الحياة.. حق لا ينبغي التفريط به
موقع الامام الشيرازي
2023-01-31 03:53
أقرّ الإسلام حقوق الإنسان فسبق بها كل من جاء بعده، وخصوصاً ما جاء به القرن الثامن عشر الذي عُد قرن حقوق الإنسان. وفي القرآن الكريم خطاب صريح عن الإنسان وعناية بالغة به، وقد ورد لفظ الإنسان في ما يقارب لـ (45) موضعاً حيث تترشح حقوق الإنسان في الإسلام والتي تقوم الحرية: حرية الرأي والتعبير، وحرية العمل، وحرية التعليم، وحرية التملك والتصرف، وأيضاً حرية التنقل والسفر، وهذه الحقوق/الحريات تمنح الإنسان فرصة الحياة الكريمة.
وقد ذكر الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) أكثر من مائة نوع من الحريات في كل مختلف مجالات الحياة، مؤكداً (رحمه الله) أن الإسلام اهتم اهتماما بالغا بحياة الإنسان وحريته وكرامته، مبيناً أنها قيم ما تزال الشغل الشاغل لبني البشر ومنذ أقدم العصور، وستظل كذلك طالما بقي الصراع بين قوى الشر وقوى الخير.
عندما بزغ الإسلام في الجزيرة العربية وبدأ بالانتشار، كانت الأعراف تلعب دور القوانين والأنظمة حيث كان المبتدعون لتلك الأعراف بشراً مثل غيرهم من البشر يطمحون إلى أن يعيشوا حياتهم بحرية وتحت أفضل الشروط الممكن خلقها وتكوين مفرداتها. وكانت القيم الجاهلية هي السائدة في حياة العرب آنذاك، ومن بينها الثأر والانتقام، والغزو والعدوان والتناحر، وكانت إلى جانب ذلك قيم نبيلة كالجود والكرم والوفاء ونُصرة المظلوم وحماية اللاجئ.
مع ذلك، يشمل الإسلام في مفهومه العام حياة الإنسان في الدنيا والآخرة، في الوقت أن الإسلام ينظم سلوك الفرد والدولة في كل مناحي الاهتمامات الإنسانية، رابطاً النواحي الدنيوية بالنواحي الأخروية في كلٍّ متماسك لا ينقسم حيث تشكل إرادة الله (جل شأنه) جزءاً من العلاقة المتبادلة بين البشر ومن العلاقة بين الله الخالق والإنسان المخلوق.
وقد أولى الإسلام أهمية استثنائية لحق الحياة من خلال العديد من آيات القرآن الكريم، ومن بينها ما جاء في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى، الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فمَن عُفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان، ذلك تخفيفٌ من ربكم ورحمة، فمَن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)(سورة البقرة: الآية 178).
كما شرّع الإسلام ما يحفظ حياة الإنسان، فللإنسان كرامة يستحقها بصفته الإنسانية بقطع النظر عن جنسيته ولونه ومعتقده وسائر الاعتبارات الاجتماعية وهي كرامة تلازمه حياً وميتاً.
وفي رواية: "قام النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه لجنازة يهودي حتى توارت، وفي رواية قيل إنه يهودي، فقال: أليست نفسا؟ وفي رواية علي (عليه السلام) قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قعد، وفي رواية رأينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام فقمنا، وقعد فقعدنا" (بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٨ - الصفحة ٢٧٣).
لقد أقر الإسلام عقوبة القتل لمن يقتل إنساناُ عمداً وذلك لصيانة حياة الناس من ظلم الطغاة والمستبدين، يقول تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم تتقون) (البقرة/79). فالقصاص يردع القاتل وبالتالي يكون سبباً للحياة.
في المقابل، فتح الإسلام باب العفو فيما إذا عفى أهل القتيل عن القاتل. سأل أحدهم الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: رجل قتل رجلا متعمدا؟ قال: "جزاؤه جهنم"، قلت له: هل له توبة؟ قال: "نعم، يصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكينا ويعتق رقبة ويؤدي ديته"، قلت: لا يقبلون منه الدية؟ قال: "يتزوج إليهم ثم يجعلها صلة يصلهم بها"، قلت: لا يقبلون منه ولا يزوجونه؟ قال: "يصره صررا يرمي بها في دراهم" (وسائل الشيعة: باب 28 من أبواب الكفارات، حديث 4).
بالتالي، الأولوية دائماً في الإسلام هي حياة الإنسان.
وقبل ذلك كله، يكرّس القرآن الكريم حق الحياة للإنسان منذ أن يتكون جنيناً ذا روح في رحم أمه، ولهذا حرّم الإسلام الإجهاض وحفظ لهذا الجنين حقه في أن يُبصر نور الحياة.
في السياق، أوجب الإسلام على الإنسان الحفاظ على حياته، فالروح بالمفهوم القرآني أمانة يجب الحفاظ عليها وصيانتها من العطب والتخريب أو القتل، ولذا كان الانتحار محرّماً؛ وإن لم يكن ثمة عقاب دنيوي لأن المنتحر يكون قد مات، إلا أن الله (سبحانه وتعالى) يحاسب المنتحر بأشد العقوبات لأنه لم يحافظ على ما اؤتمن عليه من قبل خالقه.
بالتالي، نظرة الإسلام للإنسان تتمحور حول حياته وحريته وكرامته وسعادته. فالذين لا يبالون بدنياهم أنهم يسخرون كل اهتمامهم بالحياة الآخرة وهي الحياة الباقية، ينبغي لهم أن يعلموا بأن السعادة في الحياة الأخرى مرهونة بكدح الإنسان وتفانيه في الأولى.
إن الحياة في الإسلام عطاء إلهي لا ينبغي للإنسان أن يفرط به، فالإنسان يأثم إذا قنط من رحمة الله، ويأثم إذا فرط في توفير مقومات الحياة غذاءً وكساءً وأمناً، كما أن الإنسان يأثم إذا تنازل عن عزته أو ساوم على كرامته أو خضع لمن يريد أن يسلب حريته ويعبث بحياته.