المداراة راحة للنفس ورزانة للعقل
المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي
2022-12-21 06:38
ومن الرفق المداراة مع الناس بحسن صحبتهم واحتمال أذاهم، وعدم مجابهتهم بما يكرهون، وليس هذا من النفاق كما يزعمه الغرّ، فالنفاق هو أن يكون الإنسان ذا وجهين، يلقى صاحبه بوجه ويغيب عنه بوجه... والمداراة ليست منه في شيء، إنّها اللين مع الناس.
والمداراة تحتاج إلى نفس جسور، وعقل رزين، وحِجى راجح، فأنه كيف يتسنّى للإنسان أن يلاقي الناس برفق، وفيهم الخرق والتحامل؟ ولكن عاقبة المداراة حلوة، كعواقب الأخلاق الفاضلة بصورة عامة.
إنّ من لا يتحمل من الناس جفاهم وخرقهم لا بد وان يختار أحد طرفين: إما الفرار عن الناس، وفيه كبت مواهب نفسه التي تنمو بالاجتماع والتعاون، وانسحاب عن ميدان الإنسانية، إلى غاب الحيوان! وإما الاصطدام بالناس في كل صغيرة وكبيرة وفيه من الإرهاق والنصب قدر كبير، يضئل أمامه تحمل خرقهم.
ثم إن المداري نفسه في راحة إذ النفس المتفضلة فرحة مسرورة، أما غيره فقد خسر راحة الروح وفضيلة النفس.
ولذا نرى الإسلام حث على هذه الفضيلة آكد الحث قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (المداراة نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش)(1) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):(ثلاث من لم يكنّ فيه لم يُر له عمل: ورع يحجزه عن معاصي الله، وخلق يداري به الناس، وحلم يردّ به جهل الجاهل)(2) وقال:(أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض)(3).
وقال الباقر (عليه السلام): (في التوراة مكتوب: فيما ناجى الله عز وجل به موسى بن عمران (عليه السلام): يا موسى! اكتم مكتوم سري في سريرتك واظهر في علانيتك المداراة عني لعدوي وعدوك من خلقي...)(4).
وقال الصادق (عليه السلام): (جاء جبرائيل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمد! ربك يقرؤك السلام ويقول: دار خلقي)(5).
وقال (عليه السلام): (إنّ قوماً من الناس قلت مداراتهم للناس فالقوا من قريش، وأيم الله ما كان بأحسابهم بأس. وإن قوماً من غير قريش حسنت مداراتهم فالحقوا بالبيت الرفيع... ثم قال: من كف يده عن الناس، فإنما يكف عنهم يداً واحدة ويكفون عنه أيدي كثيرة)(6).
إنه الحق، فإن المداري يداري وهو واحد ويداريه كثيرون. وكذلك من خرق مع الناس جرّ على نفسه خرق جماعات، وإن قابلهم بخرقه وهو فرد.. ومن كان على شك من مدى صدق هذا الكلام فلينظر إلى المداري وغيره ثم يرى أيهما في راحة وسعادة وأيهما في شقاء وهدى.