تخلف المسلمين وسؤال الاصلاح
قراءة في المنظومة الفكرية للإمام الشيرازي
حيدر الجراح
2015-07-26 06:10
لم تكن مرجعية الامام السيد محمد الشيرازي الراحل (قدس سره) مرجعية عابرة في الافق الشيعي على تعدد مرجعياته التي سبقته او التي عاصرها، ويمكن اضافة اللاحقين عليه، والذين احدث نوعا من الاستفاقة او الصحوة في طريقة عملهم وكيفية التعاطي مع الشؤون العامة للمسلمين. والتي لم تعد قاصرة على اصدار الفتاوى المتعلقة بالشعائر والحلال والحرام، بل تعدت ذلك الى الاهتمام بدرجة او بأخرى بالجوانب السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي تهم المسلمين في معيشهم اليومي.
لم تكن مرجعية عابرة، لاتترك اثار مسيرها في الواقع أو التاريخ او المؤسسة الدينية الشيعية او الوسط الشيعي الاجتماعي والثقافي، وسبب ذلك يعود الى ان الامام الراحل لم يحصر نفسه في الجانب الفقهي من المؤسسة المرجعية التي تم التعارف عليها طيلة قرون طويلة، بل انه وحسب شهادة احد تلاميذه (فقيه مصلح، فهو كان يحمل أفكاراً متجددة، لأنه كان يحمل مشروع نهضة اصلاحية للعالم الإسلامي، بل للعالم كله). من شهادة غير منشورة لسماحة اية الله الشيخ فاضل الصفار.
وكان السؤال الابرز الذي انشغل فيه وعليه طيلة مسيرته، في العراق او الكويت او ايران، هو سؤال الاصلاح لواقع هذه الامة، والذي شاهد ببصيرته انها تسير في منحدر متواصل لا يمكن ان يؤدي باي حال من الاحوال الا الى هوة سحيقة من التراجع الحضاري والسقوط.
ومركزية سؤال الاصلاح في نهج الامام الراحل وعنوان مسيرته، متأتية من صفة شخصية لازمته وعرف بها وهي انه لم يكن يهتم او يقيم وزنا للمسائل الهامشية أو الجزئية في الحياة، لهذا كان مشروعه للنهضة والإصلاح، يبدأ من الدولة ورئاستها وإلى الحكومة والوزارات، ثم إلى الإدارة والزراعة والصناعة والتجارة والتعليم.
و(في كل قضية من قضايا السياسة والحكم والحياة والانسان عنده رأي وموقف، وكان بإمكانه لو أن العالم كان طوع أمره، والحياة السياسية والاجتماعية كانت طوع إرادته، أن يأتي بمنهجية جديدة في الكثير من الأشياء، ولو كانت له يد وسلطة لأجرى التغيير اللازم عليه). الشيخ فاضل الصفار/ من شهادة غير منشورة.
المتابع لنتاج الامام الراحل المطبوع، ناهيك عن محاضراته وتوجيهاته في جلساته مع الاخرين، يلحظ هذا الهم الاصلاحي في تفكيره، وهو الذي كتب عن التخلف في اكثر من موضع في مورد التشخيص للداء، ثم كتب عن الاصلاح في مورد الحلول والمعالجات.
ابدأ من كتابه (الصياغة الجديدة لعالم الايمان والحرية والرفاه والسلام) والذي يقول فيه: (السؤال الكبير الذي يتردد على كل الشفاه، ويطرح في كل الأندية هو: لماذا لم يتمكن المسلمون من النهوض حتى ينقذوا أنفسهم من براثن الشرق والغرب أولاً وحتى ينقذوا سائر البشر ثانياً مع ما للإسلام من المناهج الصحيحة والحريات الواسعة، على ما قال سبحانه: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) (التوبة: 33).
ومع أن جماعات كثيرة من المسلمين حاولوا ذلك فلم تجد تلك المحاولات؟
وليس هذا سؤالاً فحسب، وإنما نحن بصدد بيان العلاج للمشكلة بما نراه مناسباً لها، حتى نتمكن من صياغة العالم الجديد الذي يعمه الإيمان والحرية والسلام والرفاه).
في اجابته على هذا التساؤل، يؤشر لأربعة عشر عاملا يراها سببا رئيسيا لعدم النهوض والتراجع، وهذه العوامل هي:
العامل الأول: انحراف الحكومات التي تدعي الإسلام
العامل الثاني: المؤامرات الاستعمارية
العامل الثالث: العنف
العامل الرابع: الاستبداد الحزبي
العامل الخامس: الحياة المترفة للقادة
العامل السادس: العزلة عن الجماهير
العامل السابع: التعامل مع السلطات الفاسدة
العامل الثامن: عدم إرضاء الناس
العامل التاسع: الاستعلاء على الآخرين
العامل العاشر: عرض الإسلام بصورة منفرة
العامل الحادي عشر: التطبيق المعكوس للأفكار
العامل الثاني عشر: التنافس السلبي
العامل الثالث عشر: محاربة العلماء
العامل الرابع عشر: التجارب الفاشلة
هذه العوامل لم تكن لتوجد لولا ما يطلق عليه الامام الراحل (قدس سره) تسمية (بيئة التخلف) في كتابه (الاصلاح) والذي يعتبر فيه ان من مقومات الإصلاح، هي القضاء على بيئة التخلف.
وحسب الامام الراحل فان بيئة التخلف هي (الجهل والنزاع، والكسل والضجر، وشيوع الزنا والانحرافات الجنسية، والمرض والكآبة، وعدم الأمن والبطالة، واشتغال كل بلذائذه ومصالحه بأقصى ما يمكنه وعدم الاعتناء بحقوق الآخرين، وعدم تحمل المسؤولية وخدمة الآخرين، والعمل لكسب المنافع من أي طريق كان، ومطاردة ما يتصوره من المضار كذلك) وهذه كلها من أسباب تكوّن بيئة التخلف. كما يرى الامام الراحل.
لاجل الاصلاح يدعو الامام الراحل الى إصلاح الفرد وإصلاح المجتمع، لان (من أهم ما يلزم في إصلاح المجتمع، هو إصلاح الفرد، لأن المجتمع يتشكل من فرد وفرد وفرد، وكل من الفرد والمجتمع يؤثر في الآخر سلباً وإيجاباً. ومثل المجتمع مثل الفرد، في الصلاح والفساد، والصحة والسقم، والتقدم والتأخر).
وسبب الاهمية في اصلاح الفرد، لان هذا الفرد (قد يقدّم مصلحة المجتمع على مصالحه الشخصية، حينها يكون المجتمع متقدماً).
أو (قد يجعل مصالحه الشخصية كمصالح المجتمع وبنفس المستوى، وحينها يكون المجتمع بدون تقدم).
أو (قد يجعل مصالحه الشخصية فوق مصالح المجتمع، وحينها يكون المجتمع منحطاً متخلفاً).
وهناك اسباب اخرى للتخلف اضافة للعوامل التي سبق ذكرها، منها:
عدم الاهتمام بالعلم
حيث (أصبحنا اليوم بحيث لا نهتم بالعلم والتعمق، والعمل والمثابرة، بينما الأجانب أخذوا يعملون بكلا الشيئين، مضافاً إلى السبب الرئيسي في ذلك وهو: أننا تركنا ما أمرنا به رسول الله (ص) من التمسك به، حيث قال (ص): «إني تارك فيكم الثقلين ـ أو خليفتين ـ: كتاب الله وعترتي أهل بيتي». والحديث متواتر عند الفريقين). من كتاب / طريقنا الى الحضارة.
ثم يطرح الامام الراحل في كتابه (مقالات) تساؤلا هو: هل يمكن الإصلاح؟
يجيب عنه قائلا:
(كلنا نعرف الداء، وإنما الخلاف في الإصلاح، فالأغلبية الساحقة يرون أنه غير ممكن، ولهم حجج ومستندات.
أن كل نهضة، وكل فكرة، كانت مهددة في بدو أمرها بكل التحديات، وقد لاقت كل المتاعب والمصاعب، وجوبهت بجميع المجابهات، ومع ذلك فقد نجح كثير منها، مع أن ما يذكره المتقاعسون عن الاصلاح بعيد عن الصواب).
ثم يتساءل ايضا في كتابه (مقالات)
كيف نعمل؟
يرى الامام الراحل (إن الإصلاح في مجتمع اتجه نحو جهة الفساد من أشكل الأمور، فمن يريد الإصلاح في مثل هذا المجتمع الفاسد يلزم هدمه من أصله، وبناء مجتمع جديد من الأساس).
ويضيف قائلا: (ولذا نرى أن المصلحين هادمون بانون في وقت واحد. ومجتمع المسلمين في هذا اليوم كتلك المجتمعات التي لعبت بها أيدي العابثين، فأصبحت تحتاج إلى تجديد من الأساس.
فإن تمكن المصلح من هدم أساس ذلك هدماً لا مردّ له، تغيرت الحالة، وتحسن المجتمع، أما النصح والوعظ والإنذار والإرشاد، والجنة والجحيم، والعذاب والنعيم بوحدها، فنتيجتها ضعيفة ولم يكن القائل بذلك مغالياً ولا جائراً).