كيف نتخلص من العنف وحدّة الطبع؟

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2023-03-13 04:56

(يجب أن يمُرّن الإنسان نفسه على التخلّص من الحدّة والعنف) الإمام الشيرازي

العنف كما هو معروف له أشكال متعددة، جميعها تُنتِج الأذى المادي الجسدي أو المعنوي النفسي، ومنها ما يحدث بقوة مادية تهتك الجسد، في حين هناك أساليب لفظية للعنف يمكن أن تحبط الإنسان وتُدخله في دوامة من الانكسار والخذلان، وفي جميع الأحوال لا فائدة من العنف بأنواعه المادية أو المعنوية، والذي يتضرر منه غالبا الأبرياء أو الذين يقعون تحت وطأة القوى الفردية والجماعية المتجبّرة.

من هنا فإن العنف يُنظَر له على أنه من العوامل الأساسية التي تقود الفرد أو الجماعة (المجتمع والدولة) إلى التأخّر، لذلك لا يمكن للعنيف أن يحقق النجاح، حتى لو بدا ذلك في بعض الأمور والعلامات الظاهرية، كالقبض على السلطة، أو الحصول على الجاه والقوة بسبب البطش بالآخرين، ولكن خواتيم الأمور تنتهي بجميه العنيفين إلى الهاوية.

ففي آخر المطاف سوف يجد العنيف المتجبّر نفسه وحيدا، حيث يختفي جميع الذين شجعوه على استخدام العنف في التعامل مع الآخرين، ويغيب عنه أقرب الناس إليه عندما يتم القضاء على قوّته وسلطته، فإذا كان حاكما فقد رأينا الحكام الذي فروا من دولهم وتركوا عروشهم، ومنهم من تم قتله، ومن من مات بصمت متحسّرا نادما على ما اقترفته يداه من مآسٍ وأضرار جسدية ولفظية ومعنوية، ألحقها بالآخرين بجهل منه وتشجيعا من المستفيدين منه والذين يخدعونه بولائهم الزائف فيدفعون بها نحو هاوية العنف.

إذًا يجب أن يعرف الجميع أن العنف لا يمكن أن يكون طريقا لتقدم الفرد أو الجماعة، بل هو من أخطر العوامل التي تؤدي إلى فشل الأفراد والجماعات واندحار الدول المتنمرة.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (كل فرد حركة وفلسفة التأخّر):

(من فلسفة التأخر، الحدّة قولاً أو عملاً، فإن الناس لا يجتمعون حول الحادّ والعنيف لساناً أو بناناً أو عملاً، وبذلك فهو لا يخسر الناس فحسب، بل يخسر نفسه أيضاً).

أهمية المشاركة في صناعة الرأي

هناك من الحكام أو غيرهم من ذوي القدرة على اتخاذ قرار يؤثر على حياة الآخرين، من يعتدّ برأيه، ويتمسك به، ولا يقبل اعتراض الآخرين، ويأنف من مشورتهم، أو التشاور معهم، لأنه يعتقد بصورة حاسمة بأن رأيه هو الأصوب والأهم من جميع الآراء، لهذا هو لن يفكر في مناقشة قراراته مع الآخرين، باعتباره هو الأكثر معرفة وعلْما.

لكن الوقائع والنتائج سوف تثبت خطأ مثل هذه التصورات، لأن الآراء الفكرية والعلمية والقرارات المختلفة لا يمكن أن تولد صحيحة وكاملة وناجعة بشكل كامل إذا كان مصدر فرد لا يُشرك العقول الأخرى، ولا يقبل الآراء الأخرى، وبالتالي يسعى لفرض رأيه وقراراه بقوة سلطته، لأنه يعتقد بصواب ما يقرر، وأن الذي يخالفه في الرأي هو عدو له، فتحيط به أفكار وشعور الخوف على السلطة، ويكبّله حس المؤامرة، وينظر إلى الجميع نظرة المتآمرين عليه لمجرد أنهم يختلفون معه بالرأي أو التفكير.

هذا هو الخطأ القاتل الذي يقع فيه معظم المتفرّدين بالسلطة وبصنع القرار، ,ليس حكام الدول فقط، بل حتى على صعيد رئاسة المؤسسات أو الشركات أو المعامل أو المنظمات المختلفة، فمن يدير المنشأة التي يترأّسها بقوة القرار الفردي، والعقل الأوحد، فإنه سوف يجد نفسه في يوم ما وحيدا، ساقطا في حضيض الوهم، منكسرا مهزوما ومتخلّفا، لأنه ترفّع عن إشراك عقول الآخرين معه معتمدا على تكبّره وسطوته الفارغة.

يقول الإمام الشيرازي:

(من لا يستثمر الاجتماع استثمارا عمليا، لا يجد ذلك العلم من دون مشاركة، ولذا ورد: خذ العلم من أفواه الرجال)، أي عليك أن تُشرك عقول الناس فيما تنوي وتخطط لتحقيقه من أهداف.

هناك بعض البشر مصاب بحدّة الطبع، فتجد لفظه جارحا، وصوته عاليا من حيث النبرة والمناداة وسواها، وعلى العموم تجد شخصيته صاخبة ومتنمرة، فيكون عنيفا في قراراته المادية أيضا، لكنه بالنتيجة سوف يخسر جميع الناس بسبب حدّة الطبع، وعنف اللفظ، وخشونة الأسلوب والتعامل، فيبتعد عنه حتى أقرب الناس إليه.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا هذه الخشونة وحدّة الطبع واعتماد العنف مع الآخرين؟، وهل أن الإنسان الليّن الطبع، الهادئ، المتوازن، البعيد عن الخشونة والتكبّر، هل خسر أحد الناس العاملين معه أو القريبين منه؟

تدريب النفس بالإيحاء النفسي على اللين

فلماذا اللجوء إلى العنف لتحقيق الأهداف، طالما أن طريق اللين واللطف والتوازن والهدوء يؤدي إلى هذه الأهداف نفسها، أو بوضوح أكثر لماذا يختار الإنسان العنف اللفظي والمادي الجسدي، إذا كان السلم وأسلوب اللين يقوده إلى أهدافه نفسها؟، سؤال منطقي حقا، يكشف أن العنف مرض يصيب بعض الناس فيجعلهم متنمرين قساة وظالمين، وهذا من شأنه أن يضاعف التخلف إلى مستويات خطيرة.

حول هذه النقطة يؤكد الإمام الشيرازي على:

(إن بعض الناس يكون حادّا في أسلوبه، في اللفظ أو العمل، وهذا يتسبّب في خسارتهم. وهنا نسأل هل خسر الإنسان الذي لا حدّة له، حتى يلجأ إلى الأسلوب الحاد؟).

إذًا نرى أن العنف وحدّة الطبع يؤديان إلى التخلف، فلماذا لا يبحث الإنسان المصاب بهذا المرض عن حلول ممكنة تساعده على التخلص من ذلك، أي أنه من الممكن أن يدرّب نفسه على التخلّص من حدّة الطبع، فيحاول ذلك مرة وأخرى وثالثة، ولا يملّ ولا يكلّ، بل يواصل تمرين نفسه على اللطف وجمال الكلام ولطف السلوك، والتعاون على المصاعب المختلفة.

هذه الأساليب اللطيفة من شأنها طرد التخلف من ذات الإنسان، وتحعل الجماعة أكثر قربا من بعضهم، كذلك يستطيع الفرد حتى لو كان ذا منصب عالٍ، أن يقرّب الناس العاملين معه ويكسبهم، فيثقون به ويثق بهم وتكون النتيجة لصالح الجميع، لهذا لابد من أن يمرّن ويدرّب الإنسان نفسه على نبذ العنف خلال التفكير العميق والإيحاء النفسي الذي يساعد على محاصرة بؤر العنف وأسبابه في داخل الإنسان.

يقول الإمام الشيرازي:

(إن حدّة الطبع موجودة عند بعض الناس، لذا يجب أن يمُرّن الإنسان نفسه على ترك هذا الطبع والتخلّص من الحدّة والعنف، وذلك من خلال التفكّر والإيحاء النفسي).

هناك أساليب كثيرة للتخلص من حدة الطبع والعنف المادي واللفظي، طالما أن العنف يدمّر حياة الناس، فيجعلهم متخلفين وبعيدين عن فرص التقدم الكثيرة والممكنة، فالمهم هو العمل الجاد على تخليص النفس من العنف وهنالك طرق كثيرة.

وهنا يذكر لنا الإمام الشيرازي الآية القرآنية الكريمة التي نزلت بحق الرسول (صلى الله عليه وآله) في إشارة إلى أهمية التعامل في لين بعيدا عن العنف، يقول تعالى: بِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) سورة آل عمران 159.

خلاصة الكلام من الأهمية أن يحمي الإنسان نفسه من استخدام العنف كأسلوب في التعامل مع الآخرين، لأن أول نتائج العنف تظهر على شكل واضح للتخلف يجتاح الجميع، وبالتالي انتشار الجهل، وهذا هو أسوأ ما يمكن أن تتعرض له أمة أو دولة، فالتخلف والجهل يعني تدمير الحياة برمّتها، لذا على الجميع محاصرته باللين والرحمة والتسامح والتعاون فيما بين الجميع.

ذات صلة

الإمام علي عليه السلام وتحجيم الجبروت والطغيانعلى حكومة السيد السوداني ان تكون أكثر حذراالمطلوب فهم القرآن بشكل جديد!مَعرَكَةُ بَدر هِيَ يَومُ الفُرقَانِ العَظِيمِ حَقَاًتعلم ثقافة السؤال بداية التعليم