الإمام علي (ع): أعْلميّةٌ متفرِّدة وخصائص خالدة

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2023-04-10 07:07

(هناك خصائص لأمير المؤمنين (عليه السلام) لم يؤتها أحد قبله ولا بعده)

الإمام الشيرازي

ينظر المسلمون في أرجاء العالم، ومعهم الشرفاء في كل مكان، إلى شخصية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) على أنه تاريخ خالد وعظيم يتربع على الإرث الأخلاقي الإنساني، بالإضافة إلى خصائصه، وخصاله التي عُرِف وتخلَّد بها في ضمير الإنسانية، أما من الناحية العلمية فتوجد شواهد وأدلة مسنودة وموثوقة ومدعومة بما لا يقبل النقض أو الشك، تؤكد جميعها على المكانة العلمية التي يتربع عليها الإمام (عليه السلام).

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في كتابه القيم الموسوم بـ (المعصومون الأربعة عشر عليهم السلام):

(كان أمير المؤمنين (عليه السلام) أعلم الناس وأفقههم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والشواهد على ذلك كثيرة تفوق الإحصاء).

وما يثبت هذه الأعلمية والتفوق العلمي الكبير، ما جاء من حديث شريف على لسان أشرف الأنبياء وخاتمهم الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي ثبت فيه هذه المكانة القصوى للإمام (عليه السلام)، وهذا ليس بكثير على من تربّى في بيت الرسالة النبوية الخالدة وفي مدرستها، وتتلمذ على يد الأستاذ الأعظم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) واستنادا إلى ذلك فإن الإمام علي (عليه السلام) أعلم علماء الأمة، مثلما هو أقدمهم سلما.

يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة:

(هناك تصريح للنبي (ص) بأعلمية الإمام علي بني أبي طالب على الأمة حيث قال الرسول (ص): أعلمكم علي، وقوله (ص): علي أعلمكم علماً وأقدمكم سلماً. وقال (ص): أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب).

وتوجد شواهد أخرى كثيرة عن المكانة العلمية للإمام علي (عليه السلام)، لدرجة أن قراءة السيرة العلوية، والإبحار في بعض مؤلّفاته وخطبه، تكفي لكي يؤمن القارئ بغض النظر عن انتمائه الديني أو المذهبي، بعلمية الإمام وقدراته الهائلة التي أثبتتها الوقائع في وقتها، ونقلتها لنا الأحاديث والروايات الشريفة، والوثائق المعتمدة علميا وشرعيا وفقهيا بين عموم المسلمين، لما لها من مصداقية تامة فيما بينهم.

ومن الأدلة العظيمة على أعلمية الإمام (عليه السلام)، خطبه الكبيرة بمضامينها وأفكارها وتأثيرها وأصدائها، بالإضافة إلى سلسلة الحِكم العظيمة التي ضمّها كتاب (غرر الحكم)، وإذا جئنا إلى كتاب (نهج البلاغة)، فإننا سوف نغترف من هذه الأعلمية وبحارها ما يفوق التصوّر والخيال، فهذا الإرث الخالد كفيل بإظهار الجوهر العلوي العلمي والإنساني للمسلمين وللبشرية من دون استثناء.

كما يذكر إمكانية التوظيف العملي في لتطوير الحياة البشرية، فضلا عن الارتقاء بحياة المسلمين، وجعلهم قادرين على مجاراة ما يحدث من تطور هائل في أساليب العيش، مع إمكانية الحفاظ على خاصية الموازنة في الحقوق والواجبات بين الجميع.

وقد تميز الإمام علي (عليه السلام) عن غيره ممن جايله وصاحبه في قضية العلم والتبحّر في مضاميره، وهذا ما أثبتته الأحاديث والشريفة التي خصَّت الإمام (عليه السلام) دون غيره ممن عاش في عصره، وهي أحاديث جلّها نبوي مسنَد، ومثبت تاريخيا.

لهذا يقول الإمام الشيرازي: (من الشواهد على أعلمية الإمام علي (عليه السلام): خطبه (عليه السلام) ورواياته ورسائله الشريفة الدالة على مدى علمه والذي لم يرد مثله أصلاً من بقية المسلمين ولا أحد من الصحابة، وهذا (نهج البلاغة) خير دليل على ما نقول).

صفات وملَكات الإمام (ع) الخاصة

ومما لا يختلف عليه المسلمون تلك القدرات التنبّئية الخارقة التي كان يعلنها الإمام علي (عليه السلام) ويُخبر بها الناس، مع أنها كانت من الغيبيات، لكن بإذن الله ونتيجة لعلمية الإمام المتفردة، وخاصياته المرتبطة بشخصيته، كان يعلم بما لا يعلمه الآخرون، ويُخبِر الناس بما لا يستطيع غيره ذلك، وهي سمات وصفات وملَكات خصَّ الله تعالى بها الإمام علي (عليه السلام)، الذي قال عنه أستاذه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (أنا مدينة العلم وعليٌ بابها).

يقول الإمام الشيرازي:

(كذلك إخباره عن شتى العلوم والحقائق بل والغيبيات بإذن الله تعالى. وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حقه: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب).

أما عن الخصائص التي يتحلّى بها أمير المؤمنين (عليه السلام) فهي حصرية لا توجد عند غيره من البشر، خاصة بشخصيته كهبة إلهية لم توهَب إلى غير الإمام (عليه السلام)، وهي عبارة عن خصائص تشريف متفردة لا ينالها ولم ينلْها أحد غير سيد البلغاء، ومنها مثلا قرابته من الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، تلك الصلة المعروفة، فضلا عن كونه الطالب النجيب التي تعلّم ودرس في المدرسة النبوية المشرّفة.

كذلك زواجه من السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ومن ثم أبوَّته للإمامين العظيمين الحسن والحسين (عليهما السلام)، هذه وسواها إنما هي أدلة وبراهين على عظمة هذه الشخصية، وبراعة خصائصها ونزاهة خصالها وعلوّ علميتها، ومن ثم تفرّد مكانتها العلمية بين المسلمين وتاريخهم، وتاريخ البشرية بأكملها.

يقول الإمام الشيرازي عن خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام):

(كانت لأمير المؤمنين (عليه السلام) خصائص كثيرة، لم يؤتها أحد قبله ولا بعده، ومنها: ولادته في الكعبة الشريفة. وزواجه من الصديقة فاطمة .وجَعَل الله الحسنين في ذريته. وجاء في الحديث أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا علي، أُعطيتَ ثلاثاً. قلت: فداك أبي وأمي وما أعطيتُ؟. قال: أُعطِيتَ صهراً مثلي، وأُعطِيتَ مثل زوجتك فاطمة، وأُعطِيت ولديك الحسن والحسين).

اقتداء الحاكم والمسؤول بإمامهِ

ويؤكد الإمام الشيرازي اجتماع الأضداد في شخصية الإمام علي (عليه السلام)، من المكارم وتفرّد الصفات والخصائص والخصال، وتطبيقها بشكل حرفي تام عمليا في حياته، حيث الرحمة، واللين، والصبر، والإنسانية، والعفو، والعلم، والحكمة، والشجاعة والكرم، والتنزّه عن مغريات الدنيا، والحفاظ على كرامة الذات وأنفة الإنسان بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.

لقد نظم الشعراء قصائد كبيرة كلها تؤكد على الصفات الخالدة التي تتصف بها شخصية الإمام علي (عليه السلام)، ليس العلم وحده أو الأعلمية، وليس الاعتداد بالنفس، وشجاعة الموقف والفعل عند الصعاب والملمّات، هذه الشخصية العظيمة تشعّ كالفنار العالي المضيء في تاريخ الإسلام والبشرية، يسترشد به التائهون، أولئك الذين غابت عنهم بصائرهم، وما عليهم سوى الاهتداء بسيرة سيد البلغاء وبالصفات والخصائص العظيمة التي يتميز بها.

عن خصال أمير المؤمنين (عليه السلام) يذكر لنا الإمام الشيرازي قائلا:

(لقد جُمِعت في شخصية أمير المؤمنين (عليه السلام) صفات لم تُجمَع في أحد قبله ولا بعده، وقد جمعت فيه (عليه السلام) الأضداد من المكارم، وإلى ذلك يشير صفي الدين الحلّي منشدا في قصيدته الشعرية المعروفة:

جمعت في صفاتك الأضداد........ فلهذا عزت لك الأنداد

زاهد حاكم حليم شجاع..............ناسك فاتك فقير جواد

شيم ما جمعن في بشر قط...........ولا حاز مثلهن العباد

خلق يخجل النسيم من اللطف.....وبأس يذوب منه الجماد

جلَّ معناك أن يحيط به الشعر.......وتحصي صفاته النقاد).

في حادثة جرح الإمام علي (عليه السلام)، حريّ بنا كمسلمين أولا، أن نقتدي بصفاته ومواقفه وشخصيته وأعلميته، وطريقته في الحياة، سواء بالنسبة للحكام والمسؤولين، أو بالنسبة لعموم الناس، الجميع عليهم الاقتداء بالإمام الخالد علي بن أبي طالب، وكلما ارتفع مستوى مسؤولية الإنسان، تزداد حاجته للاقتداء بإمامه (عليه السلام)، فالحاكم والمسؤول والموظف الإسلامي، تقع عليه مسؤولية عظيمة لكي يفهم ويطبق خصال عليّ (عليه السلام).

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي