سبل توظيف الرأي العام لإستعادة الحقوق المهدورة
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2021-12-13 04:31
(لابد من توظيف الرأي العام لبلوغ الأهداف المشروعة) الإمام الشيرازي
تكتسب المواقف قوتها من حجم القوى الداعمة والمؤيدة لها، وهذا يتعلق بالقدرة على إقناع الآخرين بحجتك ورأيك وأهدافك، فكلما تفّهم الآخرون ما تصبو إليه من أهداف، سيكون هذا مدعاة لتأييدك ودعم موقفك، وتكون النتيجة تحقيق نتائج جيدة في نهاية المطاف، لذا لابد للأمم والشعوب والدول أن تكسب الرأي العام الداخلي والخارجي، حتى تضمن الدعم المطلوب لتوجهاتها كي تحمي مصالحها وتحقق أهدافها.
هناك أنظمة لا تعترف بالرأي العام، وغالبا تكون دكتاتورية أو مستبدة أو فاسدة، فهذا النوع من الأنظمة لا يعنيه موقف الآخرين، كل ما يعنيهم حماية السلطة والبقاء في العرش أطول مدة ممكنة، بأساليب معظمها وربما جميعها مرفوضة، كونها غير مشروعة، أما الأنظمة المنبثقة من سلطة الشعب، فتكون حريصة كل الحرص على الدعم الداخلي والخارجي لها، الداخلي ممثلا بالشعب، والخارجي ممثلا بالمنظمات الحقوقية والدول القوية.
هناك وسائل وأساليب وخطوات يمكن من خلالها كسب الرأي العام، فما يصح على الدولة يصح على الفرد، والفرد لا يمكن أن يحصل على دعم الآخرين ما لم يعرفوا أفكاره وأهدافه ويقتنعوا بها، وهذا الهدف لن يتحقق إلا بالشرح والتوضيح والنشر، لذا على الأمة أن تبذل ما يكفي لإقناع الآخرين بأهدافها وهذا لن يتحقق لوحده، ولا يتم بطريقة آلية، بل هناك خطوات وجهود يجب أن تُبذَل في هذا السياق، أهمها استثمار الإعلام بشكل صحيح، وتوصيل الأفكار عبر الكتب والمطبوعات المختلفة لكي يطلع الآخرون على حججنا وآرائنا ويدعمونا.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يتطرق لهذه القضية في كتابه القيم الموسوم بـ (الرأي العام ودوره في المجتمع)، فيقول:
(يجب أن نكسب الرأي العام بواسطة توظيف الإعلام بصورة صحيحة، مع المثابرة على طبع الكتب التي توضّح أفكارنا وتوجهاتنا، ونشرها وإيصالها إلى أبعد نقطة ممكنة، وإصدار المجلات والصحف).
دور الوعي والثقافة بكسب الآخرين
كما نلاحظ فيما يجري بالعراق أو في العديد من الدول والمجتمعات الإسلامية، هناك إهمال أو جهل بأهمية كسب رأي الآخرين، وهذا الإهمال قد يأتي بسبب قلّة بعد النظر للساسة أو القادة، وربما يأتي بسبب أمراض التضخم الذاتي التي قد تتلبس بعض الساسة القياديين، فينظر لنفسه على أنه الأرجح عقلا والأقوى حجة، فلا حاجة له بالمواقف الساندة أو المؤيدة له، وهذه من صفات القائد المستبد والدكتاتور، وقد لا تعبأ بعض نخب المجتمع بتحشيد الرأي العام لإنجاز هدف على قدر كبير من الأهمية، لقلة الوعي والثقافة أيضا.
لكن كل التجارب، في الماضي والحاضر أكدت أن الإعلام والثقافة وتوصيل الآراء وتوضيحها للآخرين، تقود بالنتيجة إلى كسب تأييدهم، مما يساعد في قضية الحفاظ على الحقوق لاسيما حين تحمل المطبوعات المختلفة أفكارنا الإيجابية، ولا ينحصر تحريك الثقافة والتوعية على الخارج أو الآخرين فقط، بل في المجتمع الداخلي هناك أيضا من يجهل أهداف الأمة والحكومة معا، وهذا يؤدي بالنتيجة إلى ضعف الرأي العام المساند.
من الأهمية بمكان أن يتم تحديد الوسط المستهدَف بتوصيل آرائنا الصحيحة وأفكارنا الإيجابية، ومن بين ذلك أبناؤنا وشبابنا، ومن ثم تحفيز الآخرين للتضامن مع قضايانا، على أن يكون الحق معنا، وهذا يتأتى من دقة الآراء وصحة الأفكار وعدم تنافيها مع القيم التي تؤمن بها المجتمعات على أسس من العدل والمساواة والإنصاف، وحين يكون الحق إلى جانبنا، فإن مسألة كسب تأييد الآخرين سوف تصبح نتيجة محسومة لصالحنا.
يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة:
(هناك مكسب مهم وكبير ينتج عن طبع ونشر الكتب والمجلات التي تحمل أفكارنا الإيجابية، وتوضح وجهات نظرنا، وهذا المكسب يتجسّد في تكريس الوعي المجتمعي وتطوير الثقافة في عقول أبنائنا أولا، ثم كسب الآخرين للتضامن معنا ثانياً؛ قال أمير المؤمنين (ع): من عمل بالحق غَنِم).
ثقافتنا ومبادئنا تؤمن بكرامة الإنسان
لا يوجد خيار أمام العراقيين والمسلمين عموما، في قضية كسب الرأي العام الداخلي والخارجي، فالأمر بات حاجة سياسية وحقوقية ملحّة، على أن لا يتم إغفال الوسيلة الأهم في هذا الجانب، وهي إفهام الأمم والآخرين، أفرادا أو جماعات، بأهدافنا وحقوقنا وطبيعة أفكارنا وعقائدنا التي تميل إلى مساندة الحق، وتؤمن بكرامة الإنسان والحفاظ عليها، ولا يعنيها الاختلاف في الرأي، طالما كان في حدود التنافس ولا يتحول الفكر أو الرأي الآخر إلى خلافي مغلق أو تكفيري، وطالما بقي في إطار التنافس المشروع فلا مشكلة في ذلك.
في هذه الحالة سوف يستفيد العراقيون بشأن كسب تأييد الآخرين، لاسيما أنهم يمرون بمرحلة حرجة، وهي مرحلة التحول البطيء من ثقافة الاستبداد إلى ثقافة الحرية، في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولهذا يجب على العراقيين في هذه المرحلة العمل الحقيقي من أجل كسب مساندة الأمم الأخرى لتجاوز هذه المرحلة وعقباتها، واستعادة الحقوق، وتثبيت المبادئ التي تضمن للعراقيين حياة متوازنة.
يؤكد الإمام الشيرازي ذلك في قوله: (يستفيد العراق بهذه الطريقة في كسب المؤيدين له مما يؤدي إلى التغلب على أعدائه واستعادة الحقوق المهدورة).
التخطيط لمضاعفة الوعي الجمعي أمر يجب أن يكون محسوما، كما أن آليات التنفيذ يجب أن تتصدى لها المنظمات والجهات المعنية، حكومية أو مدنية، على أن يكون التركيز كبيرا، بل حاسما على الثقافة، فلو تلّحنا بثقافة ضامنة للتوازن والتفاعل مع الآخرين، وتأكدنا من أننا بعيدين كل البعد عن الخوف بحجة الغزو الثقافي، وهو أمر يجب أن نغترف بخطورته، لكن الحذر في هذا المجال يجب أن لا يحرمنا من قطف ثمار التفاعل المتكافئ مع الثقافات الأخرى.
عندما يرتفع الوعي، ويعلو شأن ودور الثقافة، فهذا يؤدي إلى بناء قاعدة ثقافية تحمي الجميع، وبهذا حتى الفرد سوف يكون محصنا بثقافته، ويحميه وعيه، ولا خوف عليه حتى في هذا المد الثقافي المتعدد الجهات والأهداف، فحين نخلق أفرادا ومجتمعا واعيا مثقفا بثقافة أصيلة، فإننا نكون قد وضعنا أقدامنا على السكة أو الجادة الصحيحة، وهذا هو المطلوب في عالم اليوم، حيث لا يصح الانغلاق، ولا الانفتاح العشوائي المنفلت.
الوعي والثقافة سوف تجعل من المجتمع كتلة واحدة، نشيطة، متجددة، لا تخشى الثقافات الأخرى، ولا تنغمس فيها دونما تمحيص وتشخيص، بل تجري التفاعلات المتبادلة بطريقة الندّ للند، وليس المتبوع والتابع.
يقول الإمام الشيرازي:
(لا يخفى أثر الوعي والتثقيف في حياة الشعوب، فهو شيء واضح وملموس، فإذا كسبنا الرأي العام، نعرف أن هذا حصيلة توجههم نحو الوعي والثقافة والتثقيف، وهذا ينعكس على أوضاعهم وحياتهم الشخصية أيضاً، حيث يتحول الجميع إلى كتلة من النشاط والتسلح بالثقافة الإسلامية).
ويضيف الإمام الشيرازي قائلا: (بالوعي والتثقيف يمكن التحول من الانحطاط والاستغلال والعبودية إلى العزة والتقدم والاستقلال).
الخلاصة نحن كعراقيين والمسلمين أيضا نحتاج دعم الآخرين، في الداخل والخارج، وهذا لا يمكن تحقيقه دون إيضاح أهدافنا وطرح أفكارنا على طبق من وضوح، فنحن لا نخشى شيئا فنخفيه، بل الوضوح الفكري ميزة مهمة وأساس من مزايانا، وعلينا إتقان عمليات التوصيل إعلاميا، وثقافيا معتمدين على ما هو متاح من وسائل اتصال حديثة قلبت الموازين لصالح من يستخدمها بجرأة وتوازن ونجاح.