حق المعارضة في حكومة النبي محمد (ص)

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2021-05-10 05:04

(اللاعنف على رأس المسائل التي نالت اهتمام الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله)

الإمام الشيرازي

يُجمع المسلمون على أن المنهج النبوي في إدارة الحكم، يرسم خارطة طريق سياسية واضحة المعالم، لكيفية إدارة شؤون السلطة، ويوضّح الخطوات السليمة التي يتم التعامل وفقها مع المعارضة، فحق الرأي المعارض والمختلف مكفول في المنهج النبوي، كما أكده أئمة أهل البيت عليهم السلام حين اتخذوا من مبدأ معارضة الحكومات المستبدة طريقا لهم.

هذا هو الدرس الأول للمنهج النبوي في إدارة الحكم، وقد أوصى به الرسول الأكرم (ص) جميع الولاة، فيما أكده الإمام علي (ع) في حكومته، حينما كان يتابع ولاته ويرسل لهم الكتب والرسائل التي ينبّههم فيها، على الابتعاد عن العنف والتعذيب والقمع، ومراعاة حق الرأي المعارض، وحمايته ومنحه الحرية في الجهر والإعلان أمام الملأ.

لكن أحزاب السلطة في الحكومات الإسلامية والعربية لم تأخذ بحق المعارضة، ولم تعطه حقه، كما أنها تخلّت عن مراعاة حق الرأي، ولم تتعلم كما يجب من حكومة الرسول صلى الله عليه وآله، كما أنها كطبقة سياسية أخفقت في معرفة وتمحيص تجربة الإمام علي عليه السلام، واعتماده اللاعنف مع معارضيه، علما أن مصطلح المعارضة في السياسة مقترن بالأحزاب أو أي مجموعات أخرى تعارض الحكومة، بل حتى الأفراد لهم حق الإعلان والتصريح برأيهم المختلف مع الحكومات.

القمع وتكميم الأفواه سياسية فاشلة، تقود أصحابها نحو حتفهم وتعجّل في نهايتهم، منطق التاريخ والتجارب أكدت هذه النتائج، ومن المؤسف حقّا أن يتلكّأ الساسة في الدول الإسلامية بمجال التعامل الصحيح مع المعارضة، بالإضافة إلى إخفاقهم في الأخذ باللاعنف كطريق لمعالجة الاختلافات والمشكلات التي تواجه الحكم من قبل الأصوات المعارضة، والآراء التي لا تتفق مع أصحاب السلطة، ومما لوحظ في سياستنا المعاصرة، قمع المعارضين دون رحمة.

على أن أسلوب القمع يتعارض مع المنهج النبوي جملة وتفصيلا، كما أنه يتعارض مع التجارب الحكومية الناجحة التي أعقبت حكومة الرسول الأكرم (ص)، كما نلاحظ ذلك في حكومة الإمام علي عليه السلام، واتخاذه من مبدأ كفالة حق الرأي وحرية المعارضة منهجا راسخا في إدارة الحكم، وعدم التعامل بعنف مع المعارضين.

المنهج النبوي والحفاظ على حق المعارضة

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي، (رحمهُ الله) يؤكد رفض الاستبداد والعنف السلطوي، فيقول في كتابه القيّم (اللاعنف في الإسلام):

(على رأس المسائل المهمّة التي نالت اعتناء وتأكيدات الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، والأئمّة الأطهار عليهم السلام، هي مسألة اللاعنف مع الرعية، فبين فترة وأخرى تجد أنّ الرسول الأعظم وأهل بيته الطاهرين يوصون الولاة فضلا عن السلاطين والحكّام بالرفق برعيتهم وعدم البطش بهم).

وقد كان حق المعارضة والاحتجاج والرفض مكفولا لجميع المعارضين، حتى من غير المسلمين، فالأقليات كانت حرية الرأي لها مكفولة، وحق المعارضة والاختلاف في الرأي مكفول أيضا، بل أحيط هذا الرأي من الدين الإسلامي بالقداسة، وجعله حق غير قابل للتضييق أو التسويف أو المخادعة، نعم هو لم يكنْ يسمى آنذاك بحق المعارضة، لكنّه حق مضمون لكل من يريد أن يعارض الحاكم والحكومة في قراراتها أو طبيعة سياسيتها.

الإمام الشيرازي يشير إلى ذلك بوضوح فيقول:

(بلغت سياسة الإسلام في اللاعنف والسلم، قدراً من القداسة بحيث إنّها أتاحت المضمار لشتّى الطوائف على مختلف مشاربهم وأفكارهم في أن يبدوا آراءهم واعتراضاتهم إزاء كلّ شاردة وواردة تطرأ على الساحة، وهذا ما يسمى بحرية المعارضة وحقوقها).

في عهد الرسول صلى الله عليه وآله، كان الجميع أحرار فيما يقولون ويرتئون ويعلنون آراءَهم المعارِضة والمختلفة مع سياسة الدولة، وهذا يعني أن أعظم وأول قادة المسلمين بدأ بهذا المنهج وتمسّك به، واعتمده كمنهج فكري وسلوكي في دولة المسلمين الأعظم، وهذا ما يثبت بأن مبدأ قبول المعارضة وحرية الرأي وعدم التضييق عليه أو محاصرته أو منعه، هو مبدأ ومنهج الرسول الأكرم، وقد ألزم نفسه به وألزم معاونيه أيضا، وأخذه عنه تلميذه الإمام علي (ع) الذي لم يحدْ عن ذلك وتعامل مع معارضيه.

يقول الإمام الشيرازي:

(في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، ممثّل الإسلام الأوّل ورافع راية النبوّة الخاتمة، كان المعارضون حتى من غير المسلمين، يبدون اعتراضاتهم بكلّ صراحة ودون أيّة مخافة، وكان رسول الله يتقبّل ذلك بصدر رحب ويتعامل معهم بكلّ حفاوة واحترام، ولم يلجأ يوماً ما إلى العنف والبطش معهم أبداً).

لا تسفكوا دم المعارض لكم

العقبة الأكبر التي يواجهها الناس اليوم هي قمع الحريات، ومطاردة المعارضين، وتشريدهم وتهميشهم، ويصل الأمر حتى إلى تصفيتهم، فهل يحترم السياسيون اليوم معارضيهم، وهل الطبقة السياسية التي تتصدى لسدّة الحكم وأفرادها الذين يحكمون ويسيّرون شؤون بلدانهم، أخذوا بما اعتمده نبيّهم الأكرم في إدارة شؤون السلطة والأمة؟، أم أنهم لا زالوا يتخبّطون في مغانم السلطة، ويرون بأن الرأي الذي يعارضهم هو عدوّ لهم؟؟

فيبحثون عن ألف سبب وسبب لتدمير من يعارضهم، وإن لم يتمكنوا من إسكاته فالتصفية هي الحل المناسب في تقديرهم، مخالفين بذلك المنهج النبوي الذي قام على مراعاة حقوق الجميع، وإتاحة الرأي وحمايته، وكفالة الحقوق دونما نقصان، وهي دروس مقدّمة لساسة اليوم وحكوماتنا المعاصرة، كي تستفيد من هذا المنهج الذي أدار السلطة بنجاح يشهد به العدو قبل الصديق.

لا يقتصر نجاح اللاعنف مع المعارضة السياسية وحدها، فهو منهج حياتي شامل يمكن أن ينجح في إدارة المؤسسات من أكبرها نزولا إلى الأسرة، بل حتى القادة العسكريين الذين يتّصفون كما يُشاع عنهم بالخشونة هم بحاجة أيضا إلى اعتماد اللاعنف واللين، كونه يقرّب الجميع منهم، ويجعلهم في مركز أكثر قوة وصلابة من خلال التأييد لشخصه وأسلوب إدارته، لذلك حتى القائد العسكري عليه أن يتخذ من اللاعنف طريقا له، وهذا لا يعني بأنه ضعيف أو غير شجاع، على العكس فإن ذهابه إلى اللاعنف يعني حكمة وشجاعة في إدارة الأمور الملقاة على عاتقه.

يقول الإمام الشيرازي:

(ربما يتصوّر البعض أنّ القائد العسكري حتّى يكون موفّقاً فلابدّ أن يكون عنيفاً بحيث لا تعرف الرأفة والرحمة إلى قلبه سبيلا. ولكن هذا التصوّر ليس بصحيح، فليس العنف والبطش هما سر نجاح القائد العسكري الموفّق، بل على العكس تماماً ينبغي للقائد العسكري أن يكون ليّناً رؤوفاً مضافاً إلى أهمية كونه شجاعاً قوياً وحكيماً).

في حين حذر الإمام علي (ع) من سفك الدماء، بحجة المعاداة أو المخالفة أو الاعتراض، فلا يجوز سفك الدم حتى لو كان صاحبه مختلفا في رأيه، ومعارضا لمنهج وأحزاب السلطة، وهذا ما ما قاله الإمام علي (ع) في عهده إلى مالك الأشتر:

(وإيّاك والدماء وسفكها بغير حلّها، فإنّه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدّة من سفك الدماء بغير حقّها، والله سبحانه وتعالى مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوّين سلطانك بسفك دم حرام، فإنّ ذلك ممّا يضعفه ويوهنه ويزيله وينقله ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد).

المنهج النبوي هو خارطة طريق لإدارة السلطة في الدول الإسلامية، فكل دولة تتخذ من الإسلام دينا رسميا لها، على طبقتها السياسية وحكامها وسياسييها وأحزابها، أن يتعمقوا جيدا في المنهج النبوي، وأن يحترموا المعارضة، ويحموا حرية الرأي بغض النظر عن اختلافه عن الرأي الرسمي لأصحاب السلطة.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا