دور الأحزاب في البناء الاستشاري للدولة

رؤى من فكر الامام الشيرازي

شبكة النبأ

2015-08-24 07:14

يشجع مفكرو السياسة على دور فاعل للأحزاب السياسية في البناء الحكومي، كونه الطريق السليم نحو تدعيم بناء المؤسسات الدستورية، وهناك من يضع معادلة تقول، كلما التزمت الاحزاب في نشاطها السياسي دستوريا، كلما أسهمت في بناء السلطة التنفيذية وأحكمت أداءها في إدارة شؤون الدولة والشعب، وبهذا يكون الالتزام الدستوري للحزب السياسي، علامة مهمة ومؤشر على النجاح الدستوري للفعل الحكومي في جميع المجالات.

لذلك لا يصح إلغاء دور الأحزاب، أو التشجيع على ذلك، ولكن هذا لا يعني عدم انتقاد الاحزاب عندما تفشل في الامتثال للدستور، فمع أهمية دور الاحزاب في تشكيل الهيكل الحكومي وطبيعة إدارة وتنظيم شؤون الدولة، لكن ينبغي أن يكون التمسك بالعمل الدستوري من لدن الاحزاب أمرا مفروغا منه، علما أن القول بإلغاء الاحزاب أو تحاشي وجودها في التفعيل السياسي يعني أمرا مستحيلا.

لهذا السبب يدعو الفكر السياسي منذ أزمنة بعيدة الى أهمية دور الاحزاب، ولكن بعيدا عن الفساد، والرؤية الضيقة، فالشورى التي ينبغي أن تسود العلاقات السياسية في المجتمع، تتطلب حضورا فاعلا للاحزاب، ولكن هذا الاشتراط لابد أن يقترن بطبيعة الفكر الذي يستند إليه الحزب ومدى حرية أعضاء الحزب في التفاعل والمشاركة في صنع القرار وما شابه.

كذلك يؤكد علماء السياسة أن الشورى وهي تقابل الديمقراطية كمصطلح معاصر، تعني حرية الرأي والتشارك في اتخاذ القرار ونبذ الفردية وعدم حصر السلطات في شخص واحد، ليتحول أعضاؤه الى إمّعات لا دور لهم في رسم سياسات الحزب، لذلك يرى الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، كما ورد في كتابه القيّم الموسوم بـ (الشورى في الاسلام): (انّ قدرة التفكير والإرادة الحـرة والبصيرة لدى منتسبي الحزب وجماهيره، تزول وتمحى، وتزول معها قدرتُهم على خلق القيم وتبلورها، بسبب التوزيع غير المُتعادل وغير المتكافئ للإمكانيات الحزبية، ولهذا فانّ الكذب والنفاق وفقدان الإيمان والمُبالغة في الأمور والخوف تطغى على الأخلاقيات والتقاليد الحزبية السليمة).

خطر التملق والنفاق

من الظواهر التي تم تشخيصها في العمل الحزبي، خاصة على مستوى الادارة الداخلية لشؤون الاحزاب، النفاق والتملق للقائد الأعلى للحزب، او الاعضاء المؤثرين فيه، ولعل السبب الأساس يكمن في قائد الحزب نفسه، وادارته المستبدة الفردية، وهكذا عندما يكون هناك قائد متجبّر (أوحد) للحزب السياسي، مع غياب السلطة الجماعية الاستشارية للحزب، فإن العيوب ستكون كثيرة اثناء الاداء السياسي للحزب، وهذه ثغرة واضحة أمكن ملاحظتها في عدد من الاحزاب السياسية التي نشطت في ساحة العمل الاسلامي والعربي، حيث ظهرت احزاب (دكتاتورية)، لم تسهم بدور جيد في البناء الدستوري للحكومات.

ولهذا يكون القسر والإجبار، طريقا لإنتاج التملق والنفاق، وهو أول ثمار الطغيان الفردي في الحركة الحزبية، وإذا بقي هذا المسار الخاطئ متفشيا في الحركة الحزبية فإن النتائج المتوقعة ستكون بالغة السوء، بسبب غياب الارادة الحرة لاعضاء الحزب وانتشار حالة الخوف بينهم ومن ثم التزلف والتملق للشخص الأقوى في الحزب أملا بكسب رضاه.

من هنا يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا المجال بالكتاب المذكور نفسه: (إنّ المُنتسبين إليه من وجهةِ النظر الشخصية هم أكثر حقارةً وتزلفاً ونِفاقاً وخوفاً ولا عقائدية، وهم بالطبع اكثر انقياداً واستسلاماً، لكن مثل هذا المنتسب الحزبي هو من أكثر العوامل والعناصر المؤلفة لهيكلية الحزب ثقةً وتقرباً عند القائمين عليه).

ويمكننا أن نلحظ بدقة، ما يفرزه التعسف القيادي للحزب السياسي أثناء أداء دوره في الساحة السياسية، فحين يبدأ أعضاء الحزب حياتهم الحزبية بالتملق والتزلف والكذب لقائد الحزب، فإن العواقب لابد أن تكون وخيمة على قادة الحزب وأعضائه جميعا، ومع ذلك يبقى العضو المنافق والمتزلف هو الأقرب للقائد من غيره اذا كان القيادة فردية.

ولكن هناك من يعترض على هذا النوع من القيادة المتجبرة، فيعلن اعتراضه بصوت عال ولا يخشى العواقب مهما كانت صعبة، على العكس من الاعضاء المتملقين، حيث غالبا ما يكونوا مقربين من القائد الأوحد للحزب حتى لو كانوا كاذبين.

يقول الامام الشيرازي، في هذا المجال بكتابه الذي يحمل عنوان ( الشورى في الاسلام): (على العكس مـن ذلك فـإن الأفراد الشجعان من ذوي الإيمان والإرادة والذين لا يتلاءم طبعهم الذاتي مع الانقياد الأعمى والطاعة المطلقة، لا يمكنهم أن يكونوا موضعَ ثقة واطمئنان هؤلاء القائمين والمشرفين على شؤون الحزب بل لا يمر زمان إلاّ ويُطردون من الحزب).

محاربة الرأي المعارض

ولعل من اخطر ما تفرزه مثل هذه الاحزاب في الساحة السياسية، أنها لا تسهم قط في البناء الدستوري للحكومة او دولة المؤسسات، كونها احزاب قائمة على التفرد بالسلطة، ولا تعتني بآراء أعضائها، ولا تعطي اهمية للصوت الذي يعارضها سواء من داخل الحزب او من خارجه، لذلك فإن مثل هذه الاحزاب التي تفتقد للاستشارة وحرية التحاور والتشارك في اتخاذ القرار وما شابه، لابد أنها تؤول للسقوط، بسبب عدم قدرتها على تمثيل مصالح الجماهير.

ولعل النتيجة الاكثر خطورة تتمثل في ابتعاد الجماهير عن الاحزاب، بل ومقتها للانخراط في العمل الحزبي، بسبب غياب الثقة الجماهيرية بها، كونها تمثل صورة مصغرة للدكتاتورية وغياب حرية الرأي، مما يؤدي الى انتعاش الكذب والغش في الادارة الفاشلة لشؤون بعض الأحزاب واعضائها.

كذلك هناك مشكلة تتمثل في ابتعاد الشعب عن الاحزاب، اذا كانت قيادتها دكتاتورية، لسبب واضح وبسيط أن الشعب لا يثق بالحكومة المستبدة، فكيف يثق بالاحزاب التي تقودها قيادات دكتاتورية؟؟ لذلك في هذه الحالة، تكون هناك فجوة كبيرة بين الشعب وحكومته، وهذا يجعلها غير دستورية، او فاقدة للشرعية بسبب عدم قبول الجماهير على أدائها.

من هنا يؤكد الامام الشيرازي حول هذا الجانب، قائلا: (في البلدان النامية، تفقد الأحزاب تلقائياً نفوذها الاجتماعي وطبيعتها الشعبية إذا كانت مُمثلةً بصورة مباشرة للحكومات والنظم السياسية والاجتماعية القائمة في البلاد، فانّ مثل هذه الأحزاب تفتقد للجاذبية السياسية والشعبية، وذلك لأنّها ديكتاتورية بطبيعتها، والديكتاتور ينفضّ الناس من حوله وإنّما يبقى بمشنقته وسجنه وتعذيبه).

ولهذا اذا اراد الحزب أن يكسب الجماهير، عليه أن يتمسك بالقانون، ويحرص على تطبيق الدستور، وينبغي أن يبدأ بنفسه أو واعضائه، دعما للحكومة الدستورية، وفي حالة حصول العكس، أي عندما لا يكون الحزب ديمقراطيا استشاريا، فإنه لا يمكن أن يسهم في البناء الدستوري للحكومة، وهكذا سيؤدي فقدان الحزب لمنهج الشورى الى عزله عن الشعب شيئا فشيئا.

وربما لهذا السبب تحديدا، لا تزال العلاقة بين الاحزاب السياسية والشعوب النامية فاترة، وهي ظاهرة أمكن ملاحظتها من لدن علماء السياسة والمعنيين، فعندما لا يستطيع الحزب ان يمثل تطلعات الناس، فإن السبب في قيادته وطريقة ادائه السياسي، وربما معظم الاحزاب الكبيرة تكون على هذه الشاكلة.

وقد أثارت هذه الظاهرة، حملة من الأسئلة لدى النخب، كونها أدت الى قطيعة بين الاحزاب والجماهير، وفشل في المشاركة بالبناء الدستوري، إذ يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه حول هذا الموضوع:

(تبقى هناك أسئلة حائرة على أًلسنة المثقفين والذيـن فوجئوا بالأحزاب وذاقوا الويلات وهي: هل للأحزاب مقدرة على تجسيد الخيارات الاجتماعية للشعوب؟ وهل هي قادرة على التعبير عن رؤيتها العالمية وتحسسها بقضايا الأمة؟؟؟).

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا