديني أو الوازع الإسلامي الإلهي، يهذب النفوس، ويطبع على القلوب محبة الآخرين، وإيصال النفع إليهم، ودفع الضرر والشر عنهم، لأن الإسلام دين سماوي جاء ليرسم سعادة الإنسان، وليس موضوعاً من الموضوعات البشرية).