لا أنفع من اللسان ولا أضرّ منه
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2023-05-22 07:00
(الحياة الرتيبة كاللفظ بلا معنى) الإمام الشيرازي
اللسان من الأعضاء المهمة في جسد الإنسان، له مهام مختلفة منها حسّي كالتذوق، ومنها وعظي كما يقوم العلماء والخطباء بتوصيل أفكارهم الجيدة للناس، وله دور تعليمي، حيث ينقل المعلمون أفكارهم وخبراتهم عبر ألسنتهم للطلاب، كما أن التعارف البشري يتم عن طريق اللسان، ولكن أهم ما ينطوي عليه هذا العضو الحيوي في جسد الإنسان يتجسد في كونه أما يكون نافعا لصاحبه وللناس، وأما يكون ضارّا لهما.
معظم التعاملات التي تتم بين بني البشر سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو مجتمعات، يتم عبر اللسان، فربما تشتعل نار حارقة بسبب كلمة، وقد تنطفئ نيران ومعارك طاحنة عبر اللسان والكلمات، ولو أن الإنسان أجاد استخدام لسانه بالشكل الصحيح لارتقى إلى أعلى المراتب، ولأصبح من خيرة شخصيات المجتمع، أو قد يكون اللسان سببا في دمار صاحبه كما نقرأ في القول المعروف (مقتل الإنسان في لسانه).
كذلك يعدّ اللسان من نوافذ التعريف المهمة للناس، فلولا لسانك لا يعرفك الناس، وقد قال الإمام علي (عليه السلام): (المرء مخبوء تحت لسانه)، وقال آخر: (تكلّم كي أعرفك)، بمعنى أن الكلام الذي ينطقه الإنسان عبر لسانه هو وسيلة تعريف له عند الآخرين.
ومن الأفضل للإنسان أن يتحكم بلسانه، ولا يتركه لهواه، أو لرغبات الإنسان نفسه، لأن معظم النزاعات التي تشتعل بين الأفراد وحتى المجتمعات، يكون سببها اللسان، ولسان الأمم والدول والمجتمعات ماكنتها الإعلامية، ومعظم الحروب والمشاحنات تتم تغذيتها وإدامتها عبر الإعلام، لكن لابد أن يعرف الجميع أن النهاية واحدة للجميع، فلا ينجو أحدنا من الذهاب إلى المقبرة والهجوع فيها شاء أم أبى، لذا عليه أن يعرف ويؤمن أن لا فائدة من النزاعات.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في أحد مؤلّفاته الجميلة والغنية في نفس الوقت، وهو يحمل عنوان (من أقول الإمام الشيرازي حول الحياة والموت): (ليس في المقبرة تنازع).
فلا شيء في هذه الدنيا يستوجب التنازع، وسفك الدماء، وهدر الكرامات، وإزهاق الأرواح، وترويع الأطفال والنساء، لأن حياة الإنسان (تمرّ كأنها وهم)، وهذا يدل على أن الإنسان لا يعي ماهية الحياة، وحين يُسأَل أحدهم (ما الذي فهمته من حياتك) سرعان ما يجيبك دونما إرادة أو تفكير (لقد مرت حياتي كالوهم)، لكنها في الحقيقة ليست كذلك.
التنافس الشريف بديلا للصراع
الحياة ليست وهما، لأنها عبارة عن مكان يضج بكل الأمور التي تدل على وجود الناس في هذا الكون وفي كوكب الأرض، الناس تسعى تتحرك تتكلم تعمل تتنافس تجتهد تبني وتلهث وراء أهدافها وهذه كلها دلائل ومؤشرات تؤكد بأن حياة الإنسان ليست وهما، وعليه أن يسعى فيها إلى ما يثبت إنسانيته ويقوده إلى الآخرة المضمونة، وهذا لن يتم إلا من خلال السيطرة على اللسان وتجنب الكلمات التي تشعل النزاعات بين الناس.
يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة: (الحياة ليست وهماً وإنما تمرّ كأنها وهم). فما أبلغ هذا الكلام، وما أعمق هذا المعنى، وحريّ بالإنسان أن يعي معنى هذا الكلام، ويفسره جيدا، فالحياة تبدو كأنها وهم لكنها ليست كذلك مطلقا، إنها حقيقة قائمة، وعينا أن نعبر من خلالها كقارب أمان نحو شواطئ الآخرة المضمونة.
لا توجد حياة من دون عُقد ونزاعات وصراعات، فالصراع موجود في المنحى التكويني للإنسان، ولكن يمكن للصراع أن ينطفئ بالكلام الإنساني المعقول والمعتدل، صحيح إن الحياة لا يمكن أن تخلو من المشاكل، وحياتنا عبارة عن سلسلة من المشاكل المترابطة، فما أن تحل مشكلة وتنتهي منها حتى تظهر لك مشكلة أخرى، وما عليك سوى مواجهتها، فالحياة عبارة عن سلسلة من المشكلات على الإنسان أن يواجهها باستمرار، حتى لو كان يتألم من تلك المشاكل.
يقول الإمام الشيرازي في المصدر نفسه: (من يتألم من مشاكل الحياة يتألم دائماً)، لذلك على الإنسان أن يفهم هذه الحقيقة، وأن لا خلاص من مشاكل الحياة لأنها تتجدد، لكن عليه أن يحسن إدارتها جيدا، وأن يضبط لسانه، وأن يتجنب خشونة الكلام، وأن يعرف ماذا ينطق، ويتجنب استفزاز الآخرين، فهناك فارق كبير بين الاستفزاز وبين المطالبة بالحقوق.
كيف تجعل حياتك ذات معنى؟
ولابد للإنسان أن يجعل لحياته معنى، وأن يضع فيها هدفا واضحا وكبيرا، يسعى إليه دونما توقف، نعم على الإنسان أن يخوض صراع الحياة، ولكن يجب أن يتم هذا الصراع بشرف وضمير وعدالة وإنصاف، صحيح أنت تسعى نحو مصالحك، لكن إنجاز هذه المصالح لا يجب أن تتم على حساب مصالح الآخرين، فإذا كان لفظك جميلا معتدلا، ولسانك منضبطا، ونزاعاتك عبار عن تنافس شريف ومسالم، فسوف تكون حياتك ذات معنى كبير.
لا يصح أن تبقى حياة الإنسان رتيبة ومملة ومتشابهة الأيام، من الأفضل للإنسان أن يسعى لتجديد حياته دائما، حتى يكون لها معنى وتغادر الرتابة والتكرار وعدم التجديد.
لهذا يقول الإمام الشيرازي: (الحياة الرتيبة كاللفظ بلا معنى).
وعليك أن تؤمن بأن الزمن يتقدم إلى أمام، وأن الأيام تمضي مسرعة وتتساقط من شجرة العمر باستمرار، وهذا يستدعي منك أن تفهم قيمة الزمن، وقيمة الحياة، وأهمية أن تكون إنسانا مسالما منصفا للآخرين، مبتعدا عن التصادم والنزاعات مهما كانت الأسباب التي تدعو للنزاع، فالإنسان بالنتيجة يغادر الدنيا، وتكون الآخرة بانتظاره، والحساب على أعمال وأقوال الإنسان لن يُلغى لأن الدنيا دار عمل والآخرة دار حساب.
لهذا علينا أن نقرّ بأن اليوم الذي يمضي لا يمكن أن أعيده مرة أخرى، ولكن الخطأ الذي ارتكبه الإنسان اليوم يمكنه في الغد تصحيحه، بينما إذا غادر الدنيا لا يمكن أن يصحح أخطاءه وسوف يُحاسَب عليها واحدا تلو الآخر، ومن يؤمن بأن الزمن لا يتوقف وأن فرص العمر الدنيوي إلى زوال، يمكنه استثمار دنياه بالشكل الصحيح.
يقول الإمام الشيرازي: (كما لا تقدر على رد الأمس لا تقدر على إبقاء اليوم).
وحين يؤمن الإنسان بأن الحياة ساحة للإنجاز المسالم الصحيح المنصف والعادل تجاه الآخرين، فإنه سوف يتمكن من جعل حياته طريقا يقوده إلى الجنة، بعيدا عن الخشونة والاستفزاز والصراع والتشاحن والصراع على مغريات الدنيا، فكل إنسان عليه أن يجعل من دنياه طريقا سالكا إلى آخرة مضمونة من خلال أعمال وأقواله الصالحة.
الإمام الشيرازي (رحمه الله) يقول: (الحياة طريق إلى الجنة أو إلى الجحيم).
فلا يخسر الإنسان فرصة الدنيا وجعلها طريقا إلى الجنان، وهو قادر على ذلك من خلال، ضبط اللسان، الكف عن الصرعات والتصادمات، التعامل بإنصاف وعدالة، والنظر للحياة على أنها طريقه نحو الجنة من خلال ما يقوم به أثناء رحلته الشاقة و الطويلة إلى رحاب السماء.