التجويع الفكري والمادي وسيلة الحكومات الفاشلة
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2015-08-17 07:00
جسم الإنسان يحتاج الى الغذاء حتى يستمر في أداء واجباته اليومية، وبقائه على قيد الحياة، وأي نقص في الغذاء والماء، يقود الى تجويع الإنسان، وهذا بدوره يؤدي الى ذبول الجسد وقصوره في أداء واجباته الحيوية، ومثلما يوجد طعام للجسد، يشكل عنصرا لإدامة الحياة فيه، يوجد غذاء فكري لعقل الإنسان وروحه، واي نقص في هذا الغذاء يقود الى خلل في أداء الإنسان لدوره الفكري في الحياة.
ولهذا يعمل الحكام الطغاة على تجويع الشعوب جسديا وفكريا، حتى تسهل قيادتهم، إذ يرى العلماء والفلاسفة أن هناك معادلة من الصعب نكرانها، او تجاوز نتائجها، تساعد في بناء الأمم والشعوب كما ينبغي، تقول هذه المعادلة: كلما ازداد وعي الأمة، وتنامي فكرها، واعتمدت التشاور في إدارة شؤونها، كلما تقدمت خطوة جديدة في طريق التقدم والازدهار.
اذاً هناك مقاييس تحدد مدى ارتقاء الفرد والمجتمع، ومدى قدرته وفاعليته في الإنتاج على الصعيدين الفكري والمادي، من هنا لابد أن يكون المعيار الذي يحدد مدى تقدم الأمم، مرتبطا بمدى الرقي الفكري السائد في تنظيم حراكها ونشاطاتها كافة، ولعل التشاور ورفض القسر والإجبار في التعاطي مع شؤون الحياة لا ينتج إلا في ظل ارتقاء الأفكار الناضجة والوعي الايجابي المعاصر.
لذا يؤكد الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه الموسوم بـ (الشورى في الإسلام) على: (أنّ الناس كما يحتاجون إلى ملء بطونهم، يحتاجون إلى ملء أذهانهم).
إذاً ليس هناك اختلاف من حيث النتائج، بين الغذاء المادي (الطعام)، والغذاء الفكري (العلم) لذلك غالبا ما نكون الحاجة الى الفكر والأجواء المتحررة، مساوية لحاجة الإنسان للفكر كغذاء للعقل والروح معا، وحين يجوع العقل او الروح، فإن هذا النوع من الجوع لا يقل عن الجوع المادي الجسدي، ولذلك فإن الشعوب الواعية تراقب حكامها بخصوص قدرتهم على التشاور البنّاء، وابتعادهم عن الفردية والعشوائية في اتخاذ القرارات التي تهم حياة الشعب.
وحين تشعر الشعوب الواعية المتطورة، من حيث الثقافة والعلم، بأن الحكام لا يرعون جوهر الشورى، ولا تعنيهم التعددية بشيء، ولا يهمهم حاضر الشعب ومستقبله، وهذا يشكل دليلا قاطعا على أنهم متجبرون وطغاة، من هنا يسعى الشعب الواعي بكل ما يستطيع الى إزاحتهم عن عروشهم، مهما بلغت التضحيات.
لذلك يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب في كتابه المذكور نفسه: (لا يكفي للحاكم الإسلامي ان يُطبّق مبادئ الإسلام وقوانينه، بدون تطبيق مبدأ الشورى الذي هو ركن من أركان الحكم في الإسلام).
الحاكم الفاسد مصيره السقوط
ان الحكومات الفاشلة المستبدة، تسعى وتخطط لنشر الفساد بين أوساط المجتمع، فضلا عن مؤسسات الدولة نفسها، فالفساد نتيجة حتمية للبيئة المتخلفة التي تصنعها الحكومات الفاشلة، لذلك تجدها بعيدة عن التشاور، وقائمة على الطغيان، من هنا نلاحظ على مر التاريخ، أن مآل الحكومات المتجبرة هو السقوط الحتمي بسبب غياب الحرية وفرض ما تراه السلطة الحاكمة، لاسيما أنها تغض طرفها عن الفساد والتخلف.
من هناك يؤكد الامام الشيرازي في كتابه نفسه، على: (ان حُسن الاستنباط والتـطبيق لا يـكون إلاّ بالاستشارية، نجد إنّ الحكومات في العصر الحاضر، التي قامت باسم الإسلام لم يمضي إلاّ زمان يسير حتى انفضَّ الناس من حولهم ، ثم عملوا لتقويضهم، فبعضهم سقط وبعضهم قرُبَ سقوطه).
وهكذا تشير التجارب والوقائع على حد سواء، الى تصاعد الغضب الجماهيري على الأنظمة التي لا تراعي مصالح الشعب، فيبدأ الصراع ويتصاعد بين الشعب الباحث عن حرياته وحقوقه وبين الحكومة المتفردة التي تحاول أن تفرض أجنداتها وتحمي مصالحها بالقوة على حساب الشعب، بالإضافة الى نشرها لأساليب التخلف والتجويع.
فتلجأ الحكومات الى التسويف والوعود التي تبقى حبرا على ورق!، وتبدأ رحلة الخداع التي غالبا ما يلجأ إليها الحكام الفاسدون، إذ أنهم يتحدثون عن الحرية والديمقراطية ويدّعون بأنهم يعملون بها ووفقا لمعاييرها، في الوقت الذي يغشون شعوبهم، ويقمعونها بقوة السلاح والسجون وغيرها.
لذلك يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب: (في ذات الوقت الذي يتكلم –الحكام- حول الديمقراطية والشورى نجدهم يلفّون حول أنفسهم بأموال الأمة للمصفقين والمهرجين والمُرتزقة والإمعّات ليسبّحوا بحمدهم في الإعلام). ويضيف سماحته قائلا أيضا: لذلك (يفتحون أبواب السجون لأصحاب الفكر والـرأي، وينصبون المشانق لكل حرّ، والويل لمن فتح فمه بكلمة واحدة، ظناً منهم أن السجون والمشانق ستقمع الصوت الحر والإرادة النبيلة).
من هنا تنطلق شرارة الاحتجاج والرفض والمقارعة الشعبية للحكومات التي لا تلبي حاجات الشعب، ولا تلتزم بالوعود التي تعهدت بها، فيبدأ الصراع بين الطرفين (الشعوب المظلومة من جهة وبين حكامها الذين يدّعون أنهم مسلمون من جهة ثانية)، وغالبا ما تكون الغلبة للشعوب في نهاية المطاف، ولكن الامر الغريب أن الحكومات الفاشلة لا تريد أن تتعظ من تجارب غيرها.
إذ يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه (الشورى في الاسلام): وهكذا (تراهم أكثر إمعاناً في سلب الأموال، وقتل الناس الأبرياء، وتكثير السجون، وتخريب البـلاد، وإذلال العباد، ممن سبقهم الذين ما كانوا يسمون أنفسهم بالإسلاميين).
من هو الطرف الخاسر دائما؟
وفي لجة هذا الصراع المتصاعد بين الشعب والحكومة الفاسدة، وانتشار الفساد والتخلف والتجويع، تبقى إرادة الجماهير هي الأقوى، هذا ما تؤكده أحداث التاريخ، بالإضافة الى الوقائع التي تحدث على الأرض، وهكذا تشير التجارب الى أن الطرف الخاسر هو الحاكم الذي يتخذ من الإسلام وسيلة لخداع الشعب، فيستبد برأيه ويفرض ما يراه بالقوة على الشعب (أساليب التجويع والفساد والتخلف)، وهذا ما يقود دائما الى التعجيل بإسقاطه.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله الواضح: (هنا يبدأ الصراع، فيأخذ الحاكم الـذي يسمي نفسه بالإسلامي بمهاجمة المسلمين ويقذفهم بمختلف أنحـاء التهم، ابتداءاً مـن ضد الثورة أو ضد الحاكم أو عملاء للاستعمار والأجنبي وانتهاءاً بأنهم رجعيون خرافيون، وإنهم كسالى عاطلون، إلى غير ذلك من التُهم والافتراءات).
لذلك ينبغي لمن يحكم المسلمين، في دولة تتخذ من الإسلام دينا رسميا لها، أن يفهم بأ الغلبة تبقى للجماهير دائما، وان اسلوب التجويع والخداع ونشر الفساد والتخلف، هي أساليب وقتية، سوف يتم دحرها والتغلب عليها، بالوعي والغذاء الفكري السليم.
ولابد أن يفهم الحكام المسلمون أهمية الشورى ودورها الكبير في الارتفاع بالامم الى أفضل المراتب، وقد ضرب الإمام الشيرازي مثلا ببعض الحكومات الغربية التي أخذت بهذا المبدأ وعملت به، بعد أن عرفت ووعت أهميته في تطوير حياتها، قائلا في هذا المجال: (نحن لا ندعي أنّ الغرب قد وصل حدّ الكمال، لأنّ الكمال في الإسلام). وفي تطبيقه وفقا لجوهر العدالة التي تدعو التعاليم الإسلامية لتحقيقها، بعيدا عن دسائس بعض الحكام وحكوماتهم، واعتمادهم على التخلف، أكثر من اعتمادهم على العلم والوعي، وهي مفارقة غريبة لم نجد الجواب الشافي عنها حتى الآن.